الإشكال اللغوي ببلادنا

25 أغسطس 2022 00:11

هوية بريس – أحمدو سيدي الشيخ

كنت كأغلب الشباب غير المتخصصين، لا أعتبر أن للغة دورا محوريا في التعلم..

في إحدى المرات بالجامعة كنا ندرس مصوغة بعنوان: architecture des ordinateurs، في أثناء بحثي عن بعض المواد وجدت درسا باللغة العربية، في إحدى الجامعات السعودية، فأعجبني وقرأته وزاد من فهمي للمادة.. كما كنا في مصوغة للبرمجة نركز على قناة سعودية لمبرمج مشهور (أظن أن اسمه عبد الله).

بعد ذلك، توقف بحثي عن دروس باللغة العربية (لا أعرف السبب)، حتى مرحلة الماستر لا أتذكر أنني طالعت أي كتاب أو وثيقة تتعلق بتخصصي باللغة العربية..

على الرغم من أن الوالد إسلمو ولد سيدي أحمد كان يحدثني باستمرار عن أهمية اللغة العربية ويذكر لنا بعض المقابِلات العربية لمصطلحات فرنسية، وعن ضرورة التواصل والكتابة بها.

في تلك الفترة، كان النقاش اللغوي في المغرب محتدما (وما زال).. وهو ماجعلني أستفيد من ترافع المثقفين المغاربة عن اللغة العربية ومكانتها.. كانت نخبهم المثقفة تترافع بقوة وكتبت في ذلك كتبا ومقالات ونظمت ندوات ومحاضرات ومؤتمرات.. نذكر للمثال لا الحصر ما كتبه: المفكر محمد عابد الجابري، عبد الله العروي، المهدي المنجرة.. ومن المتأخرين: عبد العلي الودغيري و الفاسي الفهري، ومحاضرات المقرئ الإدريسي ومرافعاته القوية.. والأساتذة المنضوون تحت الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية.

إنني مدين لكل أولائك الأعلام، الذين أسهموا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في فهمي لقضية اللغة العريية في الدول العربية التي استعمرتها فرنسا.
رغم كل ذلك، لم أقتنع بما فيه الكفاية (ربما كنت أنتظر أن أمر بتجربة خاصة لأقتنع).

لهذا، عندما سجلت في مرحلة الدكتوراه، كانت عندي بعض الاختبارات التي يلزمني أن أمررها على طلبة الإعدادي بالمغرب (والفيزياء تدرس ساعتها باللغة العربية) مما يفرض علي أن أكتب الاختبارات بالعربية.. فذهبت لمقابلة الأساتذة الذين يدرسون المادة للتعرف على البيئة الصَّفية وأخذ آرائهم في الاختبارات.. فعندما دخلت الحصة وجدت الدرس باللغة العربية (الانكسار، الانتشار المستقيمي للضوء، الموشور، العدسات الرقيقة.. إلخ)، فلكأن هذا الذي تقول الأستاذة ليس غريبا علي وأن الغريب علي هو المصطلحات الفرنسية ( Refraction, Propagation rectiligne de la lumière, Prisme, lentilles minces).. منذ تلك اللحظة، بدأت أبحث في المراجع العربية، خلفيتي العربية جعلتني أتأقلم بسرعة مع الوضع، بل إن المصطلحات العربية كانت بديهية بالنسبة إلي، على الرغم من أنني لم أدرس قط البصريات الهندسية بالعربية.

قادني ذلك للبحث عن كل المصطلحات العلمية في تخصصي بالعربية (مستعينا بمعاجم مكتب تنسيق التعريب بالرباط التي اقترحها علي الأستاذ إسلمو سيدي أحمد.. والمواقع السورية والمشرقية التي تُنشر فيها بعض المقالات والأطروحات ورسائل الماستر بالعربية.

لدرجة أني في بعض الأحيان أضيع الوقت في البحث عن مقابل المصطلح الفرنسي بالعربية (situation d’apprentissage أتعبتني كثيرا).

لكن ذلك، كان يجعلني أفهم أكثر رغم الوقت الذي يأخذه مني وهو ماجعلني أنفتح على الكتب بالعربية في مجال تخصصي وهي كثيرة (كنت سأحرم منها لو أنني لم أنتبه لذلك).

إضافة إلى دروس في مركز التوجيه والتخطيط التربوي، حضرتها بالعربية وسمعت لأول مرة (المنوال، المتوسط، والوسيط.. التباين ..) وهو ماجعلني اشتري كتبا للإحصاء بالعربية وأحمل العشرات من الشبكة العنكبوتية.

بعد ذلك، أدركت أهمية اللغة العربية في عملية اكتساب المفاهيم العلمية، وأنه كلما كان المتعلم يعرف المصطلح بعدة لغات زاده ذلك فهما للموضوع وإتقانا له.
فيما يخص الإشكال اللغوي في واقعنا الموريتاني،ظل دوما يؤرقني، ويؤرق كل مهتم بمستقبل البلد.. إلا أنني رغم قناعتي أن اللغة العربية، لابد أن تجد مكانتها اللائقة في الإدارات وفي التعليم (فهي لغة الدولة الرسمية حسب الدستور).. لكن الواقع عندنا معقد، والدولة بمؤسساتها التعليمية وبوزاراتها لم تستطع لحد اللحظة أجرأة المادة السادسة من الدستور في الواقع العملي لمؤسسات الدولة.

إذن، لايمكن لنا أن نقفز على الواقع!!، فلايمكن لنا في الوقت الراهن القطيعة مع الفرنسية، وهو ما جعلني بدأت أميل لرؤية المفكر المغربي الألمعي حسن أوريد فيما يخص اللغات (ضرورة ازدواجية لغوية وهو الأمر نفسه الذي كان يسعى إليه إصلاح 99 لكنه فشل في أجرأته لأسباب عديدة، مع أني ضد تدريس العلوم بالفرنسية)، وأنها تناسب واقعنا أكثر من واقع بلده .. ففي الأخير، في المغرب وتونس والجزائر عندما تُنظم لقاء لاتحتاج لترجمة للفرنسية لأن الحضور يعرفون العربية. أما عندنا فالعكس (هذا واقعنا..).

هذا واقعنا الذي يجب علينا الانطلاق منه لإيجاد حلول لهذا الواقع المعقد.. وهو نتاج عقود من نظام تعليمي عاجز عن تأدية دوره، وفشل في تكوين مواطنين يتقنون لغة البلد الرسمية.

لذلك، أرى أننا نقفز على الواقع، عندما نطالب طلابا تكونوا في مؤسسات تعليم عال أن يتحدثوا بالعربية (قد يكون بعضهم اشتغل على نفسه بنفسه وله القدرة على التحدث علميا بلغته العربية.. وهذا استثناء وإن تحقق لشخص قد لا يتحقق لآخرين).. من جهة أخرى، قد تكون المطالبة وجيهة عندما يكون نشاط منظم من طرف مؤسسات الدولة الرسمية، التي تعتبر اللغة العربية، لغة رسمية لها.

خلاصة القول، هناك وعي متزايد بأهمية حضور اللغة العربية، التي كان حضورها إلى وقت قريب ضئيلا في المشهد العام.. لكنه تزايد في السنوات الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي بالتحديد، وأصبحت اللغة العربية هي لغة التواصل الأولى عبر المنصات الرقمية (نسبة كبيرة تكتب بعربية فصحى، خلافا لبعض العرب الذي يكتبون باللهجات المحلية، وهذا معطى مهم).. لكن هذا الوعي لكي تنتج عنه قرارات سياسية “واعية”، يحتاج لعقد أو عقود أخرى..

فالمطالع للقانون التوجيهي الأخير لنظامنا التعليمي، يدرك الطريقة التي عولجت بها الهندسة اللغوية.. وهذا مؤشر على أننا لم نصبح بعد مؤهلين لفتح نقاش حقيقي وجاد بين نخبنا، لنفكر معا في معالجة القضية اللغوية عندنا.. الأمر يحتاج لعصف ذهني ولنقاش جاد.. مازالت الجهات المعنية تتهرب منه، ومازالت النخب والأحزاب عاجزة عن وضع رؤية لحله.

إذن والحال هذه، علينا أن نفكر، ونسائل واقعنا اللغوي باستمرار علنا نجد حلا له.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M