د.بنكيران: سقوط ترافعات وزير العدل.. ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله

15 أبريل 2023 17:02

هوية بريس – د. رشيد بنكيران

قبل يومين، ظهر وزير العدل والحريات عبد اللطيف وهبي في مرافعة له احتضنها “مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة” حول موضوع “الحريات الفردية بين القيم الكونية والثوابت الوطنية”.

هذا الظهور الذي أبان -بلا مرية فيه- عن ضعف شديد في الأطروحة الحداثية وهي تدافع عن قيمها الكونية المزعومة حينما أرادت أن تستنجد بنصوص الوحي الرباني لكي تمرر أفكارها، بدعوى أنهما متلائمتان ومنسجمتان في جوهرهما، ما ينقص لإبراز هذا الانسجام -حسب تصور الحداثوية- سوى الابتعاد عن الإسلام المتشدد!!؟ أو أن يترك المسلم القراءة التاريخية لنصوص الوحي!!؟

وقد خلص وزير العدل والحريات في مرافعاته إلى أن الحلال والحرام في الإسلام شأن شخصي ولا علاقة له بالشأن العام، ومنه الزنا الصريح أو ما يطلق عليه بالعلاقات الجنسية الرضائية!!؟ الذي دافع عنه مستميتا ومستعملا آيات قرآنية أخرجت عن سياقها، كقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِۖ} وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ وغيرهما من نصوص الوحي التي وظفها وزير العدل والحريات في مغالطة مكشوفة، وهي: أن العقوبة على المخالفات الشرعية ومنها الزنا هو لله وحده ولا دخل لأي هيئة فيه أو أحد.

وإذا تأمل أي منصف يحترم نفسه والمتلقي إلى سياق تلك النصوص القرآنية التي استشهد بها وزير العدل ولا عدل، لَعَلم أن تلك الآيات لا تتحدث فيما أراده الوزير، بل هي تتعرض إلى قضايا عقدية وفكرية بين أهل الكتاب والمسلمين، أو بين الكفر والشرك وبين الإسلام والتوحيد عموما، ولا تتحدث عن مسائل الأحكام أو الشريعة فيما بين المسلمين؛ أي لا تستهدف ملة الإسلام والمسلمين.

وعليه، فوزير العدل مطالب بأن يحدد نفسه إلى أي ملة ينتمي: هل إلى ملة الإسلام، فيكون له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم…

أم ينتمي إلى ملة غير ملة الإسلام فيصح حينئذ منهجيا استشهاده بتلك النصوص القرآنية، ولكن عليه ألا يتكلم بلسان المسلمين في هذه الحالة ولا يتحدث عن مفهوم الحرام والحلال لديهم ويترك المسلمين وأحكام معبودهم.

وبعد هذا التقرير، نتنزل مع وزير العدل والحريات مرتبة نحسن فيها به الظن متعللين بالضعف الشديد الذي لديه في المجال الشرعي شكلا ومضمونا، ولهذا وقع منه ما وقع، لكن نقول له منبهين ومحذرين:

أليس الذي أنزل {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِۖ}، وأنزل

﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ۝٦٩﴾ وأنزل

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ

هو الله نفسه جل جلاله وتقدست أسماؤه الذي أنزل قوله تعالى:

﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور:2].

بلى، كل منزل من عند ربنا، وأي مؤمن عاقل صاحب عدل يا وزير العدل ولا عدل، لا يمكن أن يفرق بين الخطابين لأنهما من مصدر واحد، ولا أن يفرق بين وجوب الإيمان بتلك الآيات جميعا والاذعان لها وللاستسلام لأحكامها لأن الآمر والحاكم واحد أحد سبحانه وتعالى.

أتريد يا وزير العدل ولا عدل أن نقع في الكفر الذي وقعت فيه بنو إسرائيل، لما آمنوا ببعض ما أنزل الله وكفروا بالبعض الآخر:

{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}!؟

أم يا وزير العدل ولا عدل هل تعد كلام ربنا في الزنا الذي جاء في سورة النور كلاما تاريخيا!!؟ قد تجاوزه الزمان وعفى عنه ولم يعد صالحا لزماننا!!؟

ولهذا، خذها مني نصيحة لي ولك ولغيرك ولكل من اعتقد في كلام ربنا أنه لم يعد صالحا لزماننا فإنه بهذا الاعتقاد المشين وقع في الكفر الصريح، ونعوذ بالله من الخذلان.

أم يا وزير العدل ولا عدل، هل من منطق الحداثة وأخلاقها الانتقاء من نصوص الوحي الحاكمة بالتشهي وفق سلطان الهوى وما تشتهي النفوس الأمارة بالسوء!؟

وأخيرا، يا وزير الحداثة: لو أنكم ترافعتم تدعون المغاربة إلى قيمكم القطرية الفئوية المدعى أنها كونية: (حرية الزنا، حرية الاجهاض، حرية الافطار، حرية اللواط، جسدي حريتي…) وفقا لمرجعيتكم الحداثوية دون العبث بنصوص الوحي الرباني والتدليس على المسلمين والمكر بهم باسم الاجتهاد والمقاصد لكان أهون علينا من أن تحرفوا كلام ربنا عن مقصده وحقيقته جهارا نهارا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M