العدوان على غزة وحمار الفيلسوف بوريدان

29 أكتوبر 2023 11:40

هوية بريس –  سعيد الغماز

جان بوريدان هو فيلسوف فرنسي طوَّر مفهوم قوة الدفع، الذي كان الخطوة الأولى نحو فهم سبب بقاء الأجرام السماوية في مداراتها. تحدث كذلك عن مفهوم القصور الذاتي، وهو مفهوم فيزيائي يجعل الجسم الذي لا يتحرك مستمرا في حال عدم حركته، ما لم تدفعه قوة إلى الحركة. لكن الفيلسوف بوريدان، اشتهر اسمه بسبب تجربة فكرية تُعرف باسم “حمار بوريدان”، المقصود منها هو عرض فكرته حول حرية الارادة والاختيار عند الانسان.

تصور بوريدان حمارا يعاني من الجوع والعطش الشديد، فقام بوضع الماء على يساره والأكل على يمينه، والحمار بينهما على مسافة واحدة. أراد الحمار الاختيار بين الأكل والماء لأنه يشعر بالعطش والجوع في ذات الوقت، لكنه ظل مترددا بين تسبيق الماء أو الطعام لأنه أمام خيارين متساويين في الأهمية. فتارة يتجه نحو الطعام، ثم يتراجع ليتجه نحو الماء. بقي حمار بوريدان على حاله، مترددا بين الاتجاه نحو الماء أو نحو الطعام رغم جوعه وعطشه، إلى أن سقط أرضا جثة هامدة… ومات بسبب الجوع والعطش. وهو ما فسره بوريدان بعجز العقل البشري عن اتخاذ قرار حاسم وقاطع عندما يكون أمام خيارات متساوية في الضرورة والأهمية، وعدم قدرته ترتيب الأولويات، وبالتالي تتعطل إرادة الاختيار عند الانسان.

تجربة حمار بوريدان تنطبق على ما يقع حاليا في قطاع غزة. فنجد شعبا يباد، وتقتيل يومي للمدنيين الذين تحولوا إلى عداد يحصي يوميا المئات من القتلى، تقابله أصوات تدعي حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ولا ترى من المدنيين سوى الإسرائيليين. أما الأطفال والنساء الفلسطينيين، فيتم تجاهلهم وتجاهل كل ما يتعرضون له من وحشية وتقتيل لم تشهدها البشرية في تاريخ وجودها. إذا كان حمار بوريدان، وقف على مسافة واحدة بين الأكل والماء، وتردد في الاختيار بينهما، فإن حمار الدول الغربية اختار الانحياز التام لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، متجاهلا ما يتعرض له سكان غزة، أمام أنظار العالم بأسره، من تقتيل بالآلاف للأطفال والنساء والشيوخ، وهدم المنازل على رؤوس سكانها، وتدمير كل مقومات العيش في المدينة.

حمار بوريدان كان يملك حرية الاختيار، حسب فلسفة جان بوريدان، لذلك ظل مترددا بين الأكل والماء. أما حمار الدول الغربية فلا يملك إرادة الاختيار، لأنها إرادة مسلوبة من طرف الكيان الصهيوني، لذلك لم يتجه اختياره لا إلى ضفة الضحية، ولا إلى الانتصار لقيم الإنسانية الكونية، ولا إلى قيم الحداثة التي أرسى معالمها فلاسفة عصر كان ذات يوم يسمى عصر الأنوار. بل أكثر من ذلك، حمار العالم الغربي لم يبدي حتى نوعا من التردد في الاختيار بين دعم الضحية أو دعم الجلاد… فاختار دعم الجلاد وسانده في قتل الأطفال والنساء وهدم البيوت على رؤوس الغزاويين. حمار بوريدان وقف على مسافة واحدة بين الماء والأكل، وحمار الدول الغربية لم يقف حتى على مسافة واحدة بين الضحية والجلاد…حمار بوريدان أكثر حكمة من حمار الدول الغربية التي اصطفت بجانب الجلاد.

مات حمار بوريدان، لأنه يحمل عقلا وحكمة حسب فلسفة جان بوريدان، ويملك حرية وإرادة الاختيار. لكن حمار العالم الغربي لم يمت، لأن القيم الإنسانية والأخلاق السامية ومقومات الحضارة العصرية هي التي ماتت مكانه.

بعد تجربة حمار بوريدان، أصبح الحكماء يقولون “تفلسف الحمار فمات جوعا”، ومع حمار الدول الغربية نقول “تخلف الغرب فماتت القيم والحداثة وعصر الأنوار”. ولا غرابة إن كان فيلسوف حمار بوريدان فرنسي الجنسية.

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M