فارس المنابر بين التنكر الوزاري والتكريم الإلهي..‎

02 ديسمبر 2016 20:43
فارس المنابر بين التنكر الوزاري والتكريم الإلهي..‎

هوية بريس – ذ. الحسن شهبار

في يوم الجمعة 9 محرم الحرام سنة 1410هـ اعتلى الشيخ الدكتور محمد أبياط منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابتدأ سلسلة خطبه بموضوع “تعلم ما لا بد منه”، ثم واصل مسيرته الموفقة في الخطابة إلى أن فوجئ بقرار توقيفه من وزارة الأوقاف التي يرأسها التوفيق والمختصة في توقيف كل موفق، وكانت آخر خطبة له قبل هذا القرار الغاشم الظالم يوم الجمعة 25 صفر سنة 1438هـ بعنوان “النار التي تنطفئ والنار التي لا تنطفئ”..

ثمانية وعشرون عاما من الجد والاجتهاد، ومن البذل والعطاء، ومن الصبر والتضحية.. استطاع الشيخ خلالها أن يبني أجيالا، ويربي أمة من الناس..

ثمانية وعشرون سنة لا تعرف الكلل ولا الملل، ولم تؤثر السنوات الطوال على عزيمة فارس المنابر بلا منازع؛ بل ما زادته الأيام والأعوام إلا خبرة وتمرسا، وحكمة وتؤدة..

سلوا شباب فاس وشيبها، وسلوا رجالها ونساءها، سلوهم عن القيم والأخلاق والمبادئ التي تلقفوها مباشرة من منبر رسول الله.. سلوهم عن حب الوطن وعن حب الخير لهذا الوطن ولأهله الذي استقوه من خطيب مسجد يوسف بن تاشفين..

لقد تميزت خطب الشيخ محمد أبياط بميزات لا تكاد تجدها عند غيره؛ فقد اجتمع فيه ما تفرق في غيره، وذلك فضل الله يوتيه من يشاء.. فخطب الشيخ قليلة العبارات عظيمة المعاني والعبر، وأغلبها في جانب التربية والتزكية والتعليم.. ولم يكن الشيخ يغفل واقع أمته أو واقع المسلمين من حوله؛ بل كان يُخصص بعض خُطبه لتصحيح المفاهيم وترشيد الوقائع والأحداث التي يراها من حوله، وذاك شأن الخطيب الذي يكون صادق الهم، وخالص المشاعر، وعلى وعي بواقعه المحلي والإقليمي والعالمي، وعلى دراية بالتغيرات والتقلبات التي تقع حوله..

لقد نفع الله تعالى بخطب الشيخ نفعا عظيما، ووضع له القبول في الأرض، ورزقه من الفصاحة وسرعة البديهة وحسن الإلقاء وحرارة العاطفة وحلاوة البيان ما جعل الناس يقصدون مسجده من كل حدب وصوب، ومن كل التوجهات والتيارات والأحزاب.. وما ذلك إلا لصدق لهجته وكريم خصاله..

لقد وقف الشيخ حفظه الله سدا منيعا في وجه كل الانحرافات العقدية والعملية، فعالج في خطبه بدعة التشيع والخوارج، وهما من أخطر البدع التي تهدد سلامة المجتمع وأمن البلد ووحدة الوطن؛ فأنقذ كثيرا من الشباب من الوقوع في براثن التشيع أو السقوط في متاهات الغلو والتطرف والتكفير.. كل ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة والإقناع العقلي.. وكان له بذلك فضل عظيم على هذا الوطن..

وجاءت لحظة التكريم والاعتراف بالجميل بعد كل هذه السنوات الطوال، وبعد كل هذا الجهد الكبير.. إنه الاستثناء المغربي في التكريم، ولم تجد وزارة التوفيق ما تُكرم به هذا الفارس إلا أن تُنزله من على منبره دون حياء ولا خجل..

فهل يُعقل أن يكون جزاء من خدم وطنه وأخلص له، ودافع عن مقدساته وثوابته.. هل يُعقل أن يكون مصيره الإقصاء والتهميش؟ أهكذا يُكرم المغرب علماءه الربانيين ودعاته الصادقين!!

تخيلوا معي خطيبا يعلو منبرا واحدا طيلة ثمانية وعشرين عاما، ثم لا تجد في خُطبه تَكرارا، ولا تشعر أثناء حديثه بملل ولا عياء.. وتصوروا معي خطيبا إذا تكلم في موضوع ما، ثم أعاد الكلام في نفس الموضوع؛ فإنه يُبدع ويأتي بالجديد.. وإذا تكلم في المواضيع الموسمية أو المناسباتية تكلم بغير المعهود من كلام أقرانه وخلانه.. إننا حينما نتحدث عن فارس المنابر الشيخ الدكتور محمد أبياط؛ فإننا نتحدث عن ظاهرة فريدة في الخطابة تستحق التحليل والدراسة، فمنهجه مختلف ومتميز وفريد ووحيد.. وكيف لا يكون كذلك وهو الذي يقول في كتابه (قناديل الساري اللبيب): “والواعظ الحكيم يجب أن يكون بمنزلة الطباخ الماهر، يُعد لكل صنف ما يُشبعه ويُغنيه ويغذيه ويُقبل عليه بشهية ولهفة، ويطلب المزيد منه… فإذا (طبخ) الواعظ موعظة واحدة لكل الأصناف ولكافة الطبقات؛ فإنه يُعرض نفسه لمقت الناس، ولغضب الله”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M