بين الزلزال والعدوان.. نحن أمة واحدة!!

15 نوفمبر 2023 19:06

هوية بريس – صفاء عزمون

عندما ضرب الزلزال وسط المغرب، هب الجميع يبحث عن وسيلة يمد بها يد العون للمنكوبين من أهل المغرب العميق (أو المنسي كما يعبر عنه البعض)، زلزال دام أقل من دقيقة حرك ملايين المغاربة، جماعات وفرادى فجمعوا التبرعات والمساعدات من كل المغرب في وقت قياسي، وانطلق الأطباء والممرضون والمسعفون – بعضهم على نفقته الخاصة- لتقديم الإسعافات في عين المكان، لقد تحرك المغرب من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه بشكل عفوي تلقائي تحرك ملبيا نداء الأخوة في الوطن.

أتساءل ما الفرق بين الزلزال الذي عشناه والعدوان على غزة، سأخبرك ببعض الفروق البديهية:

-الزلزال دام أقل من دقيقة والعدوان مستمر منذ أكثر من شهر

-الزلزال أصاب المناطق المهمشة من بلادنا والعدوان يقصف شعبا محاصرا منذ أكثر من خمس عشرة سنة، شعبا اتفق على حصاره إخوانه قبل أعدائه

-الزلزال قدَرٌ لا يمكن التنبؤ به ولا مفر منه، أما العدوان فطغيان كان بإمكان الجميع إيقافه منذ زمن بعيد

-الزلزال يتكرر مرة في عقود أما هذا العدوان على غزة فهو لم يتوقف منذ أبصرت النور

-الزلزال تسبب في انهيارات صخرية أخرت المساعدات، العدوان يمنع المساعدات دون أدنى حواجز

-الزلزال حرك كثيرا من دول الغرب لعرض تقديم المساعدات وكثير منها تم رفضه، وهذا الغرب نفسه هو الذي اتفق على منع المساعدات، الغرب الذي كان يغزو بلداننا بحجة تمكين شعوبها من الحرية، هو نفسه دكتاتور اليوم الذي كبت صوت شعبه، ففض التجمعات بالقوة واعتقل رافع العَلَم الفلسطيني والصادح بكلمة الحق، اعتقله دون مبرر…

استنكر على بعض المغاربة –وهم الأقلية –  الذين يتعاملون مع العدوان كأنه لا يعنيهم، إن أي مسلم يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله يؤمن أنه مطالب بنصرة أخيه في أي أرض كان، لأن أخوة الإسلام مقدسة بل مقدمة على أخوة الدم، الذين ينادون “تازة قبل غزة” ناسين أننا أمة واحدة وجسد واحد لا معنى للحدود في ملتنا، فلو اشتكت تازة –لا قدر الله- لهبت غزة لنجدتها..  لماذا يقوم بعض بني وطني بتهوين الأمر، هل نسي المغاربة أن لهم في أرض فلسطين حارة موقوفة، دمرها اليهود وسووها بالأرض، قتلوا أهلها بل دفنوهم أحياءً تحت ركامها، هل ننسى أن لنا بابا في القدس، لقد أُنسِيَ المغاربة أن لهم حقا في فلسطين سلبهم إياه الصهاينة الغاصبون، بل الأدهى والأمر أن يخرج منا من يتعاطف معهم ويدافع عنهم رافعا شعارا كاذبا زائفا خداعا ” أنهم إخواننا في الوطن”، لو كان أخي حقا ما كان ليهدم حارتي في القدس ويحولها ساحة ينتحب فيها، لو كان مغربيا حقا ما كان ليدمر أو يسمح بتدمير ما هو مغربي، لو كان لي قدر عنده ما قتل أخي المسلم هناك وسرق أرضه..

بعد الزلزال بمدة قصيرة جاءتني للفحص امرأة من ضحايا الزلزال، تشكو صعوبة في التنفس ألاما في الصدر صعوبة في النوم خوفا من الموت… كل هذا بدأ بعد هروبها من حائط كاد يسقط عليها أثناء الزلزال، تشعر بالهلع والخوف عند كل اهتزاز، نجا جسدها من الزلزال لكن نفسها تكسرت؛ نظرت إليها والدموع تغلبها وتساءلت: هذا حال من نجا من زلزال مؤقت قصير، فكيف هو حال إخواني في غزة وهم يشهدون بيت الجار مدمرا، وأشلاء الأطفال مبعثرة، كيف حالهم وهم يسمعون هدير الطائرات فوق رؤوسهم تستعد لتلقي قنبلة تهدم بيتهم تقتلهم أو تسبب لهم عاهة مستديمة أو تسرق أحبابهم أو ربما قامت بهذه الجرائم كلها في آن واحد، فكيف حالهم وهم ينزحون تاركين بيوتهم وراءهم ثم يقصفهم الصهاينة فيما أسموه زورا ” ممرات آمنة”،  أعلم جيدا أن إيمانهم قوي جدا، وأنهم أهل الصبر والثبات في هذا الزمان، لكن الإنسان يبقى ضعيفا يؤلمه الفراق مهما عظم إيمانه، رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بكى عندما فقد أحبابه، فكيف لا نبكيهم نحن؟ عندما قصف الصهاينة المستشفى شعرت أن العالم كله قد انهار، أن الإنسانية قد ماتت، أن الحضارة قد قتلت، عندما رأيت ذلك الطفل يرتجف من الخوف إلى درجة نسي فيها أن يبكي، لقد نسي أنه طفل أنه إنسان، نسي أن يبكي إلى أن ضمه في حضنه طبيبه ليتذكر بعدها طفلنا أن الإنسان يبكي فيبكي متمسكا بالحضن ويتوقف ارتعاشه، أن تجمع أشلاء أطفالك في أكياس، أن تتطاير الأجساد من شدة الانفجار فوق الأسطح، أن لا تستطيع دفن الشهداء،  أن تحاصر وتقنص في المستشفيات.. وغيرها من المشاهد التي يقف العقل عاجزا عن استيعاب مدى وحشيتها وينفطر القلب لها كمدا وحزنا.

أهل غزة وأهل فلسطين هم إخواننا أشقاؤنا، مساعدتهم ليست مجرد تطوع أو صدقة أو نفل إنه فريضة وواجب على كل من يؤمن بالله ويؤمن برسوله، سنُسأل عنها أمام الله سبحانه فردا فردا، فكل من قرأ القرآن العظيم يعلم يقينا أن عليه نصرة أخيه بكل الوسائل الممكنة، أن يستفرغ جهده من أجلهم ولن يُعدم الوسيلة للوصول إليهم، وفي المغرب لدينا مثَل يقول: “لي عندو باب واحد، الله يسدو عليه” كناية أن الله لا يفتح للمرء بابا واحدا أبدا بل يفتح العديد من الأبواب وعلى الإنسان أن يجربها جميعا ولا يستسلم من أول محاولة.. لذا فليَخْلُ كل واحد منا بنفسه ويضع ورقة وقلما ويكتب ما الذي يمكنه تقديمه، لأن القضية كما يرفعها اليوم جميع الأحرار: نحن لا نتعاطف مع القضية بل نحن أصحابها، ربما نحن في المغرب لا نملك إمكانية الوصول إلى الحدود كغيرنا، فبيننا وبين غزة آلاف الأميال، لكن نستطيع أن نملأ الشاحنات بالمؤن كما فعلنا في الزلزال، نستطيع إرسال قوافل طبية لمساندة المستشفيات هناك، نستطيع إرسال الأموال، نستطيع أن نخصص جزءا شهريا من أموالنا لدعمهم، أن نقاطع كل داعم للصهيونية في العالم، فالمعركة ستنتهي لكن الحرب لازالت مستمرة.  نستطيع أن ندعمهم معنويا بأن نحبط خطط الصهاينة في تمييع جيلنا أن نتوقف عن متابعة التفاهة بكل أنواعها، أن نقتل ثقافة الاستهلاك فنقتصر على الحاجيات وما فضل عن حاجتنا فالمرابطون على الثغور أولى به، أن نبني أنفسنا جميعا ومن بعدنا لنكون أصحاب بأس في ميدان الحروب، أن نكون أفضل نسخ من أنفسنا سواء داخل أسرنا أو في عملنا أو محيطنا حتى نستطيع تغيير وجه هذا العالم البشع الذي سقطت كل أقنعته في معركة طوفان الأقصى المباركة، هذا العالم الذي وقفت غزة تعلمه تهجئة معاني الإنسانية التي نسيها، وقفت غزة تعلمه أن الوجود على الأرض لمعنى وأننا لم نخلق عبثا، بل نحمل أمانة إقامة العدل على هذه الأرض …

ختاما، أقول لك أيها الطيب، أعرف أنك تحترق غضبا، أنك ربما تنام باكيا لأنك تشعر بالعجز، أنك تشعر أن الدنيا صارت ظلاما حالكا، أن كثيرا من مفاهيمك قد زعزعت، أنك تشد على إيمانك ويقينك أن يتفلتا من قلبك وتخشى أن تظن بالله -جل جلاله- ما لا يجوز من الظنون، اصبر يا عزيزي واثبت وألح على الله بالدعاء: أن ينصرنا في هذه المعركة، أن يثبت المرابطين والمجاهدين وأن ينصرهم نصر عزيز مقتدر، ألح على الله أن يتقبل الشهداء، وألح عليه وأنت تبكي أنك لا تجد ما تنفق، ألح عليه أن يهديك إلى سبيل ترفع بها كلمة الحق وتعلي رايته ! كما دعا بعض الطيبين لا تنس أن تكتب مشاريعك لنصرة غزة الآن كي لا تنسى ما تزاحم في قلبك من ألم الغضب والحزن والعجز في هذه الأيام اكتبها كي لا يقسو قلبك بعدها وإن طال عليك الأمد، احفظ صور الحزن عن ظهر قلب وتذكر أن من واجبنا أن نثأر لهم، دمهم في رقابنا جميعا، لأننا أمة لا تعطي خدها الأيسر ليصفع كالأيمن، نحن نرد الصفعة بمثلها ولا نعتدي على أحد..

إلى أحبابنا وأسيادنا تاج رؤوسنا أهل غزة الصابرة، أنتم شموعنا التي تحترق في كل مرة لتطرد ظلام البغي عن هذا الكوكب، أنتم الجدار الذي يحفظ للأمة كنزها، أنتم العصا التي تتوكؤ عليها الأمة رغم ضعفها فلا تسقط أبدا، أنتم منارة التائهين في فوضى هذا العالم أقول كما قال ذاك الفلسطيني صارخا: “أوجعوهم بزيادة”، أنتم وحدكم الناجون على هذا الكوكب فمن بقي منكم حيا فهو منتصر ومن رحل إلى دار البقاء فهو شهيد بين يدي رب كريم.

هل لكم أيها الطيبون أن تأخذوا أكثر طعامنا وتعطونا قليلا من عزتكم، هل لكم أن تأخذوا كثيرا من مياهنا وتعطونا نزرا من صبركم، هل يمكننا أن نقاسمكم أوجاعكم فنخفف عنكم، هل لنا أن نقاسمكم أمننا وتقاسمونا ثباتكم.. أعلم أن الأمر مستحيل، ما نطلبه منكم أشياء لا تشترى، اصطفاكم الله فاختار أن يمنحكم الشهادة زمرا، تتركون هذا العالم الموحش المفتون وتختارون الرفيق الأعلى، لنبكي نحن الأجساد التي فارقتها أرواحها الزكية إلى نعيم مقيم، لنبكي عجزنا ونحن نرى الأمم تكالبت ونحن مجرد غثاء، ما جدوى البقاء وأنت ترى أخاك يقتله الجوع والعطش والمرض والصواريخ وأنت ومليار من المسلمين يدَّعِي قلة ذات اليد، لا تملك أن تدفع عنه بل ترى من “إخوتك” من يشارك في حصاره وقتله؟

كلنا يا غزة يعلم: ليس لنا عذر مقبول، لكن هل لقلوبكم الطيبة أن تغفر لنا تقصيرنا عندما يسألنا الله عنكم، أعرف أنه من الشجع هذا الطلب لكن نرجوكم ونتوسل إليكم ونقبِّل أقدامكم: لا تشكونا إلى ربنا فيهلكنا !!

أهل غزة الصابرة: أذهب الله أحزانكم، وملأ بالرضا قلوبكم وثبت على الحق أقدامكم وعجل فرجكم ونقول لكم: مبارك نصركم مقدما…

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M