جاري البودشيشي.. (قصتي مع الطريقة البودشيشية) (ح3)

10 يناير 2016 01:16
حقوق المرأة بين التشريع الإسلامي والتشريع الأممي المعاصر..

 ذ. حمّاد القباج

هوية بريس – الأحد 10 يناير 2016

لما كنت أحضر مجالس الذكر التي كان يعقدها جاري في بيته؛ لم أكن أطمئن لما فيها من جذبة ورقص..

وبالقدر الذي كنت أحترم جاري؛ بالقدر الذي كنت أندهش حين كان يزعق ويصرخ بطريقة تنفرني وتدفعني للضحك!

وكنت أعتبر شعوري هذا وسواسا من الشيطان؛ وأقول في نفسي: الشيخ حمزة أدرى وأعلم!

وهذا الموقف كان الإخوة في الطريقة يرسخونه فينا لدرجة أننا لم نكن نتصور أن الشيخ يمكن أن ينتقد!!

فلما منّ الله علي بكتاب الفتاوى الكبرى وجدت فيه ما يثبت خطأ الطريقة التي كان إخواني وأخواتي البودشيشيين يذكرون بها الله..

ومن ذلك؛ أنهم يبدؤون بقراءة سور قرآنية من القصار، ثم يقرؤون اللطيف 100 مرة، ثم يهللون 100 مرة.

ثم يرددون الاسم المفرد الظاهر: (الله)؛ 100 مرة، ثم الاسم المضمر (هو هو) 100 مرة..

ولما يصلون إلى هذين الذكرين؛ يمارسونهما بالصراخ والزعيق والشطح؛ ويقولون بأن هذا أفضل الأحوال، وأنه ذكر خاصة العارفين!

وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ يلتزمون أوراد “دلائل الخيرات“.

ولهم أوراد أخرى معروفة عند المريدين والباحثين..

وهنا يرد السؤال المنطقي: لماذا لا نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في كيفية الذكر؟

ولماذا لا نحفظ أوراده بدل أوراد الطريقة؟

إن قلنا: بأن ورد الطريقة وأسلوبها أفضل؛ فهذا أمر خطير

وإن قلنا بأن الهدي النبوي أفضل؛ فلماذا لا نلتزمه ونكتفي به؟!

وإن كان ذكر الطرق الصوفية فرعا عن الذكر النبوي؛ فلماذا نترك الأصل ونعمل بالفرع؟!!

فكيف بما لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الله به؛ مثل: (الله الله) أو (هو هو)؟

فكيف إذا اعتقد أن هذا هو الحال الأفضل والأكمل؛ كما يعتقد الصوفية ويقولون بأن هذا هو ذكر الخواص؟؟

كيف نجمع بين هذا وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الذكر: لا إله إلا الله» رواه الترمذي وحسنه.

قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى:

“ويبين ذلك أن أفضل الذكر “لا إله إلا الله” كما رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم..

وفي الموطإ وغيره عن طلحة بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير».

ومن زعم أن هذا ذكر العامة، وأن ذكر الخاصة هو الاسم المفرد، وذكر خاصة الخاصة هو الاسم المضمر؛ فهم ضالون غالطون، واحتجاج بعضهم على ذلك بقوله: {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} [الأنعام:91] من أبين غلط هؤلاء، فإن الاسم هو مذكور في الأمر بجواب الاستفهام.

وهو قوله: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس}.

إلى قوله: {قل الله} [الأنعام:91].

أي: الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى؛ فالاسم مبتدأ وخبره قد دل عليه الاستفهام..

وأما الاسم المفرد مظهرا أو مضمرا فليس بكلام تام، ولا جملة مفيدة ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي، ولم يذكر ذلك أحد من سلف الأمة، ولا شرع ذلك رسول الله، ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة ولا حالا نافعا.

وإنما يعطيه تصورا مطلقا لا يحكم عليه بنفي ولا إثبات، فإن لم يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه، وإلا لم يكن فيه فائدة.

والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره.

وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنون من الإلحاد وأنواع من الاتحاد كما قد بسط في غير هذا الموضع.

والذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السنة، وأدخل في البدعة وأقرب إلى إضلال الشيطان؛ فإن من قال: يا هو يا هو، أو: هو هو.

ونحو ذلك لم يكن الضمير عائدا إلا إلى ما يصوره قلبه، والقلب قد يهتدي وقد يضل، وقد صنف صاحب الفصوص كتابا سماه “كتاب الهو”..

وما في القرآن من قوله: {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا} [المزمل:8] وقوله: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى:15]..

ونحو ذلك لا يقتضي ذكره مفردا؛ بل في السنن «أنه لما نزل قوله: {فسبح باسم ربك العظيم} قال: “اجعلوها في ركوعكم“، ولما نزل قوله: {سبح اسم ربك الأعلى} قال: “اجعلوها في سجودكم“.

فشرع لهم أن يقولوا في الركوع سبحان ربي العظيم، وفي السجود سبحان ربي الأعلى.

وفي الصحيح: «أنه كان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى» وهذا هو معنى قوله: «اجعلوها في ركوعكم وسجودكم» باتفاق المسلمين.

فتسبيح اسم ربه الأعلى وذكر اسم ربه ونحو ذلك؛ هو بالكلام التام المفيد؛ كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل الكلام بعد القرآن أربع -وهن من القرآن- سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله. والله أكبر».

وفي الصحيح: عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»..

ومثل هذه الأحاديث كثيرة في أنواع ما يقال من الذكر والدعاء.

وكذلك ما شرع للمسلمين في صلاتهم وآذانهم وحجهم وأعيادهم من ذكر الله تعالى إنما هو بالجملة التامة كقول المؤذن: الله أكبر الله أكبر.

أشهد أن لا إله إلا الله؛ أشهد أن محمدا رسول الله، وقول المصلي: الله أكبر. سبحان ربي العظيم. سبحان ربي الأعلى. سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد. التحيات لله. وقول الملبي: لبيك اللهم لبيك. وأمثال ذلك.

فجميع ما شرعه الله من الذكر إنما هو كلام تام لا اسم مفرد لا مظهر ولا مضمر، وهذا هو الذي يسمى في اللغة كلمة، كقوله: «كلمتان خفيفتان على اللسان..

وقوله: «أفضل كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل»،

ومنه قوله تعالى: {كبرت كلمة تخرج من أفواههم} [الكهف:5]..

وأمثال ذلك مما استعمل فيه لفظ الكلمة في الكتاب والسنة، بل وسائر كلام العرب فإنما يراد به الجملة التامة.

والمقصود هنا أن المشروع في ذكر الله سبحانه هو ذكره بجملة تامة؛ وهو المسمى بالكلام، والواحد منه بالكلمة، وهو الذي ينفع القلوب، ويحصل به الثواب والأجر، والقرب إلى الله ومعرفته ومحبته وخشيته، وغير ذلك من المطالب العالية والمقاصد السامية” اهـ.

وهنا قررت ترك أوراد الطريقة، وبحثت عن كتاب في الذكر النبوي؛ فكان أول كتاب قدر لي هو كتاب “عمل اليوم والليلة” لابن السني رحمه الله تعالى، فجعلت أحفظ ما فيه من أذكار ولم أكن أدرك آنذاك مسألة الصحيح والضعيف..

ثم أكرمني الله بكتاب “الوابل الصيب من الكلم الطيب” للإمام ابن القيم رحمه الله؛ وقد تكلم فيه عن حقيقة الذكر النبوي وفوائده وبركاته، وجمع ما صح منه وبيّن موطن كل ذكر؛ بما يجعل المنصف على يقين بأنه من غير المشروع ومن غير المعقول أن يترك المسلم الذكر النبوي والأوراد النبوية ويستبدلها بأذكار الطرق ولو كانت في أصلها من الذكر المشروع..

وفي هذه المسألة حديث عظيم؛ رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك، فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به“.

قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك”.

قال: «لا، ونبيك الذي أرسلت».

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن بتغيير كلمة؛ فكيف يأذن بتغيير طريقة؟!

يتبع بحول الله.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M