التمذهب بالمذهب المالكي بين الوسائل والمقاصد

20 نوفمبر 2022 12:55

هوية بريس – د.رشيد بنكيران

يعد تحرير محل النزاع مفتاحا لتقليل الخلاف في المسائل الشرعية، والوصول إلى الصواب فيها أو على الأقل التحلي بآداب الخلاف المطلوبة شرعا والتعايش مع المخالف باحترام. ومن بين هذه المسائل التي ينبغي السلوك بها هذا المسلك مسألة إلزام الناس التمذهب بمذهب فقهي معين.  وتفصيل ذلك:

حري بنا أن نفرق بين التفقه من خلال مذهب معين وبين عبادة الله سبحانه بذلك المذهب، فبين الأمرين فرق كبير كالفرق بين الوسائل والمقاصد.

فأما التفقه من خلال مذهب معين يتقيد به طالب العلم في بداية الطلب فهو أمر لا بد منه لمن صدقت نيته، ولهذا يشين بطالب الفقه أن يقفز على هذه المرحلة من التكوين العلمي حتى يتصور مسائل الفقه على مذهب معين، ويستحسن أن يكون مذهب البلد الذي ينتمي إليه، ثم بعد أن يستوعب الطالب المذهب أصولا وفروعا، فله حينئذ أن يلج بحر الفقه على المذاهب الفقهية الأخرى فيسبح فيه ويغوص في عمقه ويستخرج كنوزه وينفع بذلك أمته وبلده دون قيد ولا شرط، إنما الشرط الوحيد الذي يجب أن يراعيه هو أن يكون من أهل الصنعة حقا.

أما عبادة الله بمذهب معين نلزم الناس به ولا يجوز خلافه، وأن من خالفه كان آثما، فهو أمر لا برهان عليه ولا سلطان، وتأباه شريعة الرحمن السمحة الصالحة لكل زمان ومكان، والشاملة لكل كبير وصغير، التي لا يمكن أبدا أن يجمع صوابها ويستوعب جميع جزئياتها مذهب فقهي واحد أياً كان أصحابه، ومهما علا شأنه، فكما تفرق الحق في الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وحُفظ بمجموعهم، تفرق الحق في المذاهب الفقهية المعتبرة وحُفظ بالرجوع إليهم، جميعا دون استثناء، ومن غير إقصاء ولا منقصة ولا تعصب، وإنما نشأ التعصب المذهبي والدعوة إلى التقليد والجمود في زمن الاستبداد السياسي، وفشو الانحطاط العلمي، وانتشار الخرافة والجهل، وبيع الآخرة بالدنيا، حتى ألف كل متمذهب متعصب في وجوب اتباع مذهبه الفقهي بعينه دون غيره من المذاهب الفقهية الأخرى، وما ساقه من أدلة يزعم أنها تدعم رأيه وما ذهب إليه، فإن مخالفه المتمذهب المتعصب ساق مثلها ودبج من الأدلة ما يفند بها الزعم الأول، والثالث المتعصب بدوره كذلك فعل، وهكذا، وليس أحدهما بأولى من الآخر.

ومن تجليات هذا التعصب الممقوت ما وقع في بيت الله الحرام، في حدود القرن السادس الهجري، من إنشاء أربعة محاريب للصلاة لمتبعي المذاهب الفقهية السنية؛ الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة، كل يلغو لغوه، وانتقل هذا العي العضال إلى بعض المساجد الكبرى من بلاد الإسلام، حتى قيض الله من يزيل هذه التعصب الخطير والتفرق المشين بجمالية هذا الدين. وقد ظهرت بوادر هذا المرض من جديد في وقتنا المعاصر عند بعض المتمذهبين المتعصبين في بلادنا حتى أوصوا الحجاج المغاربة عند ذهابهم إلى الحج ألا يستفتوا العلماء الذين لا يتمذهبون بالمذهب المالكي.

وحقيقة، تتبعت من يدعو إلى التمذهب في مستواه الثاني من العلماء والدعاة والباحثين المعاصرين في بلدنا المغرب، فوجدتهم هم أول من يخالف المذهب الذي يدعون إليه، وهي بهم تهمة كما يتهم المفتي حينما يخالف قولَه فعلُه، وعليه فلا يعتبر بفتواه، بل سرت هذه الملاحظة إلى بعض المؤسسات الدينية الرسمية بدعوى الاستجابة إلى الدين الشعبي وما جرى به العمل.

فهؤلاء يدعون إلى المذهب المالكي مثلا وقد خالفوه في أشياء كثيرة لا داعي إلى ذكرها، تحملك على الاستغراب، وتدفعك إلى الريبة، حتى بدا لي أن للأمر قراءة أخرى غير الشعار الذي رُفع.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M