التطبيع.. بلينكن: يجب “خلق مسار” للدولة الفلسطينية

12 يناير 2024 01:25

هوية بريس – إدريس الكنبوري

في حرب غزة تكتمل جميع عناصر الفرجة. إنها مرآة حقيقية تنعكس عليها جميع أنواع الخداع والتضليل، وهي نص مكثف Texte Condensé لتاريخ القرن العشرين العربي. من أراد أن يفهم بشكل جيد ماذا حصل منذ نهاية القرن التاسع عشر عليه أن يتابع جيدا ما يحصل اليوم. لست محتاجا إلى قراءة الكتب أو الرجوع إلى الوثائق، أنت محتاج فقط إلى إرخاء أذنيك الكبيرتين وفتح عينيك الواسعتين في التلفزيون، أي تلفزيون كيفما كان نوعه، صوني أو توشيبا أو غيرهما. إذا فاتتك هذه الفرصة فقد ضاع نصف عمرك.

اليوم وزير خارجية العم السام بلينكن لوح للدول العربية بالدولة الفلسطينية. عادت أمريكا إلى إبداء تأييدها لدولة فلسطينية مستقلة. عندما تقرأ كلمة مستقلة لا تبحث عن شرحها في المعجم فلن تجده، فهي تعني محتلة.

سيطول هذا المنشور لكننا مضطرون للتفسير.

بلينكن (عندما تقرأ كلمة بلينكن افهم: نتنياهو) تحدث مثل الساحر. قال إنه يجب “خلق مسار” للدولة الفلسطينية. يعني خلف المناخ المناسب. خلق مسار معناه زمن طويل، قد يكون عشر سنوات أو عشرين أو أربعين، لأن كلمة مسار تعني سيرورة.

ثم قال إن الدولة الفلسطينية ستكون مقابل تطبيع الدول العربية مع إسرائيل.

الآن تغير السحر. في الماضي كانت أمريكا تطرح فكرة الدولة الفلسطينية دون مقابل عربي، فقط كانت تطالب بوقف “العنف” الفلسطيني. اليوم وسعت الصفقة ليربح البائع مقابل سلعة فاسدة للمشتري. لكي تكون هناك دولة فلسطينية لا بد من التطبيع.

ولكن هناك دول عربية مطبعة، وهي دول مهمة في العالم العربي، فلماذا لا تعطون دولة فلسطينية؟ بلينكن لا يرى ذلك، يرى أن التطبيع يجب أن يكون شاملا، يعني بيعة شاملة لا يتخلف عنها أحد وإلا كان الخليفة ناقص الشرعية.

لكن هناك مقابلا آخر. قال بلينكن إن “إتاحة مسار للدولة الفلسطينية” لا بد أن يكون ضد إيران.

معنى ذلك أن العرب يجب أن يبايعوا إسرائيل، وأن يعملوا معها ومع أمريكا ضد إيران، أي تحويلهم إلى سماسرة.

لماذا كل هذه المكاسب من دولة فلسطينية هي لن تقوم؟

لأن السياسة الصهيووونية سياسة واحدة لم تتغير.

أمريكا اليوم تريد تحقيق عشرات المكاسب من وراء الموافقة على دولة فلسطينية، لكي تحصل على هذه المكاسب دون أن تقوم دولة فلسطينية.
حصل هذا في بداية القرن العشرين، نفس الخطة ونفس الصهاينة.

عام 1916 لوحت بريطانيا للعرب بالموافقة على إنشاء دولة عربية كبرى مستقلة عن السلطنة العثمانية، مثلما تلوح أمريكا اليوم بدولة فلسطينية.
لكن الدولة العربية الكبرى لم تقم والدولة الفلسطينية لن تقوم.

قالت لهم بريطانيا: يجب إتاحة مسار للدولة العربية الكبرى، لكن مقابل مساعدتنا في الحرب ضد العثمانيين، ضد إخوانكم المسلمين.

وخرج العرب يحملون العصي ويركبون الحمير، يتقدمهم شخص أزعر اسمه لورانس، وقاتلوا العثمانيين، وفي الأخير أعطتهم بريطانيا الأصبع الأوسط، وهو الذي يقع بين السبابة والبنصر.

اليوم تضع أمريكا نفس الخطة: قاتلوا معنا المقاومة وسوف نعطيكم دولة فلسطينية. قاتلوا معنا إيران وسوف نعطيكم دولة فلسطينية.

وهي لن تعطيهم إلا الأصبع الأوسط، الذي يقع بين السبابة والبنصر.

ولكن هذه الدولة الفلسطينية هي دولة سوف تعطيها أمريكا للفلسطينيين أصحاب الأرض، فما دخل العرب في الموضوع؟ هل سينتقلون جميعا إليها للإقامة ويتركون بلدانهم فارغة؟

ولكن ماذا عن هذه الدولة الفلسطينية التي لن تقوم بفضل الله؟

إنها 22 في المائة فقط من فلسطين، أما 78 في المائة فهي في يد إسرائيل.

تذكرني السياسة الأمريكية بلعبة كنا نلعبها في المناسبات والمواسم. كان المشعوذ ينصب طاولة يضع عليها خيطا ملتويا عدة التواءات، فكنا ندفع درهما طامعين في الربح ونضع أصبعا داخل الدائرة التي يرسمها المشعوذ بالخيط الملتوي، وعندما يجر الخيط يبقى الأصبع عالقا فوق الطاولة فيضيع الدرهم. وهكذا سوف تجر أمريكا الخيط ويضيع الدرهم من العرب.

أخيرا يجب التذكير بما يلي: عبارة “دولة فلسطينية” كانت تتردد دائما لدى الإدارة الأمريكية منذ الأربعينات، ليس هناك رئيس أمريكي لم يقل بأنه يؤيد دولة فلسطينية مستتقلة، إطلاقا. وإذا تحققت الدولة الفلسطينية اليوم فالفضل فيها لن يعود إلى جو بايدن، بل إلى هاري ترومان، أول ساحر استعمل الخيط.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M