قهر العيش يحطم إرادة وعزم الرجال

25 فبراير 2022 21:31
هوية بريس – برعلا زكريا 
وجوه عابسة مكفهرة، غالبا مكسوة بلحية رثة غير مهذبة، وظهور منحنية وأبصار شاخصة، إنهم رجال أعياهم حر العيش، لا حول لهم ولا قوة.
يحدثون أنفسهم مرارا ويفر النوم من جفونهم ليلا. كل همهم توفير قوت أبنائهم وتسديد الفواتير التي لا تنتهي أبدا وشراء  الملبس والمأكل والتطبيب كلما أمكن.
أحيانا لا يكون أمامهم سوى التوسل للمارة في الطرقات بسبب الضوائق المالية المتتالية ، لكن قليلا من العفاف و ما تبقى من عزة النفس التي يملكونها تمنعهم من ذلك، مع أنهم أحيانا يضطرون للتخلي عن شيء من كرامتهم أمام مدير أو مسؤول  متسلط معتوه، يتلذذ بتعذيب المرؤوسين. حيث يكونون مجبرين على الطأطأة في وجه العاصفة.
يضطرون للصمت وللتغاضي ولأقصى درجات ضبط النفس، لأن صورة أبنائهم حاضرة دائما بمخيلاتهم، تمنعهم من ضرب ذلك المدير أو ترك العمل أو  أيا كان الذي يستفزهم.
لا حاجة لتذكيرهم بالصبر، لأنهم مثال حي عن الصبر. لا يملون من حمل أكياس الأكل والبقالة وكل احتياجات أسرهم.
ليس بمقدورهم أخذ قسط من الراحة، فلو توقف محرك الطاحونة عن الدوران لن تدور الرحى التي تطحن الحبوب !
منهم من تفلت الدمعة من عينه بسبب  قهر الزمان وقلة الحيلة، ومنهم من يحبسها فتتحول لغصة في صدره تجثم على أنفاسه.
يتميزون بأعلى درجات الإيثار في كل ما يتعلق بفلذات أكبادهم، لا يكترثون للجوع أو لصحتهم أو لشكلهم، فأكبر همهم أولادهم أو كل الأشخاص الذين يعولوهم.
ما يجبرهم على كل هذا الألم والعمل المتواصل الجبار هو حبهم لأبنائهم، وهو من بين أرفع درجات الحب.
فإذا سألت أحدهم لمذا لا يشارك في المظاهرات ضد رفع الأسعار ، أو يطالب بالحقوق والزيادة في الأجور  أو يعبر عن رأيه بحرية، فسيجيبك باللغة العامية  ” سمحليا عندي وليدات” !
وفي المقابل،  يستغل تحملهم من ينتفع من سكوتهم. ولا يأبه بجراحهم أو يحس بوضعهم إلا من هم معهم داخل نفس الفرن.
مع ذلك، يجب الحذر من التمادي في تعذيبهم، فتلك الطاقة الهائلة من الصبر قد تنفجر وتخرج عن السيطرة وتفرز سلوكات غير متوقعة. فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M