التافه.. كاتب وكتاب

27 أبريل 2024 19:15

هوية بريس – عبد المولى المروري

استدرك علي بعض الأصدقاء الأعزاء المحترمين وصفي لكتاب المسمى رشيد أيلال المعنون بـ: «صحيح البخاري: نهاية أسطورة» بـ”التافه“، كما آخذوا علي ما أسموه التوريط مع الملك، في إشارة للكلام الذي وجهته إليه كي يعطي رأيه فيما قام به الملك ليلة السابع والعشرين من رمضان بترؤسه احتفال ختم صحيح البخاري..

وإن كنت أقدر الملاحظات التي توصلت بها باعتبار أن ما كتبته يعتبر غريبا وخروجا عن أسلوبي الذي أعتمده في المناقشة الهادئة والتحليل المتزن الرصين للقضايا التي تعرض على الرأي العام، واعتبر بعض الأصدقاء الذين أُعزهم وأُقدرهم أن أسلوبي الغريب قد شذ عن منهجي وأخلاقي.. فإني أعتبر أن هذه مناسبة جيدة لأوضح لهم ولباقي الأصدقاء والصديقات المتابعين لصفحتي المتواضعة خلفيات وأسباب ما قمت به، وكذا عن طبيعة هذا الأسلوب الجديد، وإن كنت لا أنفي عن نفسي شيئا من المغالاة والشذوذ الذي قد يتسرب إلى أسلوبي بين الفينة والأخرى بحسب طبيعة الموضوع ودرجة تفاعلي معه.. فمن الصعب أن تلغي ذاتك عندما يتعلق الأمر بموضوع له من الأهمية والخطورة ما يجعلك تتفاعل بوجدانك أحيانا أكثر من تفاعلك بعقلك، وتداخل الذاتي والموضوعي في قضايا اجتماعية ودينية وحقوقية وسياسية أمر عادي ومتعارف عليه في هذه المجالات، ولا داعي لأن يدعي شخص ما خلاف هذا، سيكون حينها كاذبا أو غير متزن..

فماذا تعني كلمة «التافه» التي وصفت بها كتاب «صحيح البخاري، نهاية أسطورة»، دون أن أصف بها صاحبه..؟

جاء في بعض المجامع، تافِه: فاعل من تَفِهَ، والجمع: تافهون و توافِه، المؤنث: تافهة، والجمع للمؤنث: تافهات و توافِه.ويقال أسلوب تافه: أي ركيك، لا قيمة له، ويقال هُوَ رَجُلٌ تَافِهٌ: غَيْرُ مُتَّزِنٍ، قَلِيلُ العَقْلِ لاَ قِيمَةَ لأَعْمَالِهِ، حَقِيرٌ..

وجاء في حديث مشهور عن الرسول صلى الله عليه وسلم، رواه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما عن أبي هريرة وأنس بن مالك وغيرهما: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ستكون، أو قال: سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة”.. قيل: وما الرويبضة؟ قال: “الرجل التافه يتكلم في أمر العامة»..

فإذا أُطلقت كلمة التافه عن الرجل فالمقصود أنه غير متزن وقليل العقل، وإذا أطلقت على الكلام أو الكتابة فالمقصود بذلك أنها ركيكة وبلا قيمة.. فهل الوصف الذي أطلقته على كتاب المعني بالأمر ينطبق عليه، أم إنني تجنيت عليه ووصفته بما ليس فيه؟ وإليكم بيان ذلك..

هذا الشخص -للأسف الشديد- وبالنظر إلى أسلوبه وطريقة كلامه يتأكد معه ما يلي:

1/ مستواه الأخلاقي في أدنى مستويات أخلاق البشرية، والدليل على ذلك أنه أوغل في سب الصحابة واتهامهم اتهامات شنيعة لم تصدر حتى من أعتى أعداء الإسلام عبر التاريخ، فمهما كان عداء هؤلاء فلقد كان لهم احترام وتوقير لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي أن تعودوا إلى ما قاله في حق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كلام وصل في خسته وقبحه ما لم يتجرأ عليه أحد من قبل من المسلمين ولا من غير المسلمين، إلا فريق متطرف من الشيعة الذين كانوا يسبون الكثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهنا لا يدعي مدع أن كلامه ذاك يندرج في إطار النقد الموضوعي والمتجرد، وأنَّى له أن يصل هذا النكرة إلى ظفر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لقد سب الفاروق وشتمه واتهمه اتهامات خطيرة جدا في أخلاقه وتعامله ودينه، دون أن ننسى طبعا أنه في مناسبات أخرى ينفي وجود شخصيتي عمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق لعدم وجود أي وثيقة تدل على وجودهما حسب زعمه أو هذيانه!! فهل هناك حمق وتناقض وتفاهة أكثر من هذا؟

2/ مستوى هذا الشخص في اللغة العربية هزيل ورديء جدا، حيث لم يتجاوز مستواها الإعدادي من التعليم، وهذا ليس تجنيا أو تحاملا عليه، هذه حقيقة تؤكدها أخطاؤه وأغلاطه المتكررة في كل مرة يخرج ليتفاخر على الناس، فالرجل عنده إعاقة كبيرة في تمييز العدد وطريقة إعرابه، خاصة إذا كان العدد مركبا من عدة أرقام، وله أخطاء نحوية مركبة وبنيوية من الصعب التخلص منها، ورثها من تعليمه بالإعدادي، هذا فضلا عن أخطاءه في الجموع، وآخر زلاته تلك، عندما قال «كسلاء» اعتقادا منه أن هذه الكلمة هي جمع لكلمة «كسول»، قال هذا في معرض شتمه وسبه لمن انتقدوا وسفهوا كتابه.. الرجل ضعيف جدا في اللغة العربية، هذه حقيقته وواقعه بلا مبالغة أو تجنٍّ..

ولا يخفى على أي عاقل متزن أن العلوم الشرعية لا تفتح أبوابها للولوج إليها لمن له مستوى ضعيف جدا في اللغة العربية، فعلوم القرآن والحديث والأصول والمقاصد وغيرها هي علوم تعتمد بالأساس وكشرط أولي على إتقان اللغة العربية إتقانا كاملا لا علة فيه ولا نقصان ولا إعاقة.. فكلام الله ليس كأي كلام بشري، وقد قال الله عن قرآنه: «وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ ۝ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ۝ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِي»نٍ ، وقوله تعالى «قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍۢ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»، وقد استشكلت العديد من الآيات على الصحابة، ومنها ولما نزل قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) قال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله، وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ قال: “ذاك الشرك، ألم تسمعوا قول العبد الصالح: (إن الشرك لظلم عظيم)؟”، فلما أشكل عليهم المراد بالظلم وظنوا أن ظلم النفس داخل فيه، وأن من ظلم نفسه أي ظلم كان، لم يكن آمنا ولا مهتديا، أجابهم صلى الله عليه وسلم: “إن الظلم الرافع للأمن والهداية على الإطلاق هو الشرك”. فهؤلاء صحابة رسول الله من العرب وعاشوا في كنف العربية وتعلموها سليقة وملكة وقد استشكلت عليهم كلمة في القرآن، فكيف لشخص لا يكاد يبين ولسانه معوج في اللغة العربية اعوجاجا لا شفاء له..

وحديث رسول الله ليس كأي حديث، فقد أتاه الله جوامع الكلم كما قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فُضِّلتُ على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) (مسلم)، وفي مناسبات كثيرة كان بعض كلامه يستشكل على بعض الصحابة، فقد سألوه «ما الوهن»؟ وسألوه «وما الرويبضة؟»، والأمثلة كثيرة في هذا المقام، حيث كان الصحابة لا يفهمون بعض الكلمات والألفاظ التي كان يستعملها الرسول في حديثه، فهو صلى الله عليه وسلم أحسن من تكلم العربية وأكثرهم فهما وإتقانا لها، لذلك كانوا يسألونه عن بعض ألفاظها الغريبة.

وعدم فهم بعض الألفاظ أو اللحن في اللغة العربية ظهر في زمن الخلفاء الراشدين الذين كان لهم حرص شديد على اللغة العربية والعناية بها والتحذير من الغلط أو اللحن فيها، لأنهم كانوا يعلمون جيدا أن الغلط واللحن قد يمتد إلا القرآن والحديث فيتسرب إليهما التحريف وسوء الفهم.

ففي عهد خلافة أبي بكر رضي الله عنه مر رجل على الخليفة ومعه ثوب، فقال له أبوبكر : أتبيعه ؟ فقال: لا، يرحمك الله فقال أبوبكر: لو تستقيمون لقُوِّمَتْ ألسنتُكم، ألا قلت: لا، «و»يرحمك الله!». وهذه الواو ذات أهمية كبرى، فهي، كما رُوِيَ، تجعل الدعاء للشخص إذا أُثـْبِتَتْ، وعليه إذا حُذِفَتْ.
وفي عهد عمر بن الخطاب رُوِيَ أن كاتبًا لأبي موسى الأشعري كتب إلى أمير المؤمنين– رضي الله عنه – : «من «أبو» موسى؟». فكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري – رضي الله عنهما – «إذا أتاك كتابي هذا فاضربه سوطاً واصرفه عن عملك» والصواب أن يكتب من «أبي موسى». ويعلق صاحب كتاب «تنبيه الألباب» على هذا الخبر بقوله: «فلو لم يكن اللحن عند عمر – رضي الله عنه – ذنبًا يستوجب به العقوبة من الله – تعالى – لما أمر بضربه وصرفه، هذا مع أنه لم يلحن في كتاب الله – عز وجلّ – ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو لحن فيهما لكان ذنبـه أعظم، وكانت العقوبة له ألزم»، ولعل ما أرعب عمر من لحن كاتب أبي موسى هو أن يتدرج الأمر إلى اللحن في القرآن والسنة، فيدخل اللاَّحِن في المحظور.
وفي عهد أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، كان حوار بين أبي الأسود الدؤلي وابنته في يوم من الأيام، فقالت له: “ما أحسنُ السماءِ؟” (بضم النون)، فأجابها:”نجومها”، فأخبرته أنها لا تتساءل بل تتعجب، فقال لها: “إذن فقولي: ما أحسنَ السماءَ!”، وقد شاع اللحن في كلام العرب حتى قال أبو الأسود الدؤلي:”إني أجد للحن غمراً كغمر اللحم”. فذهب أبو الأسود الدؤلي مسرعًا نحو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقال له: “يا أمير المؤمنين، ذهبت لغة العرب لمّا خالطت العجم، وأوشك أن تطاول عليها زمان تضمحل”، ثم تساءل أمير المؤمنين عن الأمر، فأخبره أبو الأسود الدؤلي بالحوار الذي جرى مع ابنته. وعندما علم أمير المؤمنين بالأمر بعث أبا الأسود الدؤلي لشراء صحفا بمبلغ درهم، وتأسس على إثرها علم النحو العربي..

اللغة العربية هي لغة القرآن ولغة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإتقانها على الوجه الصحيح وفي مستوياتها العليا فرض عين على من أراد الدراسة والبحث في كلام الله وحديث رسوله، وليس في مستويات الهواة، ولا في المستوى الجيد.. والجاهل باللغة العربية وعلومها وفنونها وغريبها سيكون أجهل في فهم كلام الله وحديث رسوله.. لذلك حرص الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون على العناية باللغة العربية والتشدد مع من يلحن أو يخطئ فيها حرصا منهم على كلام الله وحديث رسوله.

فإذا كان الناس على عهد رسول الله تستشكل عليهم بعض الألفاظ، ويلحنون في الكلام، فكيف لشخص بمثل هذه العاهات اللغوية المزمنة أن يفهم ما هو أعلى منه لغة وأعقد على عقله.. فلو استقام صاحب الكتاب التافه لاستقام لسانه، ولكنه اعوج فكره فاعوج لسانه..

وعن نفسي، فلست أدعي لنفسي العلم أو الإحاطة باللغة العربية أو إتقانها، فأنا أستعملها بدافع الضرورة في مجال تخصصي القانوني والتربوي، فهذه المجالات بها نصوص من صنع البشر العاديين، هم أنفسهم يقعون في الغلط والخطأ واللحن.. ولا أتطاول على كلام الله وحديث الرسول مدعيا فهمهما على النحو المطلوب، وإنما ألجأ إلى ذوي الاختصاص من العلماء.. فرحم الله عبدا عرف قدر نفسه..

3/ هذا الشخص يتهجم على العلماء القدامى والمعاصرين، وأعطى لنفسه قيمة فكرية وعلمية لم يشهد له بها المعروفون من العلماء المتخصصين، ويتحدث عن نفسه وعن كتابه بغرور وانتفاخ يصادم ويتطاول به على تواضع العلماء وحِلم الفقهاء ورزانة المفكرين.. فبالنسبة إليه كل علماء الحديث والفقه والتفسير الذين مروا عبر التاريخ، والذين شهدهم العالم الإسلامي وشهد لهم بالفضل والسبق والخير عبارة عن متخلفين وجهال وحمقى عندما صدقوا ويصدقون بعض الأحاديث الصحيحة التي لم يقبلها ولم يستوعبها عقله الصغير..

4/ هذه الضجة الإعلامية التي رافقت هذا الشخص تؤكد أن هناك جهة ما تقوم بدعمه وحمايته، مع ما اقترفه من أخطاء ترقى إلى مستوى الجريمة في القانون المغربي، عندما يقوم بزعزعة عقيدة المغاربة المسلمين ويشكك في أصول الدين الإسلامي ومصادر تشريعه الأساسية، ويسب الصحابة، وهي أعمال على وجه الاعتياد ومجرمة قانونا.. فمن يقوم بحماية هذا الشخص؟ ومن يوفر له هذه التغطية الإعلامية الكبيرة التي لم يستفد منها من قبل كبار علماء ومثقفي المغرب؟ وما هو المخطط من وراء ترميز شخص رديئ فكريا، ضعيف لغويا، رأس ماله كتاب تافه وأخلاق رعناء، وإذا كنت أكتب ما أكتب، فليس هو من أقصد، وإنما من وضعوه أمامهم واختفوا وراءه، وقدموه لينشر التفاهات ويزعزع عقيدة المغاربة، فهو أتفه من أن يهتم به أحد، هي رسالة نمررها عبره لنقول لمن سخروه واستخدموه، لقد وقع اختياركم على نموذج ضعيف ورديء ولا يساوي في ميزان اللغة والعلم مثقال قطمير أمام العلماء، ولا مثقال النقير أمام الإمام البخاري، فبينه وبين صاحبكم مسافة تقدر بملايين السنوات الضوئية..

وختما، وفي جوابي عن التحدي الذي وجهته له عندما قام الملك بالاحتفال بختم صحيح البخاري، فأولا، قلت ذلك بسبب غروره المتواصل واستعلاءه على العلماء باستمرار، مؤكدا في كل مناسبة خرج ليتكلم فيها، أن كل من صدَّق أحاديث البخاري وعمل بما فيه هم بالنسبة إليه حمقى ومتخلفون وجاهلون… فماذا يقول فيما قام به الملك؟ هل ما يزال على رأيه؟

وثانيا، أسلوب التحدي هذا متعارف عليه في مثل هذه القضايا وغيرها، عندما يكثر شخص من التفاخر والتباهي واستصغار الآخرين، وهنا، كي تواجهه بحقيقته الصغيرة لابد أن تضعه في موقف يؤكد أو ينفي اتهاماته المتناثرة هنا وهناك، وهل ما يقوله ينطبق على الجميع بمن فيهم ملك البلاد؟ لأن كلامه كله لا يوجد في استثناء لأحد، ولا استثناء فيه لجزء من صحيح البخاري دون جزء، فهو ينفي بالمطلق أن صحيح البخاري من عمل الإمام البخاري، بل ينفي وجود أي نسخة لهذا الكتاب! هذا فضلا عن استخفافه واستهجانه بالكثير من الأحاديث الصحيحة الواردة فيه.

هذه توضيحات أولية تفسر سبب قولي ذاك الذي قلته في حق من تطاول على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى علماء الأمة، واستعلى عليهم وهو لم يتجاوز بعد مستوى الإعدادي في اللغة العربية، فضلا عن لغة القرآن ولغة الحديث، ولا أساس له في العلم والدين.. على أن أخصص في القريب بعض المقالات البسيطة تهم كتابه التافه ذاك موضحا مواضع تفاهته ورداءته.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M