لماذا تم احتكار مفهوم الفلسفة على الرؤية الغربية؟ ولماذا لا توجد فلسفة منبثقة من الرؤية القرآنية؟

23 فبراير 2024 18:51

هوية بريس – ابراهيم الناية

تعتبر العلوم الانسانية من المعارف التي تعمل على تغيير كثير من المفاهيم العقلية لدى الانسان، والمتعلقة برؤيته للحياة ، ولذلك أطلق عليها عادة مواد التغيير الثقافي.
لانها تسعى جاهدة الى بلورة نسيج ثقافي جديد. وتطرح اسئلة قد تجعل الانسان في حيرة احيانا، وبالاخص مادة الفلسفة التي تعتبر نتاج وعي الأمة لذاتها ، فكلما كانت تلك الفلسفة معبرة عن الاطار الحضاري والثقافي ، لذلك المجتمع الذي نشأت فيه كلما كرست روح تلك الامة، واستحضرت وعيها التاريخي وهكذا نجد بعض فلاسفة الألمان يتجهون نحو هذا المنحى “فمارتن هايدغر “يرى أن الفلسفة لا ينبغي ان تكتب الا باللغة الألمانية لشدة تعلقه بالروح الألمانية، وقس على ذلك كثيرا من الفلاسفة ف”جان بول سارتر” قد يحترمه بعض الفرنسيين ليس لمضمون فلسفته وإنما للغة الفرنسية التي يكتب بها. لكن قد يعترض البعض على التساؤل السابق لكونه لم يعد له معنى واصبح متجاوزا ولم يعد احد يهتم به او يركن الى البحث عن الجواب عنه، وذلك ان الامر قد حسم من زمان لكون الفلسفة تفكير غربي خالص ، انتجته العبقرية الأوروبية منذ القدم، غير أن طرح السؤال الآن قد لا يسير في هذا الاتجاه لأن الأمر يتعلق بالمعنى ولا يرتبط بالنشأة، فلكل أمة تفكير وموقف إزاء الإنسان والحياة والوجود ، ولا يمكن الاقرار بموقف واحد يبقى الناس يرددونه أبد الآبدين.
لأنه كما يرى البعض ينبغي ان نبحث في حياتنا ذاتها بحثا عن النظريات، ولكن يبقى فقط كيف يمكن ان تتم صياغة ذلك الوعي والمنتوج الفكري من خلال اساليب الاستدلال والبرهان ، أي ينبغي عقلنة الرؤية الإنسانية ووضعها في ثوب منطقي ، فكل إنسان له انتماء عقائدي وثقافي هو الذي يسطر هويته لأن البشر ينتمون الى العقائد والافكار والقيم ولا ينتمون الى اللون والجنس والعرق ، ولذلك ما هي تأملاتنا ومساهماتنا من اجل تقديم قراءة واعية ومنطقية إزاء قضايا الحياة الانسانية والوجود ؟. أما السقوط في وحل ترديد مفاهيم الآخر ورؤيته واعتبار ذلك هو التصور الوحيد الذي ينبغي الاعتراف به باعتباره هو النموذج الأمثل لانماط الوعي البشري فهذا هو الإنبطاح بعينه وفقدان للذات والاعتراف باستقالة عقل الإنسان ومحو ارادته ،وهذا ما حصل كثير منه للأسف في مجتمعاتنا: إن الضفة الشمالية للبحر الابيض المتوسط هي الاجدر بالتفكير أما بقية الشعوب الأخرى كانها خلقت بدون عقل او رؤية او تفكير. فلو كانت عديمة الرؤية لما استمرت في التاريخ ،ولما حررت ذاتها من الاستعمار واذنابه.
ولكن المسألة التي عانت الشعوب التي كانت ترزح تحت عباءة الاستعمار هي التبعية في الفكر والثقافة وفي السياسة والاقتصاد. ولقد سقطت مناهج التعليم في كثير من البلاد في هذا الشَّرَكِ الذي لا يعتبر الفلسفة كإنتاج فكري يخص كل أمة دون غيرها. بل يتم التنصيص : أن الوعي الفلسفي باعتباره تأملا في قضايا الوجود والانسان مسألة تعني التراث الغربي، ولذلك عندما يسمع الناس لفظة فلسفة ينصرف الذهن الى الانتاج الفكري الغربي، والمسألة لا تعدو ان تكون تأملا عقليا متجسدا في عقلنة الوعي اي أن أية رؤية ينبغي صياغتها بادوات البرهان والاستدلال لكي لا تبقى سائبة بدون تقنين او تحديد، ولذلك لكل أمة وعيها الخاص المنطلق من رؤيتها العقائدية والثقافية إزاء قضايا الوجود والحياة والانسان.
 ولم تكن التبعية او الدوران في فلك المركزية الاوروبية وليدة اليوم بل نجد ما يطلق عليه في تاريخ الفكر في الإسلام بمتفلسفة الإسلام الذين نظروا الى الإسلام والحياة الاسلامية من منظور التراث اليوناني حتى ان الشهرستاني المؤرخ الاشعري قال في حقهم “قد سلكوا كلهم طريقة ارسطو طاليس فيما ذهب اليه وانفرد به سوى كلمات يسيرة ربما رأوا فيها رأي افلاطون والمتقدمين”. اي انهم انطلقوا في رؤيتهم من العقل الارسطي ليقرؤوا الاسلام انطلاقا من الثابت اليوناني. ولم يكن علم الكلام احسن حال من غيره من انماط التفكير وهو النقاشات التي نشأت في المحيط الاسلامي والتي كانت طاحنة أحيانا مثل مسألة خلق القرآن وما ترتب عنها من مآسي وكمحنة بعض القدريين، وهذا النمط الفكري لم يكن منطلقا من التصور الإسلامي. لخوضه في الجوانب الميتافيزيقية .وهذا ما جعل الفقهاء يبتعدون عن هذا النوع الفكري. ولكن قد اعتقد كثير من الناس المتعاطين للتفكير الفلسفي ان الفلسفة الاسلامية او مذاهب التفكير عند المسلمين تنحصر في ثلاثة اقسام:
 فلسفة المتفلسفة وعلم الكلام والتصوف. فما نصيب هذه الاصناف من الارتباط بالنسقية القرآنية او بالتصور الاسلامي اي رؤية الاسلام حول حول الكون والحياة والانسان؟ وما هي الظروف التي نشأت فيها هذه الانماط الفكرية ؟ اي: الوضعية المجتمعية التي بلورت هذه المعارف.؟
إن الوضعية الاجتماعية التي ساهمت في بلورة مثل هذه المعارف كانت تستفيد من هذه النقاشات، لانه لم يكن همها الاكبر هو حل قضايا المجتمع. او تحقيق العدل الذي جاء الاسلام للدعوة الى تحقيقه في حياة الناس ولذلك ، ألَمْ يحن الوقت الى الارتباط بالقرآن وصحيح السنة؟ لاستخلاص رؤية فلسفية هادفة تعبر عن تصور إسلامي حقيقي لقضايا الوجود والانسان والحياة؟ ثم ما نصيب هذه الانماط الفكرية من حل قضايا المسلمين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟ ام هي مجرد ترف فكري نشأ وفق ظرفية معينة أصبحت من من الماضي فهل يصح نعتها بالفكر الميت ؟.
لكن الفكر الحي المستمر باستمرار الانسان على الأرض والمرتبط به وبحياته هو ذلك الفكر الذي يحدد له مجال الحركة والتدبير وهو المستنبط من القرآن الذي يجعل هذا الفكر متجددا وحيا ولا يمكن للإنسان أن يعيش الحياة السعيدة بدونه لأن القرآن هو الذي نسج خيوط السعادة الدائمة للانسان، لأنه قول الخالق الازلي والذي خلق الانسان وأراد ان يسير وفق ما شرعه له . وأن كل النزوات التي شرعت للانسان قوانين سيره قد فشلت لانها سببت للانسان نهاية مأساوية .
إن التأمل والتدبر في هذا الكون الفسيح وما يسوده من ظواهر طبيعية وانسانية واجتماعية عندما يحكمه منطق البرهان والاستدلال وليس منطق الاهواء والانفعالات والنزوات ، قد يصل بصاحبه الى نتائج تؤدي به الى الاقرار ان الانسان لم يخلق لتلبية مطالب بيولوجية فقط، وانما خلق من أجل تأدية رسالة اساسية في هذه الحياة الفانية. ولذلك زم التساؤل لماذا لا توجد فلسفة منبثقة من الرؤية القرآنية تساعد الانسان المسلم على اكتساب مهارة التحليل والنقد وكيفية التعامل مع الانساق المعرفية الاخرى المخالفة للمسلمين في الملة؟ سيما ان الدعوة الى التأمل والنظر في ملكوت الله تعد عبادة ، ولذلك قال احد المفسرين : اذا كان القرآن هو كتاب الله المقروء، فإن الكون هو كتاب الله المفتوح.
آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M