النموذج التنموي و”أولاد الفشوش”

17 أغسطس 2022 19:37

هوية بريس –  سعيد الغماز

قد يتسائل البعض عن العلاقة بين التنمية أو النموذج التنموي والظاهرة التي بدأت تستفحل في المجتمع المغربي المعروفة إعلاميا ب “أولاد الفشوش”.

هؤلاء الشبان ينتمون لفئة ميسورة ويعيشون في رفاهية مجنونة تفوق كثيرا المستوى الاجتماعي لبلدنا، لكنهم يعيشون في عبث منحط وعالم بدون أفق. إنهم شباب يعيشون في محيط جعل منهم كائنات فارغة وبشرا تافها، لكنهم يعتقدون أنهم كل شيء والباقي لا قيمة له، وبذلك يؤمنون بحقهم في القيام بكل ما يحلو لهم دون رقيب ولا حسيب. لذلك بدأنا نسمع بشكل متصاعد شبابا يسوق سيارات فارهة بسرعة كبيرة ويتسبب في حوادث مميتة فيلوذ بالفرار وكأن شيئا لم يقع.

آخر خبر عن هؤلاء الذين يصفهم الإعلام بأولاد الفشوش، حادثة سير لشاب يسوق سيارة فارهة بشكل جنوني من نوع “لامبورغيني” في الشارع العام فتسبب في انقلاب سيارة أجرة وإصابة السائق والراكبين. ولد الفشوش ترك السيارة الفارهة التي تفوق قيمتها 100 مليون سنتم ولاذ بالفرار لأنه يعرف أن والديه سيتدخلون بسلطة مالهم ونفوذهم لحمايته، فهو فوق القانون لأن القانون في نظره وُضع ليُطَبَّق على البشر وأولاد الفشوش هم فوق البشر كما يعتقدون.

لكن ما علاقة أولاد الفشوش بالتنمية وبالنموذج التنموي؟

حينما نتحدث عن أولاد الفشوش، فنحن نتحدث عن فئة تنتمي لعائلات ميسورة وهو ما يعني عائلات تملك استثمارات وشركات ومصانع ومعاملات تجارية. هذه الاستثمارات سيتولى، في يوم ما،  أولاد الفشوش تسييرها. وهنا بيت القصيد… فمن الناحية الاقتصادية، الاستثمارات كيفما كانت، معامل شركات تجارة عقارات…. هي في نهاية المطاف ثروة وطنية لأن زبنائها هم أبناء الوطن وهي خاضعة لقوانين الدولة وتستفيد من البنيات التحتية وربما من دعمٍ يأتي من الأموال العمومية وتستفيد من تسهيلات حكومية. مادام الأمر كذلك، فمن حق الدولة أم تتدخل في حالة الاستهتار بتلك الثروة ولو كانت خاصة وفي ملكية أفراد أو عائلات.

من الأسباب التي تجعل الدولة مسؤولة عن هذه الثروات والاستثمارات الخاصة، الظاهرة التي أصبحت تتوسع دائرتها والمتعلقة بأولاد الفشوش. واهتمام الدولة بمحاربة التفاهة التي تعيش فيها هذه الشريحة من شباب المجتمع لا تعني تدخلا في الحياة الخاصة للعائلات الثرية مع أبنائهم. فأن تقوم العائلة الثرية بصنع كائن فارغ وتافه يعيش حياة الترف بدون أخلاق ولا روح وطنية، فذاك شأن عائلي. أن يدخل عليها ابنها في منتصف الليل في سكر طافح ويملأ أرجاء البيت العائلي صراخا وعويلا ويعبث بأثاث البيت، فهو أيضا شأن عائلي ما دام الأمر في حدود منزل الأسرة. لكن أن يقود الشاب سيارة فارهة ويتسبب في حوادث مميتة ثم يلوذ بالفرار طالبا حماية عائلته، فهذا أمر يجب أن تتدخل فيه الدولة بحزم وبمسؤولية. نقول بحزم لأن الأمر خاضع للقانون ويجب تطبيقه بالمساوات، ونقول بمسؤولية لأننا لسنا أمام حادثة سير عادية بين مواطنين، بل نحن أمام شاب سيتصرف مستقبلا في ثروة تقدر بالملايير ساهمت فيها الدولة بشكل أو بآخر.

وهذا الشاب الذي يحمل مثل هذه الأخلاق والذي يرى الحياة ترفا ولهوا، فذلك سيجعل تلك الثروة والاستثمارات في مهب الريح. علما أن الخاسر ليس العائلة الثرية فحسب، بل الخاسر أيضا المجتمع والدولة والاقتصاد والتنمية. لذلك نقول بأن الدولة يجب أن تتعامل مع أولاد الفشوش بصرامة أكبر تفوق تعاملها مع القضايا المماثلة المتعلقة بعموم المواطنين.

هذه الصرامة يمكن أن تبلغ مستوى إيداع ولد الفشوش في إصلاحية وإخضاعه لإعادة التربية مع تلقينه دورات تكوينية حول المواطنة ومعنى المسؤولية، ليصير في مستوى مسؤولية تدبير ثروة عائلته. بهذه الطريقة ستتمكن الدولة من تلقين الشاب التربية على المواطنة التي عجزت عنها عائلته، وستحمي ثروة عائلته. كما أن تدخل الدولة ضروري لضمان حقوق المجتمع والدولة ما دام الأمر متعلقا باستثمارات تعيش منها عائلات وتُدر على الميزانية العامة مداخيل من الضرائب، ولا مجال لتركها عرضة لعبث الطيش وسوء الأخلاق وانعدام الحس الوطني.

وأذكر بهذا الخصوص حادثة واقعية بطلها ولد الفشوش أسند له والده تسيير شركة متخصصة في مواد البناء. هذه الشركة استفادت من أرض بثمن رمزي في حي صناعي أُنجز من المال العام. ولد الفشوش ابتُليَ بلعب الكازينو وسار يبذر أموال الشركة في القمار. حينما ساءت أحوال الشركة، وجد الأب أن ابنه أهدر أكثر من نصف مليار في القمار، فقام برفع دعوى قضائية ضد ابنه لأنه خان الأمانة حسب الوالد. هذا الأخير معروف في المدينة، لذلك اتصل به مسؤول قضائي لثنيه عن الاستمرار في الدعوة لأن الحكم سيكون بسجن الابن. لكن الأب كان صارما مع ابنه الطائش الذي يريد إفلاس مشاريع العائلة، وأصر على مقاضاة ابنه الذي تم الحكم عليه بخمس سنين سجنا نافذا.

ما قام به الأب هو عين الصواب، ويعكس الطريقة المثلى لحماية الاستثمارات ولو كانت خاصة من تفاهة أولاد الفشوش. الأب يعرف أن السجن سيكون بمثابة إعادة التربية لابنه وإعادته لجادة الصواب، وذلك فيه حماية لثروة تعب الرجل في بنائها. على الدولة أن تقوم بنفس الشيء مع أولاد الفشوش. الخطأ الكبير الذي يمكن أن تقع فيه مؤسسات الدولة، هو أن تأخذ بعين الاعتبار المكانة الاجتماعية لعائلة أولاد الفشوش فتكون النتيجة حِفْظا للقضية أو تسوية مع الضحية عن طريق استعمال المال.

في القضايا المتعلقة بأولاد الفشوش، ينبغي على الدولة أن تقلب الآية وتنصب نفسها طرفا في القضية لحماية ثروة وطنية ساهمت فيها الدولة وستقع بعد زمن قليل في يد شاب تافه وطائش. على الدولة أن تتحلى بالحزم اللازم والصرامة الكافية لجعل ولد الفشوش يؤدي ثمن طيشه لعله يعود إلى جادة الصواب، وفي ذلك ربح للعائلة وللدولة.

في الدول النامية والصاعدة أيضا، نجد شركات مضى عليها أكثر من قرن من الزمان وهي لا زالت قائمة وتتطور سنة بعد سنة. هذا الواقع هو الذي يجعل الاقتصاد ينمو والمستوى المعيشي للسكان يزداد والتنمية تتطور. لكن في بلدنا، ما نشاهده من استفحال ظاهرة “ولاد الفشوش” سيؤدي لا محالة إلى إفلاس الاستثمارات التي بناها الآباء والأجداد بمساعدة برامج الدعم من المال العمومي المقدمة من طرف الدولة. وهذه الظاهرة تشكل خطرا على الاستثمارات الوطنية لأن أي إفلاس لشركة هو إفلاس للاقتصاد. المغرب يقوم بجهد كبير من أجل خلق ثروة وطنية لبناء التنمية، وقام بإنجاز خارطة طريق التنمية بعد المصادقة على النموذج التنموي الجديد ويطمح لتثمين المشاريع الحالية وجعلها تلعب دورا أكبر في الاقتصاد الوطني وتتوسع في العمق الإفريقي. لكن العالم الذي يعيش فيه “ولاد الفشوش” بعيد كل البعد عن هذه المعاني المرتبطة بالتنمية والاقتصاد وهو ما قد قد يُقوض، لا سامح الله، كل تلك المجهودات.

فإذا لم تتصرف الدولة بالحزم المطلوب وتطبق القانون بصرامة في حق ما يقوم به “ولاد الفشوش”، فعن أي تنمية نتحدث؟ وعن أي نموذج تنموي نعول في بناء الوطن؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M