كيف أحكم الملك قبضته على الحقل الديني؟ العرش كقائد للحركة الإسلامية..

19 سبتمبر 2019 18:54

هوية بريس – متابعات

تعتبر فكرة «الخصوصية المغربية» من أهم المرتكزات النظرية التي كان يستند عليها المدغري لتبرير مقاربته الإدماجية للإسلاميين. يرى الوزير أن النظر للإسلاميين كما لو أنهم طرف ضد النظام، قياسا على التجارب السائدة في الدول العربية الأخرى، هو طرح مغلوط يقفز على الكثير من الحقائق التي تميز الواقع المغربي. فإذا كانت الحركات الإسلامية في الدول الأخرى تنادي بإقامة الدولة الإسلامية، وتخوض في سبيل ذلك صراعات حادة ضد الأنظمة القائمة لتحقيق هذا الهدف، فهذا النموذج التصارعي – الصدامي قد يكون صالحا كمنظور لتفسير الوضع القائم في تلك الدول، لكن لا ينبغي تعميمه وإسقاطه على المغرب، فهذا الأخير يتميز عن غيره من البلدان العربية والإسلامية الأخرى بأسسه ومقوماته الدينية التي حافظ عليها ورسخها منذ قرون، ومن أسمى تجلياتها إمارة المؤمنين والبيعة الشرعية.

ووفق ما أوردته أسبوعية “الأيام” في عددها الأخير فالمغرب، حسب المدغري، هو «دولة إسلامية» واقعة بالفعل. ويترتب عن هذه الحقيقة انتفاء كل أسباب المواجهة مع الإسلاميين، لأنه وبكل بساطة موضوع المواجهة والصراع، وهو إقامة الدولة الإسلامية، غير مطروح أصلا، فالمغرب لا يمكن أن يختار المواجهة مع التيار الإسلامي وفيه أمير المؤمنين.

ويذهب المدغري أبعد من ذلك، عندما يعتبر أن أمير المؤمنين هو قائد الدعوة الإسلامية بالمغرب، وبأن «العرش هو قائد الحركة الإسلامية». بمعنى أن أمير المؤمنين هو بمثابة حاضن للمشروع الجوهري للحركات الإسلامية، وبالتالي ينبغي على هذه الحركات أن تكون عنصرا داعما له وتنخرط إلى جانبه لمساعدته على إيجاد الإجراءات الفعلية التي يمكن أن تجسد الدولة الإسلامية على الأرض.

فأصحاب المشروع الإسلامي في المغرب، يوضح المدغري: «لن يأتوا بجديد يهم بناء الدولة، وإنما يساهمون ببعض الأدبيات والأفكار في مستوى التطبيق العلمي للأسس والمبادئ التي تقوم عليها دولة الإسلام في المغرب».

لم يكن وزير الأوقاف المدغري يخفي رغبته في التعاون وعقد شراكة مع المكون الإسلامي، تمكن هذا الأخير من فرض الاشتغال وممارسة النشاط الدعوي من داخل الدولة وبأدوات الحقل الديني الرسمي. لكن يجب الانتباه هنا إلى أن هذا التصور لم يكن قناعات مثالية أو رغبات ذاتية مجردة بقدر ما كان الأمر، بالنسبة لوزير الأوقاف، تفكيرا براغماتيا يأخذ بعين الاعتبار حالة المؤسسة الدينية الرسمية التي كانت تشكو من الضعف والترهل مع مجيئه للوزارة، مقارنة مع الحركة والنشاط الكبيرين اللذين كانا يميزان الإسلاميين كحركات «تعمل بالليل والنهار»، مقابلة مؤسسات دينية رسمية ضعيفة ومترهلة من هذه الناحية، فالمدغري كان أكثر واقعية وذكاء بتفكيره في أنه من مصلحة الدولة إشراك هذه الحركات الإسلامية النشيطة للعمل من داخل مؤسساتها: «كنت أقول، هذه الجماعات النشيطة ليس من المصلحة أبدا أن أحاربها أو أن أعاكسها. لماذا ؟ لأنها تدعو إلى الله، وهذا ما نريده نحن في الوزارة، ويمكن أن نكون دما جديدا إذا أدخلناها إلى الأجهزة … فيكفي أن نتأكد من صلاحها ومن حسن النية، فلماذا لا نمد لها اليد ونعمل جميعا».

فالأمر إذن يتعلق ببناء شراكة وتعاون متبادل يحاول الاستفادة من طاقات الإسلاميين بكافة توجهاتهم، والعمل على توظيفهم في اتجاه تدعيم إسلامية الدولة وتقوية هياكلها الدينية. من منظور الوزير، المسألة كانت أشبه بتجربة «العزف على آلة البيانو»، إذ يجب استعمال جميع الأصابع في آن واحد، وفي نفس الوقت ينبغي الحرص على أن يكون العزف منسجما خاليا من الأصوات النشاز. ومما لا شك فيه أن هذه المهمة لن تكون أمرا سهلا وميسرا، بل كانت تتضمن قدرا غير قليل من المخاطرة جازف بها وزير شاب آنذاك، في سياق داخلي وإقليمي بالغ الحساسية والتوتر، لا سيما مع التطور الدراماتيكي للأحداث الدموية بالجزائر في مطلع التسعينيات.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M