د.الصمدي يكتب: ركن المفتري

10 فبراير 2024 15:52

هوية بريس – د.خالد الصمدي

في خرجات متتالية وغير مفهومة السياق والأهداف يعود الرجل إلى إثارة قضايا الدين والتدين والسخرية منها والطعن فيها بأسلوبه الساخر الذي يخلوا من كل ما يمت بصلة إلى المنهج العلمي وإلى ما تدعو إليه الفلسفة وعلوم التربية وسائر العلوم الإجتماعية والإنسانية التي ينتمي إليها من أدوات التحليل العلمي والمنطقي، وتجنب الأحكام الجاهزة والإغراق في الإيديولوجيا.

يتكلم الرجل لغة المونولوك حين يجعل من نفسه السائل والمجيب، فالمغاربة انسدت في وجوههم كل الاستفتاء ولم يجدوا من يسألونه في التفسير والحديث والتاريخ إلا دكانا رقميا للإفتاء فتحه الباحث أمامهم ليشربوا من معينه، بعد أن أغلق أمامهم كل الأبواب حين اعتبر أن كل المشتغلين بالقضايا الشرعية والمدافعين عنها مناهضين لمشروع الدولة وجهودها الرامية إلى محاربة العنف والعنف ضد النساء على وجه الخصوص مثيرا الانتباه إلى ما تنفقه من أموال وتبذله من مجهودات لمحاربة هذا العنف وفاء لالتزاماتها الدولية.

ولئن كان عدد من المتابعين لتهافتات الرجل والمتسلين بها على حد سواء قد ألفوا هذا الأسلوب في كلامه، فإن الأخطر هو اتهامهم المباشر بالمس بثوابت الدولة وتسفيه مجهوداتها.

مع العلم أن المتتبع لخرجاته الأخيرة يجد أنها تمس في العمق هذه الثوابت القائمة على وحدة العقيدة والمذهب التي بنتها الدولة على مر التاريخ بجهود كبار العلماء المغاربة في التفسير والحديث والفقه والتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع، في سياق اجتهاد متفاعل مع قضايا العصر.

فقد زعم الباحث في إحدى خرجاته أن الدولة المغربية تأسست منذ بدايتها على المذهب الشيعي، وأن الرجل يريد أن يوضح للمغاربة حقيقة تاريخية مسكوتا عنها مفادها أن أجدادهم الأمازيغ تشبتوا منذ وقت مبكر بالمذهب الشيعي وبمذهب الخوارج لمواجهة الإسلام المشرقي العباسي وأن الفقهاء اليوم يتسترون على هذه المعطيات تماهيا مع خيارات الدولة الدينية والسياسية.

وزعم في حلقة أخرى أن البخاري كذب على رسول الله صلى الله وسلم، وأن تسعين في المائة مما يوجد في هذا الكتاب الذي أجمعت الأمة على صحته يحرض على العنف، وأن حان الوقت لسحب هذا الكتاب المليء حسب زعمه بالكذب من المرجعيات الدينية للمغاربة.

وزعم في حلقة ثالثة أن المفسرين يروجون لمفهوم محرف لسورة الفاتحة تسرب إلى الكتب المدرسية لمادة التربية الإسلامية، مما من شأنه أن ينمي لدى التلاميذ المغاربة ثقافة العنف ضد أتباع الديانات الأخرى.

يروج الرجل لكل هذه المزاعم دون أن يدري أنه يضرب بها في العمق مرجعية الدولة التي يتغنى بالدفاع عنها وتهدم أسسها من الداخل.

فالرجل يعرف جيدا علاقة المغرب بالشيعة والتشيع منذ وقت مبكر سواء من الناحية المذهبية او السياسية إلى وقتنا الحاضر، ويعلم جيدا تمسك المغاربة بالمذهب السني المالكي والعقيدة الأشعرية دون أن يمس ذلك قيد أنملة بحبهم لآل البيت، ودون أن يعني ذلك أنهم شيعة، وأن إمارة المؤمنين في هذا البلد هي من سلالة النبي العدنان، وهذا سر تمسك المغاربة بهذه الشجرة الوارفة الظلال.

وكأني بالرجل يريد ان يحيي الصراع بين السنة والشيعة على أرض المغرب ، ويمس بوحدة المغرب والمغاربة الدينية المذهبية والعقائدية وبتشبت المغاربة بالمذهب السني المالكي على مر التاريخ، هذه الوحدة التي بذلت الدولة من أجلها مجهودات كبيرة ماديا ومعنويا علميا وسياسيا ، وهذا هو سر فشل استنبات كل مشروع قائم على النعرات العرقية والعصبية والدينية في تربة هذا البلد الأمين.

والرجل حين يرمي في وجه المغاربة بتلك التهم الغليظة في حق الإمام البخاري رحمه الله ورضي عنه وكتابه الجامع الصحيح، إنما يتهم المغاربة جميعا بالجهل والغباء وهم الذين جعلوا من هذا الكتاب إلى جانب صحيح مسلم وكتب السنة الموثوقة الأخرى مصدرهم في السنة النبوية والحديث الشريف، وهو يعلم أن امير المؤمنين يجمع العلماء من العالمين في كل رمضان في الدروس الحسنية المنيفة لمدارسة أحاديث هذا الكتاب العظيم الذي اجمعت الامة على صحته، وأن المغاربة حفظوا هذا أحاديث هذا الكتاب بالأسانيد المتصلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم عقدوا على مر التاريخ مجالس العلم والتعليم كسائر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لمدارسة هذا الكتاب الجليل القدر والمقدار، وتبركوا بختمه في المناسبات الدينية المختلفة، بل واشتغل به حتى ملوكهم وأمراؤهم كما اشتهر عن محمد ابن عبد الله رحمه الله، بل وأسسوا لحفظه ومدارسته أوقافا لازالت قائمة إلى الأن، وتأسست على ذلك مجامعهم العلمية وجامعاتهم، حتى جاء في هذا الزمان كل أخرق أبله أكمه، ليقول فيه هذا القول العظيم وهو يزعم الدفاع عن مشروع الدولة.

ثم عاد الرجل إلى إثارة لازمة تفسير سورة الفاتحة في مناهج مادة التربية الإسلامية، لينقض بذلك كل الجهود التي بذلتها لجنة العلماء والتربويين الفضلاء الذين أسندت إليهم بأوامر ملكية مراجعة مناهج التربية الإسلامية انطلاقا من الثوابت الدينية والمصار الشرعية الصحيحة، وهولاء هم الذين اعتمدوا في كتاب التربية الإسلامية عشرات الاحاديث من صحيح البخاري الذي يتهمه زورا وبهتانا بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان يتهم هذه الكتب بترويج تفسير معين لسورة الفاتحة في الكتب المدرسية فماذا سيكون موقفه وهو الطاعن في صحيح البخاري، حين يقف في هذه الكتب على عشرات الأحاديث من هذا الكتاب في كتب مادة التربية الإسلامية أقرتها هذه اللجنة الموقرة، أفلا يضع نفسه في موقع المتهم لهؤلاء العلماء بملء كتب المادة بالكذب والافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كيف سيكون موقفه وهو يزعزع ثقة ثمانمائة ألف تلميذ وتلميذة من المغاربة في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف سيكون موقفه وهو يرى أن آلاف خطباء الجمعة عبر ربوع المملكة يستشهدون على المنابر بأحاديث صحيح البخاري الذي وصفه على الملأ بالكذب.

إن كل هذه المزاعم الطافحة زورا وكذبا وافتراء على الماضي والحاضرالتي أصبحت اليوم طريقا للشهرة هي مصدر الكراهية والعنف والتطرف الذي حاربه المغاربة على مر التاريخ وبنوا بجهود وتضحيات مضنية وحدتهم الدينية والمذهبية المبنية على الوسطية والاعتدال، ليقفوا موحدين في وجه كل مشروع مسكون بالنعرات العرقية والطائفية والدينية واللغوية، فأرض المغرب الغنية بالاختلاف والتنوع وتعدد الروافد اختارت من الإسلام تربة تحتضن جذور تاريخه، وترسم معالم مستقبله رغم أنف الكارهين وزعم الزاعمين الذين عجزوا عن اختراق هذا الحصن الحصين والحمد لله رب العالمين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M