مجالس العشر الأوائل

28 أغسطس 2017 19:54
بعد اكتمال التصعيد لـ"مِنى".. طلائع الحجاج تصل "عرفات"

ذ.طارق الحمودي – هوية بريس

بمجرد البدء في مطالعة مباحث الحج في كتب الحديث وشروحه وفقهه تفاجأ بلطائف الفوائد وعجائب الفرائد هنا وهناك منطوقة أو مفهومة، صنعها العقل الفقهي المسلم، برهافة إحساس ودقة في الملاحظة، استمتع علماؤنا باستنباطها واستخراج الهدايات من الآيات والأحاديث الواردة في الحج، فضائله وأحكامه، وتركوا لنا تراثا متينا وجميلا يُحرم من يهجره، وينبل من يخدمه بالتصحيح والمباركة، وقد استمعت بمتابعة صنيعهم، ووقفت أتأمل عظيم فعلهم ودقيق وصفهم وفهمهم، وكان ذلك في مجالس في أيام العشر الأولى من ذي الحجة هذا العام، أعدت النظر في معلقاتي، وراجعت ما انتقيته من مقيداتي، وآثرت مقاسمة القراء بشيء من ذلك، والله المرجو أن يتقبل القول الصالح و العمل.

  • روى أبو داود وغيره عن عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثم يوم القر”؛ وهو اليوم الثاني. قال: وقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمس أو ست، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها قال: فتكلم بكلمة خفية لم أفهمها، فقلت: ما قال؟ قال:من شاء اقتطع“. والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.

    في الحديث فوائد…

  • منها تسمية اليوم الذي يلي يوم النحر “يوم القر” أي اليوم الذي يقر الناس فيه بمنى.

  • جواز النهبة من الطعام إذا وضع لذلك وهو قوله “من شاء اقتطع“، أي أنه قال بعد ذبحها اللي بغا يدي جي حاجا منا يديها

    وأما الثالثة فعجب عجاب..

  • ..وهي أن الجمال الخمسة أو الستة كانت تتسابق وتتدافع أيهن يذبحها النبي صلى الله عليه وسلم بيديه الكريميتن أولا! ونبه بعض العلماء على أن هذه البهائم أعقل وأهدى من كثير من الناس ممن لا يرجون القرب من سنة وشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك فلاحهم !

  • الهدية لا ترد.. وسوء الفهم يرفع

فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم – وهو محرم – رد لحم حمار وحشي أعطاه إياه أحد الصحابة، فلما رأى ما في وجهه من تغير قال له: “إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم” .

وفيه وجوب قبول الهدية لأنها لا ترد، ومسارعة المؤمن إلى البيان ورفع الإشكال إذا أساء الناس فهم كلامه أو فعله.

  • جواز وهم الصحابي روى أبو داود في سننه عن سعيد ابن المسيب قال” : وهم ابن عباس في قوله: تزوج ميمونة وهو محرم” أي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة ميمونة وهو حلال غير محرم بحج ولا عمرة.

والوهم الخطأ، وقد استعمل الإمام أحمد قول ابن المسيب مع جزم ميمونة نفسها بأنها تزوجته وهو غير محرم.

والأثر صحح الألباني في صحيح أبي داو، والفائدة في هذا جواز استعمالها في وصف الأكابر خطأ الأكابر، وعلى هذا طريقة علماء الحديث في وصف خطأ الراوي الثقة بالوهم كما في نزهة النظر عند مبحث “العلل“.

  • يوم الرؤوس..

هكذا وصفت إحدى الصحابيات في حديث عند أحمد وأبي داود اليوم الثاني بعد يوم النحر، وفيه ضعف لكن المفيد فيه أن “يوم الرؤوس” سمي كذلك لأنهم كانوا “يأكلون فيه رؤوس الأضاحي“.وهو اليوم الثاني من أيام التشريق.

  • في كتاب المناسك لابن الأعرابي

  • قول ابن عمر: أصنع ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم

  • وقول عمران بن حصين لمطرف بن عبد الله: إني كنت أحدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي

  • وفي مسند أحمد وغيره قول عمر في الرمل والكشف عن المناكب في الطواف بالبيت: “لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم” وصله عند البخاري بلفظ :”شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه” وفيه التنبيه على أن الصحابة لم يبدلوا ولم يغيروا بل صدقوا وابتعوا.

  • وعند البخاري وصف الزهري سنة جعل ركعتين لكل طواف سباعي بالبيت: “السنة أفضل“.

  • ثور، جبلان، جبل ثور الذي احتمى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من عيون قريش، وجبل صغير من وراء جبل أحد، أفاده المحب الطبري في غاية الإحكام في أحاديث الاحكام في الجزء الخامس عن أبي محمد عبد السلام البصري بسؤاله الطوائف من العرب العارفين بأرض الحجاز ولم ينتبه لهذا جمهور العلماء، ونبه المحب الطبري على: “عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم سؤالهم وبحثهم عنه“.

  • روى أهل السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لعائشة رضي الله عنها سبب جعل قريش باب الكعبة مرتفعا فقال: “فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا“.

  • في الصحيحين ان معاوية رضي الله عنه قصر من رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند المروة، وهذا غريب، فهو يقتضي انه فعل ذلك في عمرة، لكن عند ابن عساكر في تاريخ دمشق أن معاوية بن أبي سفيان أسلم بين الحديبية وعمرة القضاء وأنه كان يخفي إسلامه خوفا من أبويه فقال :” لقد أسلمت قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية ولقد كنت أخاف أن أخرج كانت أمي تقول لي: إن خرجت قطعنا عنك العون“، وبهذا وجه ابن حجر الإشكال، فالقول بأنه من الطلقاء فيه نظر، وكيف وقد قيل، فحذار من إساءة الأدب مع الصحابة رضي الله عنهم، فمعاوية باب إلى الصحابة كما قال العلماء، ومن طرق الباب ولج.

  • في الصحيحين ان محمد بن أبي بكر بن عوف قال : سألت أنسا ونحن غاديان من منى إلى عرفات: “كيف كنتم تصنعون مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟” وفيه حرص التابعين على ما كان عليه السلف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة والمناسك.

  • في الصحيحين أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لعبد العزيز بن رفيع في بعض مسائل الحج : “افعل كما يفعل أمراؤك” وفيه التنبيه على وجوب لزوم الجماعة وأمرها وعدم شق الصف والحرص على الوحدة.

قصدي بهذا التنبيه على تنوع فوائد الحديث النبوي خاصة ولطافتها، فهي مناط الهداية مع كتاب الله تعالى، وهي البيان المفصل للمجمل، والرافع عن الحُكم ستار الحِكم، فعليكم بكتاب الله وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، فهما أسباب النصر والتمكين والهداية، والإعراض عنهما إفلاس وغبن في الدنيا والآخرة.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M