لا تَلُمني في هَواها … رفع اللهُ لِـــواها

20 ديسمبر 2023 19:11

هوية بريس – ذ : رشيد وجري

“إِنَّ الَّـذي مَلَأَ اللّـغاتِ مَحـاسِناً… جَعَلَ الجَمالَ وَسَرَّهُ في الضّادِ” (شوقي)

لغـة حبــاها الله حرفـًا خالدًا      فتضوعت عبقًا على الأكوان..

وتلألأت بالضـاد تشمـخ عـزةً       وتسيل شهدا في فم الأزمـان..( جاك صبري شماس)

فلا تلمني في هواها فهي:

اللغة العربية لغة القرآن الكريم الناسخ لكل الكتب السماوية والمهيمن عليها, قال الله عز وجل {إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2]، لغة السنة النبوية المطهرة التي نقلت لنا بأمانة سيرة وأحاديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فكانت نعم الوعاء والأداة والوسيلة وهي جزء لا يتجزأ من الدين الإسلامي الحنيف و هذا ما يفسر لنا الحرب الضروس عليها ولازالت من أعداء الداخل والخارج لا لشيء إلا أنها لغة فاقت كل اللغات جمالا وبهاء وتحصنا وسعت كتاب الله لفظا وغاية وما ضاقت عن وصف مخترع أو آلات، لغة شملتها العناية الربانية والحفظ الإلهي بقوله تعالى في كتابه العزيز في سورة الحِجر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: 9].

لا تلمني في هواها فهي:

لغة الضاد لغة التراث والميراث التي اهتم بها السلف الصالح وأهل العلم وحثوا الخلف على تعلمها والعناية بها فها هو الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ، وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ” (شعب الإيمان، أبو بكر البيهقي). أما الإمام الشافعي رحمه الله تعلى فقال: “اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد، صلى الله عليه وسلم، ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها لأنها اللسان الأولى).  وها هو شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله جل في علاه يقول، في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم: “فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون”. إلى غير ذلك من وصايا سلفنا الكرام رحمهم الله عز وجل …

لا تلمني في هواها فهي :

لغة عالمية ساحرة زاخرة ذات مكانة سامية على المستوى الدولي وعقلاء العالم ينصحون بتعلمها وإتقانها رغم ما تعرضت له من كيد الكائدين وحقد الحاقدين وحذلان الخصوم القريبين؟؟ وإليكم بعض الإضاءات حول لغة الهوية والفكر والحضارة فهي:

-أكثر من 1,2 مليون كلمة دون تكرار  مقابل 600 ألف كلمة في اللغة الإنجليزية .

-يتحدث بها أكثر من 467 مليون شخص حول العالم.

-من أكثر 04 لغات استخداما على الأنترنيت.

-عمرها 1700 سنة على الأقل.

-اعتمدت الأمم المتحدة يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام للاحتفال باللغة العربية، والتي تعد من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة، وذلك لزيادة الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها وقيمتها … وهي التفاتة طيبة منها وإن كانت غير كافية لعل أهلها يستفيقون من سباتهم العميق ويهتموا أكثر بسيدة اللغات هاته ..

لا تلمني في هواها فهي:

اللغة العريقة والأصيلة والرصينة من أقدم لغات العالم التي ما زالت تتمتع بخصائصها وقواعدها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال، والقدرة على التعبير عن مدارك العلم المختلفة كما أنها لغة ثرية تتميز وتتفرد بخصائص منها:

-الخصائص الصوتية: إن اللغة العربية تملك أوسع مدرج صوتي عرفته اللغات، حيث تتوزع مخارج الحروف بين الشفتين إلى أقصى الحلق.

-الاشتقاق: الكلمات في اللغة العربية لا تعيش منعزلات بل مجتمعات مشتركات كما يعيش العرب في أسر وتجمعات وقبائل. وللكلمة جسم وروح فهي كائن حي متطور، ولها نسب تلتقي مع مثيلاتها في مادتها ومعناها فمثلا الأصل كـ ت ب: كتب – كاتب – مكتوب – كتابة – كتاب – مكتبة… فتشترك هذه الكلمات في مقدار من حروفها (مصدر الكلمة) وجزء من أصواتها.

-خصائص الكلمة العربية في الشكل والهيئة أو البناء والصيغة أو الوزن: إن صيغ الكلمات في العربية هي اتحاد قوالب للمعاني تُصبُّ فيها الألفاظ فتختلف في الوظيفة التي تؤديها. وتتميز اللغة العربية بالموسيقية فجميع ألفاظها ترجع إلى نماذج من الأوزان الموسيقية، والكلام العربي نثراً كان أم شعراً هو مجموع من الأوزان ولا يخرج عن أن يكون تركيباً معيناً لنماذج موسيقية. (من كتاب اللغة العربية ومكانتها بين اللغات)..

-الإيجاز: الإيجاز صفة واضحة في اللغة العربية . يقول الرسول r : (( أوتيت جوامع الكلم )). ويقول العرب (( البلاغة الإيجاز )) و ((خير الكلام ما قلّ ودلّ)). وفي علم المعاني إيجاز قصر وإيجاز حذف …

-خصائص معانـي الألفـاظ العربيـة: فبالإضافة إلى ما في اللغة العربية مما لا يكاد يحصى من الألفاظ الدالة على الحسيات لم تهمل المعنويات والمجردات. إننا نجد في العربية سعة وغزارة في التعبير عن أنواع العواطف والمشاعر الإنسانية… واشتملت كذلك على المفاهيم الكلية والمعاني المجردة… وجمعت بين الواقعية الحسية والمثالية المعنوية، فالمادية دليل الاتصال بالواقع، والتجريد دليل ارتقاء العقل … ويتعلم أبناء العربية المنطق والتفكير المنطقي مع لغتهم بطريقة ضمنية طبيعية فطرية…. إلى غير ذلك من الخصائص والمناقب الأخرى …

لا تلمني في هواها فهي:

لغة الجمال والفكر والبيان لغة الإبداع والفن والإمتاع شهد لها بذلك القاصي والداني, الصديق والخصم فها هم بعض المنصفين من المستشرقين وعلماء اللغة الغربيين يتحدثون بموضوعية عن اللغة العربية من ناحية خصائصها الفريدة ومنطقية بنائها وعذوبتها وجمالها وكمالها وشموخها ومرونتها مقارنة بغيرها من اللغات الكثيرة والمتعددة وعصيانها على الانهزام والأفول والاندحار ووقوفها سدا منيعا وحصنا حصينا يحفظ للأمة هويتها وحضارتها وتاريخها المجيد ضد كل الهجمات الخبيثة المتتالية من أعدائها الحاقدين الظاهرين والمستترين  … وهنا بعض الشهادات :

-تقول المستشرقة الألمانية زيفر هونكه : “كيف يستطيع الإنسان أن يُقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم، وسحرها الفريد؟! فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صَرْعَى سحر تلك اللغة”.

-قال المستشرق الفرنسي رينان: من أغرب المُدْهِشَات أن تنبت تلك اللغة القومية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمة من الرُّحل تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها، وحسب نظام مبانيها، ولم يُعْرَف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تُبَارى، ولا نعرف شبيهاً بهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج وبقيت حافظة لكيانها من كل شائبة

-ويقول وليم ورك عن جمال لغتنا الحبيبة كذلك:”إن للعربية لينًا ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر”.

-ويقول المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون: “استطاعت العربية أن تبرز طاقة الساميين في معالجة التعبير عن أدق خلجات الفكر. واللغة العربية هي التي أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي، والعربية من أنقى اللغات، فقد تفرّدت بتفرّدها في طرق التعبير العلمي والفني والصوفي، إنّ التعبير العلمي الذي كان مستعملاً في القرون الوسطى لم يتناوله القدم ولكنه وقف أمام تقدّم القوى المادية فلم يتطوّر.

-وكشهادة وافية للمستشرق النمساوي جوستاف جرونيباوم،التي يقول فيها: “عندما أوحى الله رسالته إلى رسوله محمد أنزلها (قرآناً عربياً) والله يقول لنبيّه (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوْمًا لُّدًّا)، وما من لغة تستطيع أن تطاول اللغة العربية في شرفها، فهي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية، وليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على ما أودع الله في سائر اللغات من قوة وبيان، أما السعة فالأمر فيها واضح، ومن يتّبع جميع اللغات لا يجد فيها على ما سمعته لغة تضاهي اللغة العربية، ويُضاف جمال الصوت إلى ثروتها المدهشة في المترادفات. وتزيّن الدقة ووجازة التعبير لغة العرب، وتمتاز العربية بما ليس له ضريب من اليسر في استعمال المجاز، وإن ما بها من كنايات ومجازات واستعارات ليرفعها كثيراً فوق كل لغة بشرية أخرى، وللغة خصائص جمّة في الأسلوب والنحو ليس من المستطاع أن يكتشف له نظائر في أي لغة أخرى، وهي مع هذه السعة والكثرة أخصر اللغات في إيصال المعاني، وفي النقل إليها، يبيّن ذلك أن الصورة العربية لأيّ مثل أجنبيّ أقصر في جميع الحالات”.

-واجعل مسك ختام هذه الشهادات بقول الأديب العربي الفذ الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله في كتاب” وحي القلم”: ما ذَلّت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ فى ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرِضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَه فرضاً على الأمةِ المستعمَرَة، ويركبهم بها ويُشعرهم عَظَمَته فيها، ويَستَلحِقُهُم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ: أما الأولُ: فحبْسُ لغتهم في لغتِهِ سِجناً مؤبداً. وأما الثاني: فالحكمُ على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً. وأما الثالث: فتقييدُ مستقبلهم في الأغلالِ التى يصنعُها، فأمرهم من بعدِها لأمرِهِ تَبَعٌ. …

وختاما ومما لا شك فيه أن اللغة العربية بحر زاخر في أحشائه الذر كامن يدركه من يتقن فن الغوص والفهم فيها, ويكفي لغة القرآن شرفا أن الله تعالى اختارها لتكون لغة كتابه الخاتم وسنة نبيه الفصيح ولغة الذكر والصلاة تقربا إليه سبحانه … فلا تلمني في هواها فالله رفع لواها وقدرها ,لغة الهوية و الإبداع والحضارة … ,وإليكم أيها المحبين كذلك مقترحات عملية خدمة لهذه اللغة العظيمة من قبيل :

-تعرف مكانتها وأهميتها – تعرّف إليها وبسط ما أمكن – اعتزّ بها وافتخر- تكلمها واستمعها وسمِّعها – اقرأ القرآن وتعلم تجويده – اقرأ في الشعر واحفظ منه – اقرأ لكبار الأدباء والشعراء – اكتب بها وترجم إليها – تجنب نقد الآخرين الذين يخطؤون بها – علمها لأولادك وأحفادك – أبدع بها في الصحافة والإعلام والسينما وغيرها – انشر هذه الأفكار وزد عليها مقترحاتكم النيرة …

لغة الأجداد هذي رفع الله لواها … فأعيدوا يا بنيها نهضة تحيي رجاها…لم يمت شعب تفانى في هواها واصطفاها

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M