الوزير وهبي.. الجوع والفواحش وذكرى الحماية الفرنسية

01 أبريل 2023 18:36

هوية بريس – إبراهيم الطالب

قبل يومين فقط، مرت ذكرى تاريخية مؤلمة تستعصي على النسيان، وهي ذكرى توقيع وثيقة الحماية التي جعلت المغرب قانونيا يعيش 44 سنة في ظل حكم الدولة العلمانية الفرنسية ذات المنهج اللاديني الشرس المتطرف.

وخلال هذه الـ 44 سنة، عملت فرنسا على مسخ الهوية المغربية من خلال وضع مشاريع قانونية وثقافية واجتماعية واقتصادية تفي بتحقيق أهدافها في تركيع المجتمع والدولة المغربيين وإلحاقهما ثقافيا وتشريعيا بنموذجها الحضاري، ومن أهم تلك المشاريع نجد:

1- محاربة النظام التشريعي والقضائي الذي كان ينظم شؤون المغاربة، والقطع مع تطبيق الشريعة الإسلامية ومحاربة القضاء الإسلامي وخلق محاكم تحكم إما بالعرف “البربري” أو بالقانون الفرنسي.

2- منع أو الحيلولة دون إنشاء الوطنيين للمدارس الحرة، والحرب على التعليم الديني، وتعويضها ببناء المدارس التي سماها الاحتلال بـ”المدارس الإسلامية الفرنسية” حيث كان يُنشِّئ النخب التي سيحكم بها المغاربة بعيدا عن الدين واللغة العربية، وكان يختار لها أبناء الأعيان.

3- حرب اللغة العربية من خلال منع الحديث بها في المدارس، وشطبها من قائمة مقررات الدراسة حتى ينشأ شباب المغرب متشبعا بالثقافة الفرنسية، مقطوع الصلة بدينه وثقافته وهويته.

ثم بعد 44 سنة خرج الاحتلال خروجه الصوري، وبقيت كل مشاريعه مستمرة ومنها استكمال تبديل الشريعة الإسلامية والاستعاضة عنها بالقوانين الفرنسية.

وهنا يتموقع وزيرنا في العدل ومن على شاكلته من العلمانيين.

قد يعترض بعض المغرر بهم فيقول: “لكن وهبي لا يعدو أن يكون وزيرا يطبق الالتزامات الدولية للحكومة المغربية؟

ألا ينص الدستور على مبدأ سمو المواثيق الدولية على كل قانون وعرف ودين وشريعة في المغرب؟؟

الجواب: بلى!

ولكن بالمقابل، أليس وهبي من الجوقة الكبرى متعددة الاختصاصات والتي كانت تمارس الضغط على الحكومات المغربية في ميادين شتى (حقوقية وسياسية وثقافية وحزبية) حتى وصلت في ظروف الربيع العربي إلى دس مبدأ المواثيق الدولية الناسف للهوية المغربية في دستور 2011؟؟

الجواب أيضا: بلى!

ثم، أليس كل ما كانت تنفذه وتعمل من أجله فرنسا إبان احتلالها على المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية والتشريعية والمفاهيمية الحقوقية، هو عينه ما تبنته الأمم المتحدة بعد إنشائها ويدعو إليه وهبي ورفاقه؟؟

أوَ ليس إعلانات حقوق الإنسان كما صيغت إبان الثورة الفرنسية 1789م، هي نفسها لائحة الحقوق التي تبنتها منظمة الأمم المتحدة بعد إنشائها -مع بعض التعديلات- عقب حملات الأمم المتحدة علينا، خلال سنوات الحروب الإمبريالية لبلداننا والتي تزعمتها الدول المتحضرة الديمقراطية مثل فرنسا وإنجلترا وبعدهما الولايات المتحدة التي ما هي إلا وريثة بريطانيا؟؟

إذن نخلص في النهاية أن كل مطالبة بسمو المواثيق الدولية على الشريعة الإسلامية وعلى ما تبقى منها في المنظومة القانونية المغربية، هو استكمال للمشروع “الاستعماري” الفرنسي المهدد للهوية المغربية وللدين الإسلامي.

ولنكن صرحاء مع وزير العدل وهبي ونسائله:

“معالي” وزيرنا في العدل إلى ما تدعوننا، وعلى ما تشتغل في ولايتك الحكومية التي يرأسها جلالة الملك الذي هو أمير المؤمنين في نفس الوقت؟؟

نأخذ الجواب من فمه ولا نحوره:

“ألغينا تجريم العلاقات الرضائية، اتجهنا نحو إلغاء تجريم العلاقات الرضائية في الفضاء الخاص، وفي الفضاء العام يجب أن نضع بعض الشروط”.

لنكن صرحاء أسي وهبي، ماذا تعني بمشروعك هذا؟؟

إنك تقول للمغاربة: “إن ما يقوله دينكم عن الزنا والسفاح والفاحشة كلها مفاهيم لا مجال لها في قوانيننا الحداثية، فلن نجرم الزنا والفساد الأخلاقي”.

دعنا نبسط الأمور ونسميها بمسمياتها.

ما تسميه أنت وباقي المستغربين بالعلاقات الرضائية يسميه القرآن بالزنا، وهو يجرمها تجريما واضحا، لا يحتمل النقاش، وكذلك كل الديانات التي أنزلها الله سبحانه.

فلماذا تريد استحلال ما حرم الله؟؟

“معالي” وزيرنا “الأرضى!!” ألست تؤسس فعليا لنمط من تصريف الشهوة مناقض لما جاء في القرآن والسنة وعُمل به قرونا في المغرب؟؟

بالطبع بلى!

فهل يتقصد وزير العدل إحراج الملك وإمارة المؤمنين؟؟ الظاهر نعم!

فوهبي يعلم أن الملك بصفته أميرَ المؤمنين إنْ تدخل في الأمر فسيكون هذا محرجا له غاية الإحراج أمام الصناديق المانحة، والدول والمنظمات الغربية، خصوصا وأن البنك الدولي قد طالب المغرب بنفس ما يشتغل عليه الوزير.

فهل يستغل وهبي العلماني “الحداثي” الظرفية الدولية والداخلية (غلاء الأسعار) والسياسية (ضعف البرلمان والحكومة والأغلبية) لإحراج إمارة المؤمنين؟

أكيد نعم!

وإلا كيف يصرح الملك أمير المؤمنين في نفس السياق، بأنه: “لا يحل حراما ولا يحرم حلال”، ثم يأتي وزيره ليستحل الزنا واللواط ويشطب العمل بقانون الإرث، وينتصر للشرائع المعمول بها في فرنسا والدول اللادينية؟؟

أليست هذه قمة الصلف و”التسنطيح”؟؟

فهل إذا اتخذ وهبي هذه التعديلات وقدمها إلى البرلمان (الذي لا ينوب عن الأمة المغربية أصلا)، ووصلت التعديلات بقانونها إلى مرحلة التصديق، حيث يعرض على الطابع الملكي الشريف، وفقا للبند 50 من الدستور والذي ينص على التالي:

“يصدر الملك الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه. ينشر القانون الذي صدر الأمر بتنفيذه، بالجريدة الرسمية للمملكة، خلال أجل أقصاه شهر ابتداء من تاريخ ظهير إصداره”.

فلنتخيل إذا صادق عليه القصر، ألا يكون هذا الأخير قد أحل حراما بواحا؟؟

وفي الحالة الأخرى نفترض أن الملك رفض التصديق على القانون، وهذا هو الراجح والأليق بإمارة المؤمنين، ألن يظهر القصر حينها بمظهر الرافض لمطالب المنظمات الدولية، المتناقض مع التزاماته وتعهداته التي نعرف أنها تتم بشكل موغل في الابتزاز والمكر؟؟

إن الوزير وهبي يعلم يقينا أنه يضع الملك وإمارة المؤمنين في حرج بالغ، ويمعن في ابتزاز القصر حتى يستجيب لمطالب العلمانية الدولية، والتي تهيمن على المشهد الحقوقي في بلادنا وبالتبع المشهد الحزبي المغربي.

لذلك كله، لا أشك بتاتا أن الوزير وهبي يستكمل المشروع الفرنسي الاستعماري في المغرب سواء علم ذلك أم جهله.

ولنتخيل لو كان وهبي وزيرا في ظل نظام الحماية الفرنسية، هل كان ليأتي بتعديلات تحارب ما تبقى من شريعة الإسلام في القوانين المغربية أفضل من هاته التعديلات التي يريد إقحامها في القانون الجنائي ومدونة الأسرة المفترض فيها أنها تؤطر الأسرة المسلمة التي تستجيب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟

ولو كان “ليوطي” حيا لوشحه بوسام “جوقة الشرف” الذي أنشأه نابوليون، وكان يمنح للمغاربة الخونة زمن الاحتلال خصوصا الذين تفانوا في خدمة فرنسا وتركيع المغاربة لها؛ ولاعتبر حينها وهبي من أكثر رجال الحماية عداء للمغاربة وهويتهم؛ لكن ما يجري اليوم من إشغال الناس بالتفاهة والجوع والفواحش، وكذا ما جرى من إفلاس فكري وسياسي وحزبي وتعليمي وثقافي، خلال الأربعين سنة الماضية، جعل المجتمع المغربي يفتقر إلى نخبة تقود أبناءه نحو الإصلاح، وتنتصر لمقومات هويته.

للأسف يبدو أن قدر المغاربة المسلمين أن يعيشوا تدمير هويتهم مع الاحتلالين الفرنسي والإسباني، ثم يستكمل أبناؤهم اليوم العيش في مسلسل التدمير لكينونتهم مع “وليدات العلمانية الدولية”، التي حاربوها بالنفس والمال، ونصبت لهم المشانق لاستماتتهم في الدفاع عن دينهم.

إننا اليوم نعيش في عالم مترنح يبحث عن وجه تستقر فيه ملامحه، نحتاج فيه حكومة تقوي اللحمة المجتمعية وتنتصر بحق لمقومات الهوية المغربية، وتبني نظام العدالة وترسي دعائم المؤسسات الكفيلة بتمكين المغاربة من التوزيع العادل لثرواتهم، فبدل أن يشتغل عبد اللطيف وهبي بمحاربة الظلم المستشري في محاكمه، والرشوة التي تضرب أطنابها في ردهاتها، وبدل أن يحفظ العدالة من الانتهاك، وبدل أن تكون له الجرأة لفتح ملفات الانتهاكات التي ارتكبت أثناء سنوات محاربة الإرهاب، وما نال الجمعيات والأشخاص من ظلم، فبدل كل ذلك، يحلو له أن يملأ المنابر صراخا لتحرير تصريف الشهوة من القيود الشرعية والقانونية.

فهو اليوم من يتزعم حكومة الجوع والفواحش، إذ كل الوزراء ونواب الأغلبية يعيشون موتا سريريا بعد غزواتهم ضد الإسلام السياسي وصراعاتهم ضد إخوان بنكيران وأسلمتهم للمغرب المسلم أصلا، فلا أحد من حكومة وهبي يتحدث عن معاناة المغاربة مع الجوع والقهرة، في حين يفضل هذا الحداثي أن يعزف على أوتار الشهوات الجنسية للمغاربة، التي تعتبر من أكثر الملفات خطورة في مغرب يعيش اليوم تنامي ظاهرة الأطفال نتاج الزنا، الذين يعيشون المعاناة الفظيعة، فبدل تيسير الزواج والبحث عن سبل الحد من تصريف الشهوة خارج نطاق العلاقات الزوجية، يمعن وهبي في التضييق على تصريفها في الحلال، ويفتح كل أنواع ممارستها في الحرام، رغم النتائج المدمرة للملفات المرتبطة بالجانب الجنسي في المغرب، والمتعلقة بالولادات ضحايا الزنا والنساء ضحايا الإجهاض فضلا عن ملف قتل الأجنة.

فبدل أن يتحمل وهبي مسؤوليته في حفظ دين وهوية وخلق المغاربة، يعمل على تدمير أسرهم والمساس السافر بدينهم.

فهل نرى في مستقبل الأيام وقفا لهذا العبث الخطير الذي ينذر بالدمار الشامل للدولة والمجتمع معا؟

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M