انظروا من يتكلّم في “شيخ الإسلام”! عصيد يهذي مجددا..

04 فبراير 2021 22:38
عصيد يدعو للتخلص من هوية الإسلام القاتلة لبناء الوعي الوطني من خلال التمسك بالروافد اليهودية والنصرانية والإفريقية!!

 هوية بريس – محمد زاوي

هنري لاووست، هذا المستشرق الفرنسي الكبير، بذل مجهودا كبيرا حتى يتمكّن من استيعاب “فكر ابن تيمية ومنطقه الخاص”. فلم يترك، في كتابه “أصول الإسلام ونظمه في السياسة والاجتماع عند شيخ الإسلام ابن تيمية”، من مباحث “شيخ الإسلام” مبحثا إلا ونهل منه. “الله”، “النبيﷺ”، “السلف”، “أصول الفقه”، “عناصر المجتمع والدولة”، “الأقليات الدينية”، “الإمامة والدولة”، “شعائر الإسلام”، “العقوبات الشرعية”، “قسم الأموال”، “الحقوق الفردية”، “الأخلاق”… الخ؛ هذه هي “المباحث التيمية” التي نزل عندها المستشرق الفرنسي بكل تواضع، ولم يجد نفسه قادرا على الحديث في “متن شيخ الإسلام” إلا بعد خوض غمارها.

حكى لي أحد المفكّرين المغاربة الكبار أن علال الفاسي قرأ كتاب لاووست أعلاه، وعلق عليه بعض تعليقات، وأعطاه لـ”امحمد الخليفة” -القيادي الاستقلالي المعروف- موصيا إياه بقراءته، وصية أب لابنه، وأستاذ لطالبه.

عبد الرحمان الشرقاوي، المفكر الشيوعي المصري، كتب كتابا بعنوان “ابن تيمية: الفقيه المعذب”. في هذا الكتاب، يصور الشرقاوي حياة ابن تيمية في صورة ملحمة لا تهدأ أحداثها، منذ طفولته، إلى أن أسلم روحه إلى بارئها سجينا معذّبا (ومعذِّبوه هم المعذَّبون حقّا).

علي الوردي، عالم الاجتماع العراقي المشهور، يثبت، في كتابه “منطق ابن خلدون”، اكتشاف ابن تيمية لحدود “المنطق الأرسطي” وقصوره في استيعاب “ما هو غيبي”. وأكثر من ذلك، فإن الوردي لا يستبعد أن يكون صاحب “المقدمة” (ابن خلدون) قد اعتمد “المقولات الناقدة للمنطق الأرسطي”، في متن “شيخ الإسلام”، لتجاوز ذات “المنطق”.

عبد الصمد بلكبير، المفكر اليساري المغربي، صرّح لي ما مرّة أن ابن تيمية هو أول من اكتشف “المنطق التجريبي”، متجاوزا به “المنطق الأرسطي”. وما فرانسيس بيكون، والتجريبيون بعده إلا مطورون لتلك “الثورة المعرفية التيمية” الأولى، في عصر يطلب تطويرها، هو عصر “العلم الدقيق”.

وهذه نماذج من أخرى، تحضرني ولا مجال لذكرها جميعها في هذه المقالة. والعبرة بهؤلاء الكبار، أنهم لا يتكلّمون في ابن تيمية إلا بعِلم، ولا يذكرونه إلا بالاحترام والتقدير الواجبين. وقد تعمّدت أن يكونوا من غير “الإسلاميين أو السلفيين”، بل تعمدت أن يكونوا يساريين ماركسيين أو ليبراليين، حتى لا يصفنا أحد بالتحيز والبحث عن “تبييض وجه ابن تيمية” بأتباعه ومريديه!

هذا وليس أهلا، لنقد ابن تيمية، من لم يستوعب الآتي:

– الشرط التاريخي لابن تيمية.

– “المتن التيمي” على ضوء هذا الشرط.

– الممارسة العملية لابن تيمية في هذا الشرط، وبالموازاة مع كتابتِه متنَه.

– النضالية العالية لابن تيمية، في زمن الغزوين الإفرنجي والمغولي، وفي زمن تفكك الدولة والمجتمع.

وبالتالي، فإن قاموس “شيخ الإسلام” (“العقل”، “المنطق”، “العلم”… وغيرها)، لا يُفهَم إلا في إطار النسق أعلاه، حيث الترابط بين العناصر الأربعة، وحيث تتجلى عبقرية ابن تيمية تاريخيا، ويكون الشرط التاريخي حاكما عليها، لا العكس. ولا يرجى، ممّن لم يستوعب هذا القاموس تاريخيا، أن ينصف ابن تيمية ويقدّره قدره العظيم بحقّ، وبوعي تاريخي لا بجنون.

سمير أمين، المفكر الماركسي المصري المعروف، والعالِم في الاقتصاد السياسي (المدرسة النقدية)، هو نفسه لم ينصف ابن تيمية، بل كان جهله به مفضوحا، وموقفه منه متهافتا، حيث قال بأن “كتابات ابن تيمية لا طعم لها”، وأن “ابن تيمية أكثر الفقهاء رجعية في العصر الوسيط” (سمير أمين، كتاب “نقد خطاب الإسلام السياسي: في الثقافة والتاريخ والاقتصاد”).

هذا ما حصل لسمير أمين، فما بالك بمن هو أقل منه بكثير (؟!) ذلك هو أحمد عصيد، الذي لا هو قرأ تراث ابن تيمية وسيرته النضالية والعلمية والسياسية الحافلة، ولا هو قادر على استيعاب الشرط التاريخي لمتنه ومواقفه. ولذلك فإننا لن نناقشه في “موقف ابن تيمية من العلم”، لأنه غير مؤهل لفهم وجهة النظر التاريخية في “إنصاف أعلام الأمة”، وإلا لكان عصيد غير عصيد. إنه (عصيد) مطالب بالاطلاع والبحث الجديين، وتدوين خلاصاته، عرضا ونقدا. آنئذ، سنناقشه في المعرفة، لا في “أحكام القيمة” الناتجة عن جهل صاحبها.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M