رسائلي إلى حملة الأقلام

12 ديسمبر 2023 23:40
تعليقاتي

هوية بريس – دة.صفية الودغيري

إلى حملة الأقلام من الكُتّاب/ والكاتبات، والأدباء / والأديبات، والشُّعراء / والشّاعرات..

هذه رسالتي إليكم، أعظ فيها نفسي وإيّاكم موعظةً نافعةً، رجاءَ أن تجد لديكم صدرًا رحيبًا يسعها، وعقولاً رشيدة تتدبّر في معانيها، وآذانًا صاغيةً واعيةً تحفظها وتعيها، وتدرك فحوى خطابها، وكُنْه غاياتها وعظمة رسالتها..

وإنَّني أنصح نفسي وإيّاكم..

وأقول ..
اِقْتَبِسوا في كتاباتكم وفي نظم قصائدكم قدر ما شئتم، وممّا شئتم من الكُتُب والمراجع والمصادر قديمها وحديثها، ومن أمَّهات الكُتُب، فهم بشرٌ وأنتم كذلك بشرٌ مثلهم ، وكلُّكم سواءٌ قد تصيبون وقد تخطئون، وأفضلكم وأكرمكم عند الله تعالى هو من يتَّقي الله تعالى فيما تخطُّه يمينه، ويراقب الله تعالى في نفسه وفي قلمه، وفيما ينشره ويكتبه ويذيعه، ولم يتَّبع في ذاك هواه، ولا شيطان قلمه، ولا شهوات أفكاره ونزوات مشاعره، فيَهْلَك ويُهْلِكَ بهَلاكِه أمّةً سيُحاسَب على كلّ فردٍ منها حِسابًا عسيرًا، ويقف قلمه شاهِدًا عليه لا شاهِدًا له ..

ولكن!! دَعوا حرمة كتاب الله تعالى وحرمة سنَّة نبيّه صلّى الله عليه وسلَّم، ولا تقربوها، ولا تخلطوا الحقَّ بالباطل، ويصير حالكم إلى ما صار عليه من اختلط عليه الخابِل بالنّابِل، أو من اختلط عليه المرعِيُّ بالهمَل، أو اختلط عليه الخاثر بالزُّباد ..

أقول هذا لما أراه يوميًّا على صفحات التّواصل الاحتماعي وغيرها من اقتباساتٍ كثيرة من القرآن الكريم، وبصورةٍ مشوّهةٍ تحرِّف الآيات عن مقاصدها، وتضعها في غير مواضعها ..

وهذا كلام الله تعالى المعصوم من الخطأ، وليس بكلام البشر غير المعصوم من الخطأ ..

وما يجوز التّساهُل فيه اقتباسًا في حقِّ البشر، لا يجوز التّساهُل فيه اقتباسًا في حقّ الله تعالى ..

وما شاع فيه إطلاق الأقلام وخروجها عن طوق المحاسبة في زمن التّفاهة .. لا يجوز أن يُشاع، ولا يجوز أن يصير عُرُفًا، ويجري به العمل في حقّ كتاب الله سبحانه، تعالى شأنه وتقدّست آياته عن جعلها تتساوى مع كلام البشر ..

كما لا يجوز إطلاق الأقلام على هواها نثرًا أو نظمًا، فلا تَحْتَرِرّ ولا تَحْذَر، ولا تخشى ولا تهاب من الاقتباس من كتاب الله تعالى بلا شروط ولا قواعد ولا أحكام ولا ضوابط، لما في ذاك من الامتهان لكتاب الله تعالى ..

حتّى صار الاقتباس لا يتوقّف عند كلمةٍ أو كلمتين أو جملة، بل يشمل آيةً بكاملها بل آياتٍ كثيرة من عدَّة سور، بل قد تجد نصًّا منثورًا أو منظومًا من أوَّله إلى آخره يحمل اقتباساتٍ لآياتٍ كاملة، وينسبها صاحبها إلى نفسه متباهِيًا بذاك الفِعْل القبيح، والجُرْم الشّنيع ..

وما يندّ له الجبين أنّ جمهور القُرّاء يصفِّقون له، ويهلِّلون ويطبِّلون، وينثرون على ما كتب ونشر أهازيج الثّناء والمديح، ويعلّقون عليه / أو عليها بكلّ وقاحةٍ وصفاقة وسوء أدبٍ مع الله: أبدعتَ/ أو أبدعتِ .. وهلمّ جرًّا وما يجلب من شرٍّ ..

وقد يكون ذاك عن جهلٍ قد أعمى عقولهم وقلوبهم وبصائرهم، حتّى صاروا يكتبون ويعلّقون، وهم لا يعون ولا يفقهون خطورة كلّ كلمة ثناءٍ أو مدحٍ أو تعظيمٍ تُقال بغير حقِّ، وتُنْسَب إلى من ليس لها أهلاً، ممّن يرتكب جُرْمًا، وينتهك ويتجاسر على الدّين وعلى الحُرُمات والمقدّسات، ويقتبس من كتاب الله تعالى في مواطن الاستخفاف والاستهزاء، وبستخدم النَّص القرآني لغاياتٍ مخالفةٍ لهدايته ولمقاصد وعظمة رسالته ..

ولكنّنا، في زمن يُسْتَباح فيه كلّ شيء، ومن شاء فيه أن يقتبس فهو يقتبس ما شاء، وكيف شاء من الآيات بلا قيود وبلا شروط، وبلا ضرورات تلزم ذلك، إلا ضروراته التي تبيح محظوراته ..

والحقيقة المؤلمة الّتي نتجرّع كؤوس مُرِّها وسُمّها الزُّعاف هي ..

أنَّنا فقدنا لغتنا العربيَّة، وهويّتنا العربيَّة، وأقلامنا العربيَّة ..

بل ماذا تبقّى لنا لم نفقده ؟!!

لقد صرنا نعاني من جاهليَّة حديثة، جاهليَّة فقر العقول من الأفكار النَّيِّرة ..

وفقر القلوب من المشاعر الإنسانيَّة النّبيلة ..

وفقر الأقلام من الإلهام والإبداع، وعجز الأقلام وضعفها، وانهزامها وعدم قدرتها على التَّعبير ..

وفقرٌ يولِّد كلَّ يومٍ فقرًا جديدًا، بل يولِّد كلّ يومٍ عاهاتٍ وتشوُّهاتٍ خُلُقِيَّة وسُلوكيَّة، ومسخًا بشريًّا من الفاشلين والفاشلات، والعاجزين والعاجزات عن التّفكير وعن التّعبير وعن الكتابة ..

ويسمّون انفسهم كُتّابًا/ وكاتبات، وشعراء /وشاعرات، وأدباء/ واديبات

وهم خزيٌ وعارٌ على الكتابة نثرًا ونظمًا ..

بل صارت أقلامهم شَواهِد على المقابر، قد أسلمت شرفها وكرامتها ونخوتها، وصار يُتاجَر بها وبكلِّ عزيزٍ وومقدّسٍ وشريفٍ لديها بأبخس الأثمان، ويُقْبَر في مقابر الغَباوَة والتَّفاهَة والجَهالَة ..

ويُصَلّى عليها صلاة الجنازة ..

إذ فقدوا نعمة التَّعبير بيُسْرٍ وسَلاسة، وبصدقٍ وفصاحة ..

وفقدوا نعمة الذّوق والتَّذُّق، ولذّة الإبداع، ولذَّة الإِمْتاع والمُؤانسَة، والإِبْهار والإِدْهاش، وامتلاك ناصية اللُّغة، وسحر الأسلوب البليغ، وقوّة البيان الفصيح الّذي يهَبُ نفسَه ويملِّك نفسَه لمن ملكَه، ولمن وُهِبَ له طَواعيَّةً لا كَرْهًا ولا غَصْبًا، ولمن تفضّل الله عليهم بموهبة الكتابة، وأنعم عليهم بتذوُّق عظمة الحرف العربيّ، والكلمة العربيَّة الجميلة، وروعة وجماليَّة المعنى العربيّ ..

ومن لا يمتلك موهبةً متجذّرةً في أعماق الأعماق، ولا يمتلك ذائقةً أدبيَّة قويّة في التَّعبير والكتابة، فلا يتجاسَر على هذا الفنّ قَسْرًا، ولا يقتحم بحرًا لا يحسن فيه السّباحة، ولا العوم، ولا الغوص ..

ولا يجبر نفسه ويرهقها، ويرغمها على ما لا تُجيده ولا تتقنه، ولا يحمِّل قلمه ما لا يطيقه، ويحمِّل من حوله ذنوبه وأوزاره، ويحمِّلهم ذنوب وأوزار قلمه، يل يقف عند حدِّه وساحله، ولا يتجاوز قدر نفسه وقدر ما يستطيع قلمه ..

ولْيَقْرَأ ما شاء الله له أن يَقْرَأ، ولْيُشَمِّر عن ساعِد جِدِّه واجتهاده، ولْيَعْتَكِف في محراب وخلوة مكتبته ومكتبة بيته، أو في أيّ مكتبةٍ من المكتبات يسكن إليها ويطمئن، كي يثقِّف عقله، ويشحذ همَّته وعزيمته، ويفقِّه نفسه ويبصِّرها بالحقّ، ويتعلّم ما شاء الله له أن يتعلَّمه، ولا يعدّ ولا يحسب كم مضى من الوقت وكم بقي له في عقد عمره، ولا كم قرأ، ولا كم بقي عليه أن يقرأ ، بل عليه أن يقرأ كما يأكل وكما يشرب وكما يتنفّس دون عدٍِّ أو حساب ..
ولو قرأ كلّ يومٍ حرفًا أو كلمةً، أو جملة أو عبارةً أو صفحةً واحدة لكفته، ولو داوم على ذاك لكفاه فخرًا وعزًّا ..

ولْيَحْفَظ ما يقرؤه في كُنّاشته أو في دفتره أو في مجموع أوراقه أو في ذاكرته، فقد يحتاج يومًا إلى ما قرأه وحفظه ووعاه، إذا ما وُضِع يومًا في موضع الاختبار والامتحان العسير حيث لا كُتُب أمامه، ولا دفاتر ولا أوراق، ولا من يسألهم فيجيبونه، ولا من يقتبس منهم وينقل عنهم، إلاً ما قرأه وحفظه، ودوَّنه على سطور أديم ذاكرته، وصفحات عقله وقلبه ..

أو لعلّه يومًا يصير كاتبًا ولو لم يكن ذا موهبةٍ ولدت معه بالفطرة، فالكتابة والقدرة على التَّعبير تُكْتسَب وتصقل كذلك، إذا ما أقبل الشّخص على الكُتب إقبال المُحِبِّ الشّغوف بها والمُلازِم لها، وداوم على القراءة ..

ومرَّن نفسه وقلمه على القراءة والكتابة معًا، يدًا تشدُّ اليد الثّانية ..

وكلاهما يشدُّ أزر الآخر ويوثق رباطه، حتّى يستقيم ويقوى ويشتدَّ عوده وصلبه، ويصير مجيدًا حاذقًا، متقنًا للتَّعبير والكتابة ..

هكذا يصنع حملة الأقلام الحياة الحقيقيَّة لأقلامهم ..

وهكذا يحفرون أسماءهم وتاريخ أقلامهم فلا ينمحي أبدًا ..

وهكذا يصدقون وتصدق أقلامهم بما يحملون من القضايا والغايات العظيمة الّتي تخلّد مجدهم التّالد لا أمجاد غيرهم..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M