على مشارف الحياة المغربية (1950م) (ج4)

22 سبتمبر 2020 00:06
نقدم الجزء الثاني من الفصل السابع من كتاب "على مشارف الحياة المغربية"، المعنون بـ"هم ونحن":

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

اختلاف العرف وتباينه

إذا أخذنا في الاعتبار العادات الخاصة بنا، بعيدا عن التقنية والمواقف الذهنية، التي ما زلنا نجد المغربي لا يحترمها كثيرا بشكل عام.

فنحن مثلا نحب الطعام الذي لا يحبه لأنه نجس في نظره، وهو يتغاضى لنا عن شرب الخمور ولكنه لا يغفر لنا تناول الخنزير، ولحوم الحيوانات التي لا تذبح وينزف دمها.

إنه يعترف بأننا نظيفون ولا نستطيع العيش في منازل قذرة، لكننا مدنسون متفحشون، لأن نظافتنا لا تنطلق من أية نية دينية، نحن لا نحلق (الإبط والعانة)، نتبول وقوفا، لا نمارس الختان… كل هذا يشكل في نظر المسلمين نوعا من البذاءة والفحش والقذارة الواضحة، التي نخضع لها ونمارسها بشكل عادي.

إذا لم نكن أقوياء داخل فئة اجتماعية فإن خروج نسائنا مكشوفات الوجوه والأذرع والأرجل واقترابهن من الرجال في الشوارع وملامستهن لهم علانية، واستقبالهن لهم في منازلهن في حضور أو غياب الأزواج والآباء والأبناء ورقصهن معهم، يجعلهن في رأي الأهالي مثل الفاجرات والمنحرفات قل ذلك أو كثر، مما يدل على انعدام الحشمة والوقار عندهن والغيرة عندنا.

أيضا نحن نكوّن أناسا عباقرة وأقوياء لكن وقحين لا خلاق لهم، أناسا بلا دين أحيانا، لأننا لا نتباهى بمعتقداتنا أمام الغير.

من ناحية أخرى يستمد المغربي من صفته الإسلامية قناعته الوثيقة بالتفوق الروحي، فهو يعلم أنه سيذهب للجنة، لكونه يسير في “الطريق الصحيح” بينما سنذهب نحن للجحيم بالرغم من أننا مؤمنون إلا أننا مخطؤون.

فهو يرى أنه يحمل الحقيقة الكاملة بينما نتردد نحن في مسارات الحقيقة النسبية التي تسمى العالم المادي، علاوة على اعتباره أن الحياة المستقبلية الحقيقية الدائمة المعتبرة هي التي بعد الموت، وما حياة الإنسان في الأرض سوى ممر لتجربة سريعة الزوال يقوم فيها بما ينفعه في الحياة الأخرى الموعودة، لذلك يرى أفضلية الحياة الروحية على الحياة المادية، ويمكن رؤية ذلك من خلال ما يقوله المغربي لصديقه الفرنسي: “مع الأسف لست مسلما“، كما يقولون عمن يقدرونه منا بشكل خاص: “لم يكن بوسعه أن يظهر بشكل أفضل، لأنه لا يعتبر الإسلام خيرا مما وصلوا إليه“.

نرى من خلال هذا التصور إلى أي مدى يفصل التحامل على الذات العرقية بين شعبين يقدران القيم الأخلاقية بطرق مختلفة ويتجاهل كل منهما الآخر أكثر مما يعتقدان لأنهما لا يريان إلا النوايا.

هذا الاختلاف في التسلسل الهرمي للقيم على كلا الجانبين، هو سبب الأحكام الخاطئة والتقييمات المضللة، الزائفة، عن أعراف وأفكار الأشخاص الذين ليسوا من مجموعة كليهما.

علاوة على ذلك فإن العيوب المقدرة على هذا النحو من وجهة نظرنا هي التي تظهر لنا الآن، وبارتياح في العالم الخارجي، فإذا لم نتوخ الحذر، فإننا لا نرى المغاربة جميعا سوى “كاريكاتور” مثل هذا، بالمقابل سيكون عندهم نفس التصور والحكم، صورة مشوهة متبادلة منا ومنهم عنا وعنهم.

وكمثال عن الأحكام الخاطئة ما ضربه الإخوة طارو في كتابهما (فاس أو برجوازية الإسلام).

الكاتبان ربما بدافع من رؤيتهما للمناظر الخلابة والعجيبة، لم تحظ لديهما بالتسجيل والتحديد من عقلية سكان المدن المغربية سوى ما قد يصدم الأوربي الذي يطلع على ما تم تدوينه في هذا الكتاب، ولم يبينا أن هناك رقة معينة في التفكير تقضي بأن التصرف المسيء إلينا يجد تفسيره المناسب في بيئة غير بيئتنا، تكون قد تمنعت عن الظهور خوفا من الوقوع في التفاهة بدون شك إذا ما تم إظهار الصفات المشتركة بين الفاسيين والفرنسيين.

وهكذا فَهِما أن كل العناصر الجيدة عند الفاسيين بلا شك تمثل صورة منفصلة حقيقية عن البرجوازية المغربية، وتشكل كلا زائفا لتصرفاتها.

باختصار بعد فحص العلاقات القائمة بين المغاربة والفرنسيين من عدة زوايا نظل مقتنعين بأن كلاهما لديه الرغبة في الانسجام والتعاون في عمل مشترك لكنهما يجهلان بالمثل من هم المتعاونون معهما الأكثر جدية، وبالتالي لديهما عموما أفكار خاطئة حول الموضوع الذي يمكن أن يربط التواصل بينهما.

إنها حالة لا تمكن من فعل أي شيء حيالها، وهو ما يمكن تفسيره بقلة عدد سنوات الحماية، والتي ستتحسن حتما بانضمام المغاربة بكثافة لأشغالنا المتنوعة عندما نطلب خدماتهم مع مرور الوقت.

ص172-175au seuil de la vie marocaine.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M