كلمة في حق الداعية ياسين العمري

09 أغسطس 2021 17:19
د. بنكيران تعليقا على ندوة الحريات الفردية الممولة من طرف الاتحاد الأوروبي: قل لي من الممول أقول لك ماذا يحاك لك ويخطط لك

هوية بريس – د.رشيد بنكيران

وصلني شريط فيديو عن طريق بعض الأساتذة المحترمين يتناول فيه صاحبه بالجرح فضيلة الداعية إلى الله الأستاذ ياسين العمري حفظه الله تعالى.

ونظرا لأنني أعرف الاستاذ ياسين العمري عن قرب وجمعتني به مجالس وتحدثنا في موضوعات متنوعة فقد استمعت للشريط بغية أن أعرف مكامن الأخطاء التي رُمي بها، فكلنا يصيب ويخطئ، وما منا إلا وتعزب عنه سنة كما قال الإمام مالك، فوجدت أن المتكلم في الشريط يهرف بما لا يعرف، ويمثل نموذجا سيئا من دعاة المداخلة الذين عرفوا بالتجريح دون قواعد أهل العلم والإنصاف، مع قصور كبير في ضبط المسائل العلمية.

وقبل أن أبين للناس أن المتكلم نطق بأمور لم يستوعبها ووقع في جهل مركب لا بد أن أقول كلمة في حق الداعية ياسين العمري.

عرفت الاستاذ ياسين داعية إلى الله متواضعا متخلقا بأخلاق الصالحين نحسبه على خير وبركة والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا…

حاملا لكتاب الله معظما لآياته،

فقيها بالواقع الذي يعالجه،

قريبا من الفئة المستهدفة بخطابه، وخصوصا الشباب منهم،

فقيها بالدور الذي يؤديه وملتزما شروطه؛

فهو يعلم من نفسه أنه ليس عالما مجتهدا، ولا مفكرا منظرا، و لا مفتيا، ولا محدثا يصحح ويضعف الأحاديث… ولهذا هو ينأى بنفسه عن هذه الأدوار الكبيرة والخطيرة، ويعرف لها حقها وأهلها.

ويعرف في الوقت نفسه أنه داعية إلى الله ممتثلا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام “بلغوا عني ولو آية”،

فله نصيب من العلم بأصول دعوة أهل السنة يؤهله لكي يمارس الدعوة إلى الله عن دراية وخبرة، ولهذا نراه يدعو إلى أمهات المسائل في الدين عقيدة وعبادة وأخلاقا، ومعظمها معلوم من الدين بالضرورة أو متفق عليها، فيرغب ويرهب على منهج أهل السنة،

وينبه ويحذر بوسطية واعتدال،

ويفضح بأسلوبه السلس المبسط عوار الفكر العلماني الإباحي، وله في ذلك جولات وصولات..

ولا يعني هذا أنه معصوم من الزلل، ومن منا يزعم أنه كذلك، ولكن العبرة بالصواب الغالب كما هو منهج أهل السنة بحق.

أما ما جاء في ذلك الشريط وصاحبه فأقدم لكم مثالا واحدا أظن أنه يكفي اللبيب لكي يعرف مستوى المتكلم:

– يؤاخذ صاحب الشريط على الداعية ياسين العمري أنه لم يبدأ دعوته بالكلام في التوحيد، وأن من منهج أهل السنة والجماعة البداية بالتوحيد في دعوتهم حسب قوله.

وهذا يوشي بأن المتلكم لا يفرق بين ما هو فرض عين وبين ما هو فرض كفاية، فالدعوة الى التوحيد – وإلى الدين عموما – هو من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن البعض الآخر، ولهذا لا يشترط في كل داعية إلى الله أن يبدأ في دعوته بالتوحيد، وإن لم يفعل ذلك قيل له إنه مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة، بل إذا وجد من يدعو إلى التوحيد من الدعاة فقد تحقق غرض الشارع، فالعبرة بالأمة وليس بالفرد، أو بالكل وليس بالجزء.

وقد استدل صاحب الفيديو لصحة هذا الشرط المزعوم بما جاء في الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عنه نَحْوَ الْيَمَنِ، قَالَ لَهُ : ” إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ…” الحديث

ففهم منه أنه على كل داعية إلى الله أن يبدأ بالدعوة إلى التوحيد، وهو منهاج أهل السنة والجماعة.

وليس في الحديث ما يدل على هذا الشرط بإطلاق حتى نطالب بذلك جميع الدعاة. ولو قال صاحب الفيديو إنه يجب على من يدعو غير المسلمين أن يبدأ بدعوتهم إلى معرفة الله أو التوحيد أو مقتضى الشهادتين لكان متماشيا مع ظاهر الحديث ومقصده وروحه؛ لأن الخطاب كان موجها إلى أهل اليمن، وقد كانوا غير مسلمين، أما أن يُعمم وجوب ذلك أو اشتراطه على جميع الدعاة في بلاد المسلمين ومع المسلمين فهذا خطأ فاضح، لم أقف على من اشترط هذا الشرط من العلماء.

ولا يبنغي أن يفهم من هذا الكلام أننا نبخس مكانة التوحيد، بل نقرر أنه من أولى الأولويات في الدين، وهو على رأس الهرم للموضوعات الدينية والدعوية، ولكن نحن نتكلم في هذا المقام عن حكم يراد نسبته إلى الشرع ومن لم يأت به فقد خالف الشرع وخالف منهج أهل السنة والجماعة ورميناه بالابتداع، فلا بد من التفريق بين المقامين، ومن لم يفرق بينهما فلا يحق له أن يتلكم في الدين تعليما وفي الناس تعديلا وتجريحا.

ثم هناك مسألة يحسن الإشارة إليها، فمن الناس، ومنهم دعاة، يعتقدون أنه من لم يُدرس التوحيد ويقدمه للمخاطبين من خلال التقسيم الثلاثي للتوحيد؛ توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، أو من خلال كتاب الأصول الثلاثة، أو كتاب التوحيد للشيخ محمد عبد الوهاب فإنه لم يتحدث عن التوحيد، رغم أن ذلك التقسيم أو الكتابين أو غيرهما من الكتب التي سلكت الأسلوب نفسه في عرض مادة التوحيد ما هي إلا وسائل لتعليم الناس وتسهيل معاني التوحيد، فهي ليست مقصودة لذاتها. ولهذا يمكن للداعية أن يدعو إلى التوحيد دون الاستعانة بذلك التقسيم الثلاثي أو ذلك الكتابين، بل لو سلك أسلوب القرآن في عرض معاني التوحيد وأقسامه لكان في غاية الحسن والقبول.

لكن المشكل مع من يحصر درس التوحيد في ذلك الأسلوب المعين ومن لم يستعمله فإنه في نظره لم يدع إلى التوحيد، وأخونا الداعية ياسين العمري حفظه الله تعالى يتطرق إلى معاني التوحيد في معظم كلماته بأسلوب وعظي يقتضيه المقام، ولهذا ما رماه به صاحب الفيديو كان خطأ مركبا وجهلا فظيعا.

أسأل الله أن يحفظ لنا الأستاذ ياسين العمري ويزيده من العلم النافع ما يمكن به لهذا الدين. كما أسأله سبحانه أن يرد المداخلة إلى دينه ردا جميلا.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. ليت شعري هل بدأ المداخلة بالتوحيد في دعوتهم؟
    الجواب يعرفه كل أحد، هؤلاء يبدؤون وينتهون بتتبع الزلات والطعن والتنقيص، للعلماء والدعاة. وهم منتشون بقيامهم بدور علماء الجرح والتعديل زعموا. وإنما هم في سراب، فيا إمام الجرح والتعديل:
    ستعلم حين ينجلي الغبار … أفرس تحتك أم حمار

    5
    1

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M