العلمانيون المغاربة والحاجة إلى قبول التعددية

07 أبريل 2023 18:36

هوية بريس – الصادق بنعلال

1 – على الرغم من اقتناعنا التام باستحالة نجاح أي تجربة سياسية علمانية بحصر المعنى في الدول العربية ـ الإسلامية لعوامل سوسيو- ثقافية مخصوصة، فإننا نميز بين المنجز العلماني الكوني باعتباره اجتهادا حضاريا بشريا بالغ الأهمية، يجسد منتهى ما وصلت إليه الثقافات الإنسانية الراقية من مأسسة المجتمعات وعقلنة الفعل السياسي العام، وبلورة أنساق مجتمعية متشبعة بالقيم الإنسانية الرفيعة الداعية إلى العدل والمساواة والتسامح وقبول الآخر، في ظل نظام سياسي ديمقراطي يفسح المجال للتعددية السياسية والمنافسة الشريفة على السلطة بين الأحزاب الحقيقية، الحاملة لرؤى وبرامج مجتمعية واقعية.. وبين “العلمانية” العربية الاستئصالية المستبدة، والهادفة إلى فرض نموذج حياتي نوعي مع إقصاء موغل في التطرف لاختيارات شعبية أخرى، المنتشية باستهداف المشترك الديني، المطمئنة للمساندة المعنوية بالغة الوضوح من قبل منظمات وجمعيات دولية “مستقلة”.

2 – والواقع أن مجموعة من الفاعلين السياسيين والمثقفين العرب، مع بعض الاستثناءات المتنورة، الذين يرفعون يافطات الليبرالية والعلمانية والحداثة.. هم أبعد الناس عن روح العصر، وأدبيات التنظير السياسي العالمي، القائم على أسس التعايش السلمي وبديهية قاعدة تدبير الاختلاف بين كل ألوان طيف المجتمع، لا بل إنهم خارج سياق ما بعد حراك “الربيع العربي” الذي دق ناقوس الخطر في “الاسم العربي الجريح ، وغير معنيين بالتحولات السياسية والجيوستراتيجية  الرهيبة إقليميا ودوليا.

3 – وكمثال يجسد بجلاء هذه الحقيقة الاجتماعية المؤلمة ما عاشته ومازالت، الساحة الإعلامية المغربية من ثرثرة مملة حول مسألة “القيم والحريات الفردية”، خاصة بعد توالي سلسلة من «الوقائع» الفنية والاجتماعية والثقافية، من قبيل الإصرار على تغيير مدونة الأسرة وإعادة النظر في “نظام الإرث” وما يشبه هذه “الموضوعات” غير المطابقة للواقع المغربي، بما يتناسب والاتفاقيات والمواثيق الدولية .. ونحن إذ ندين وبشدة المساس بحرية الفكر والتعبير، ونندد بقوة بالاعتداء على الحريات الفردية، فإننا نعبر عن خيبة أملنا حول ما يصدر عن بعض ممثلي الصف “العلماني” من انتهاج سلوك غير راجح يتفهم السياق الثقافي والاجتماعي المحافظ وإيقاع العملية السياسية المغربية البطيء، خاصة وأن هكذا مواضيع تحظى بمناقشة حادة حتى داخل غالبية المجتمعات الغربية المتقدمة جدا في مجال ثقافة حقوق الإنسان، والحقيقة أن أدعياء العلمانية بالمغرب ضيعوا فرصا ذهبية للتصالح مع الشعب المغربي الذي ينظر إليهم باعتبارهم أطرافا تستهدف قيم المجتمع وثوابت الأمة، ويستصغرون الدستور الذي صوت عليه الشعب بأغلبية مطلقة، وغني عن البيان التذكير للمرة الألف أن الدستور المغربي وهو أسمى قانون للبلد، يقر بأولوية احترام المواثيق والقوانين الدولية الداعمة للعدالة والمساواة وحرية التعبير والتفكير والمعتقد.. شريطة أن يندرج كل ذلك في إطار أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.

4 – فمتى يدرك ممثلو العلمانية المغربية وضعهم الاعتباري المتواضع، المتمثل في السباحة ضد قيم المجتمع والثوابت الثقافية والاجتماعية والدينية للأمة؟ متى يعون أن انهزامهم في الاستحقاقات السياسية ليس عيبا، بل العيب هو التمادي في انتهاج مسلكيات تنزع نحو روح الاستئصال والهيمنة ورفض الآخر؟ متى يفهمون أن مكانة خصمهم السياسي اللدود تيار الإسلام المعتدل ليست في قوته الذاتية، بل في ضعفهم وابتعادهم عن نبض المجتمع وآلام المواطنين وأحلامهم!؟ متى يقتنعون بأنهم ليسوا وحدهم في المجال الوطني العام، وأنهم محكومون بالتعايش والتعاون مع أطراف سياسية أخرى من أجل مصلحة البلد وتجنيبه المخاطر المحدقة به؟ وأخيرا وليس آخرا متى يستشعرون أن جوهر الصراع في راهن المغرب ليس بن العلمانيين والتقليديين، وليس بين الحداثيين والمحافظين.. بل إن الصراع منحصر بين المحظوظين والمحرومين، بين المدافعين عن الديمقراطية والإصلاح وبين الاستغلاليين ورموز الفساد؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M