جرائم فرنسا الباردة بالمغرب (ج3) البحث عن المفتاح المفقود

22 أكتوبر 2020 12:40
جرائم فرنسا الباردة بالمغرب (ج3) البحث عن المفتاح المفقود

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

– فرنسا تفقد المغاربة مفتاح حياتهم.

– فرنسا تقسم المغرب قسمين.

– فرنسا تحول الحماية لاحتلال.

– فرنسا تقدم للمغاربة مفتاحا فاسدا للحياة

كتب نقيب المحامين بمكناس، في كتابه ما يلي:

– فرنسا تفقد المغاربة مفتاح حياتهم

إذا كان لدينا نحن الفرنسيون نوايا حسنة، وعزم أكيد نتميز بهما في العالم، قبل أن نفقد المغاربة مفتاح حياتهم التقليدية، فعلينا إذن أن نجعلهم يكتشفون مفتاح الحياة الجديدة التي من واجبنا قيادتهم للقائه.

المحدد الوحيد لهذه المشكلة، يكمن في إظهار صعوبتها وتعقيدها، نحن بعيدون عن صراعات شكل البرامج الانتخابية، والعناوين الملتهبة في الصفحات الأولى من الصحف، وكل الأسماء التي نطلقها في الوجوه، كاللبرالية، والاستعمار، والرأسمالية، والجمود.

نحن هنا في قلب المشكلة الجوهرية للمغرب والتي يجب علينا حلها بالاشتراك مع المغاربة، دون أن نأخذ في عين الاعتبار تفاقم الصعوبة، المشكلة تقدم جانبا اجتماعيا واقتصاديا لا يمكن أن يقبل سوى الحلول ذات التأثيرات البطيئة، بخلاف الجانب السياسي الذي يتطلب حلولا سريعة.

العمل الأكثر بروزا، الذي يصدم المراقب الأقل معرفة هو أن للمغرب جانبين متعارضين يتمثلان في: مغرب حديث من إنشاء فرنسا، في مواجهة مغرب قديم ظل نصف مشرقي مع هيمنة محلية شديدة التأثير، بارزة للغاية، مقابل تقليدية بلاد الإسلام على الرغم من أنها أقل حدة في المغرب بين المدينة والبادية، فقد تم استبدالها أو بالأحرى إضافة مواجهة أخرى أكثر حدة، بين المغرب الحديث، والمغرب القديم.

تتضمن هذه الملاحظة الأساسية سياستين مختلفتين، لكن متكاملتين: واحدة تتكيف مع المغرب الحديث، والأخرى تتكيف مع المغرب القديم، وكل السياستين يجب أن تتسم بمرونة كبيرة، لأنهما تتطوران باستمرار.

– فرنسا تقسم المغرب إلى قسمين

مغرب الأوربيين الموصوف بالحديث

هذا المغرب الجديد موجود تبدو هيمنته واضحة، إنه أحد الحقائق التي يجب أخذها بعين الاعتبار لعدم إمكانية التراجع عما تم إنجازه فيه، فكثير من الفرنسيين ساهموا بأحسن مما عندهم في بنائه بتعاون مع عدد كبير جدا من المغاربة الذين بدأوا يلعبون دورا فيه، إنه يتطور تحت ضغط التكنولوجيا والاقتصاد.

يجب أن تتجه جهودنا لتدجين هذين الفرعين لوضعهما في خدمة الإنسان، لا لجعل الإنسان عبدا لهما، يجب أن نبني هذا المغرب الحديث مع المغاربة المنفتحين على ثقافتنا من خلال منحهم أماكن واسعة يحق لهم الوصول إليها، والحصول عليها سواء في الإدارة العامة، أو في الشؤون الخاصة، ويكفي للوصول لذلك أن تكون للإدارة -الحماية- الرغبة في التغلب على المقاومة المفتوحة الظاهرة أو الكامنة سواء في القطاع العام أو الشبه عام للمكاتب والاحتكارات والامتيازات، حيث يحق للحكومة التدقيق، ويمكنها فرض إرادتها.

أما بالنسبة للشؤون الخارجية سيكون الأمر صعبا.

أما بالنسبة للشؤون الخاصة فهي غير محرومة من وسائل العمل، إلا ما تعلق بفتح الاعتمادات والضمانات للشركات التي تقبل أن يكون بها مغاربة متعاونون، ناهيك عن المدارس الحديثة التي أنشأناها، المستشفيات العصرية التي أقمناها، المدن الجديدة بكل المرافق المصاحبة، الإدارة الحديثة التي لا تنفصل عن المغرب الجديد، كلها يمكن أن يعطى فيها.

مكان أكبر لعدد من المغاربة بالتدريج، وعندها سوف يندمجون -في المغرب الجديد- بالتأكيد، ويشكلون مع المدة، الجناح المسير للمغرب على كافة المستويات.

في هذه النقطة نرى أن التغييرين الأساسيين اللذين يجب إجراؤهما على سياستنا هما:

أولا جعل الاقتصاد في خدمة الإنسان،

والثاني إشراك جميع المغاربة الذين لديهم الإمكانيات والقدرة والرغبة، مع تحديد أن ذلك ليس سوى خطوة نحو الاستقلال والباقي سيتبعها.

مغرب المغاربة الموسوم بالهرم أو القديم

المغرب العتيق يتطور أيضا للخروج من أخاديد القرون الوسطى، هنا سياستنا شبه كاملة في مجملها، نقطة انطلاقها من المغربي الحقيقي في إطاره الحقيقي والجغرافي والتاريخي والاجتماعي.

هذه الواقعية هي عكس سياسة معينة تدعي أيضا أنها واقعية ولكنها تستند فقط للاقتصاد التكنولوجيا والربح.

هذه السياسة ستكون كليا مهمة للإنسان المغربي في إطاره الحياتي المادي الضروري الحتمي، لكن بتدرج وسلاسة، من غير أن تنسى الاقتصاد والتكنولوجيا لكن ستعطيهما مكانتهما وهي مكانة الوسيلة وليس مكانة الغاية في حد ذاتها.

لذلك يجب أن يكون موضوع دراسة مستمرة ويقظة، حيث لن يكون الحرفي الأساسي رجلا بل فريقا، يتم من خلاله إنجاز العمل في ترابط وثيق بعلماء الاجتماع، والاقتصاد، والطب والتدريس.

هذه الدراسات يجب إجراؤها على المغاربة لتطبيقها عليهم، لا على الغربيين وتطبيق بياناتها على المغاربة كما نبهت لذلك كثيرا، إذ من الخطأ التام أن ترغب في تطبيق حلول مدروسة أرادها الغربيون للغربيين، وليس للمغرب حتى وإن تميزت ظاهريا بإعطائها طلاء مغربيا مخادعا.

يجب أن نكرس أنفسنا للعمل في المغرب من خلال المغربي الحقيقي، من خلال متابعة تطوره خطوة خطوة، ومن خلال تطور المؤسسات التي تتكيف مع عبقريته الخاصة، وهوما سأوضحه لاحقا.

– فرنسا تخرق بنود الحماية وتحولها لاحتلال

بمراجعة بنود الحماية يتبين أن هناك على الأقل شائبتين فيه: الأولى في أن النائب التعويضي الذي صارت تمثله فرنسا بالنسبة للمغرب، غير منصوص على مدة نيابته، لذلك ليس هناك سبب لعدم استمراره؛ وهي الأطروحة التي طرحها ببرود مذكرة ممثلو المنتخبين لمجلس الحكومة، الذي طالبت في دجنبر 1952 من باريس “تشديد روابط الحماية” وعدم مراعات تطلعات الموقع الثاني على العقد الذي هو المغرب.

الشائبة الثانية أن المبادرة الخاصة بالإصلاحات تخص فرنسا فقط والمغرب يصادق عليها فقط، فعمله سلبي، وهو سلاح في يد السلطان، وعندما استعمله تم عزله.

وهي نفس القاعدة التي تطبق على الشباب المتخرج من كلياتنا الذين يرون، أن فرنسا تنوي الحفاظ على المحمية، بقوة السلاح لذلك ينتمون للوطنيين المطالبين بالاستقلال، بعدما تعرضوا للإقصاء، والحرمان من المشاركة في تسيير إدارة البلاد، وإن ولجوها بعد معاناة، تقفل في وجوههم المسالك الإدارية، لذلك تحركت قيمة الوطنية عندهم، وانضموا للوطنيين، بدل أن يعززوا صفوفنا نحن معلميهم.

من المؤسف أن نرى سياستنا تأخذ من المغاربة باليسرى ما أعطتهم باليمنى لذلك فهي تفتقر لولاء من تتعامل معهم، والمثال التالي يبين ذلك:

قبل بضع سنوات تمت إضافة وزراء مغاربة في حكومة الحماية، لكن لم يسمح لهم بممارسة اختصاصاتهم، فالوزير بالكاد يستطيع قراءة البريد الوارد، أحد الوزراء غاب مدة أسبوعين فلاحظت كاتبته وجود ما يحب إصلاحه في المكتب، فنبهت المكلف بذلك، فسئلت إن كان الوزير هو من طلب ذلك فأجابت بالنفي، فقال لها في هذه الحالة يمكنه الانتظار، ولم يتم الإصلاح.

بعد نفي السلطان عبر حوالي عشرين قائدا عن رفضهم نفيه، رغم ضغوط الإدارة الفرنسية عليهم بالتراجع، ولما صمموا على موقفهم، تم طردهم من العمل، فالقائد مجرد إضافة وواجهة للمراقب وإن كان القرار يتخذ باسم القايد شكلا، لكن دون أخذ رأيه لا في الوضع ولا في التنفيذ (ص116-117).

– المفتاح الفاسد المقترح

ترى هل يجد المغربي مفتاح توازنه الاجتماعي الذي أبادته الحضارة الفرنسية، وفرضت مفتاحا آخر لحياة غريبة تريد فرضها على المغاربة قهرا ونيابة عنهم، فلا غرابة إن لم يفتح المفتاح المفروض حياة اجتماعية شفرتها حضارة مغايرة، حية، تستعصي عن الهدم أو التجاوز.

خاصة إذا عرفنا أن المغرب لا يمكن معرفته بمعزل عن ماضيه، الذي ليس بالماضي الميت بل كان حيا باستمرار، والواجهة التي ألصقتها عليه فرنسا بالقوة منذ 1912 معززة بالتغيير الذي يلاحظ في التقنيات والتراتيب الإدارية والنماذج السلوكية الأوربية، لم تستطع قتل كل حضارته، التي ما تزال حاضرة مؤثرة في الأفراد والجماعات، مما يؤبد مأساة المغربي المعاشة التي لا يأبه الأوربيون بما تخلفه من آلام وتمزقات وهي جريمة ما تزال تنخر المجتمع المغربي وتؤرقه.

(157-160 le drame du maroc).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M