الدعوة إلى الإجهاز على ما تبقى من الشريعة الإسلامية في تقرير النموذج التنموي

31 مايو 2021 19:00
النقاط الرئيسية في جلسات استماع اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي للأحزاب والنقابات

هوية بريس – علي قاسمي التمسماني

 إن أي مبادرة تروم المساس بالوضعية العقدية والتشريعية والروحية للمغاربة، لا بد أن تكون موضوع نقاش ومشاورات مع الفقهاء أصحاب الحل والعقد، وأن يكون المأمول هو الاتفاق على حد أدنى يعطي للمبادرة شرعية تحتمي بها.

فمن خلال استقراء قائمة أعضاء اللجنة المذكورة، نجدها تتضمن خمسة وثلاثين عضوا، يتوفرون على مسارات أكاديمية ومهنية متعددة، من مخرجة سينمائية، وكاتب مسرحي، إلى أستاذ في الجامعة الكاثوليكية وعلم اللاهوت…، وفي المقابل لا نجد أي تمثيل لفقهاء القرويين ولا لأساتذة الدراسات الإسلامية…، وهذا يحتاج إلى تحليل بنية كيفية اشتغال السلطة المغربية التي ما زالت لا تثق في علماء الشريعة، لأنه كان ينبغي على الأقل اختيار واحد من المجلس العلمي الأعلى لما له من خبرة فقهية لا تقل عن تجربة التخصصات الأخرى، فكلاهما يعرف إيجابيات وسلبيات الواقع المغربي، وكذلك الإكراهات الناتجة عن الفساد الاقتصادي والسلوكي.

إن إقصاء طرف واحد وفتح المجال للمشاركة والمناقشة والإدلاء بالرأي للطرف الآخر وحده، يفقد توازن المعادلة والفعالية ولا مبرر له ديمقراطيًا.

وبما أن تركيبة اللجنة لم تراع تمثيلية المجالس العلمية ونخبه الحية بالمغرب، فإن الاختصاص لا ينعقد لها من حيث الشكل والموضوع. لأن الصفات المطلوبة في عضوية لجنة النموذج التنموي، لا تتوفر في كثير منهم، فقد طغى على شخوصها التوجه الفرنكفوني على حساب القامات الوطنية، والمشارب المتنوعة على حساب الشريعة الإسلامية، ولذلك جاءت مخرجات هذا التقرير مجانبة للصواب في كثير من بنوده التي تهدف إلى الإجهاز على ما تبقى من الشرع الإسلامي في هذه البلاد.

ولعل من الدلائل الواضحة على صحة الكلام الذي سبق ذكره، تكمن في الدعوات الهدامة في مجال دعم استقلالية النساء وضمان المساواة بين الجنسين والمشاركة، وهي:

الدعوة إلى تقنين الإرث بالتعصيب ووضعه بيد القضاء؛ فقد اقترحت اللجنة بخصوص الإرث ألا يكـون التعصيـب خيـارا تلقائيـا، وإخضـاع تطبيقـه لتقديـر القضـاة، حسـب مقاربـة تأخـذ بعيـن الاعتبـار كل حالـة علـى حـدة، ووفـق معاييـر تحيـل خصوصـا علـى دور القريـب، المطالـب بحـق العصبـة، فـي الاعتنـاء بالهالـك وحمايتـه قيـد حياتـه.

فبعد تقنين تعدد الزوجات وإلغاء الولاية الشرعية في الزواج وتوسيع مجالات التطليق للشقاق بالنسبة للمرأة، سيأتي الدور مرة أخرى على نقض نصوص الإرث من الكتاب والسنة، وهكذا تُنقض عُرى الإسلام عُرْوة عُرْوة، فكُلَّما انتُقضت عُروة تشبث الناس بالتي تليها، فأَوَّلهن نقْضا الحكم وآخرهن نقضا الصلاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم….

كما أن التمايز في الميراث في شريعة الإسلام ليس محكوما بمعيار الجنس (الذكورة أو الأنوثة)، وإنما يخضع لمعايير موضوعية واجتماعية:

أولها: درجة القرابة بين الوارث، ذكرا كان أم أنثى، وبين المورِّث، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث.

ثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال، فالأجيال التي تستقبل الحياة عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبرها، وذلك بغض النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين، فالبنت ترث أكثر من الأم، وكلتاهما أنثى، بل وترث أكثر من الأب، والابن يرث أكثر من الأب، وكلاهما من الذكور….

ثالثها: العبء المالي الذي يوجب الشرع على الوارث القيام به حيال الآخرين، فالرجل مكلف ديانة وقضاء بالإنفاق على زوجته وأبنائه القاصرين أو العاجزين عن الكسب، كما أنه يلزم بالإنفاق إحسانا على والديه المحتاجين أو ذوي رحمه والحواشي من قرابته في أحوال طارئة أو ملزمة… في حين أن المرأة تعفى من ذلك كله، ولو كانت ميسورة…

الدعوة إلى إعطـاء الولايـة القانونيـة علـى الأطفـال للوالديـن معا: وهذا يقتضي إعادة النظر في المواد 230 و231 و236 و237 من مدونة الأسرة التي بوأت الأب المرتبة الأولى في الولاية على الأبناء، وجعلته الولي الشرعي على أولاده وعلى أنه لا يجرد من ولايته إلا بحكم قضائي…

وبهذا تكون اللجنة ذات الغالبية الحداثية قد انتقلت بمفهوم المساواة من المعنى العام المشار إليه في النصوص الشرعية إلى معنى يفيد التماثل المطلق بين النساء والرجال، سواء في الحقوق أو الواجبات أو المسؤوليات، دون مراعاة لأي اختلاف في الخصائص والقدرات والوظائف…

ولا شك أن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة كما تقترحه اللجنة يتطلب إحداث تغيير في الوظائف الشرعية للرجل وكذلك دور المرأة في المجتمع والأسرة، كما يتطلب الأمر حسب رأيها تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات القائمة على الشريعة الإسلامية…

وهناك دعوات أخرى تحتمل الاجتهاد وتعدد الآراء، مـن قبيـل الإجهاض والوضـع القانوني “للأمهات العازبـات”، وزواج القاصـرات، ولنا عودة إليها في الجولة القادمة إن شاء الله تعالى.

 

آخر اﻷخبار
5 تعليقات
  1. مع كامل احترامي ولكن الفقهاء والمجالس العلمية يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية الوضعية التي وصلنا إليها.
    ابتعادهم عن الإدلاء بآراءهم والتفاعل مع مشاكل المجتمع واختباؤهم في مكاتبهم جعل منهم نكرة في أعين أعداء الدين والوطن.
    لا حول ولا قوة إلا بالله.

    30
  2. بارك الله فيك أستاذنا الفاضل وَنفع بك.
    وبارك الله في الأستاذ نور الدين صاحب التعليق.. نعم لقد ركن العلماء إلى مناصبهم وكراسيهم وغفلوا الأمانة التي في أعناقهم وبذلك تركوا الفراغ لكل صاحب حقد وكراهية للإسلام ليصول ويجول خاصة وأن الذين اختاروه لهذه المهمة لهم نفس التوجه والأهداف.

    9
    1
  3. قال تعالى “يمكرون و يمكر الله. والله خير الماكرين “و يقول سبحانه “يريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون “

    11
  4. حسبنا الله ونعم الوكيل
    أين هم علماء المغرب من هذا؟؟!! وجب عليهم إيقاف هذه المهازل وإلا ضعنا وضاع ديننا الإسلامي وإنا لله وإنا إليه راجعون

    10

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M