مس الجن للإنس حقيقة أم خرافة؟!.. خبير شرعي يجيب

26 أغسطس 2020 23:00

هوية بريس – الدكتور عبد الرحمن بوكيلي

فيديو.. كلمات حول مفاسد عاشوراء والمسنون فيها - د. عبد الرحمن بوكيلي

الحمد لله وبعد، جوابا على سؤال من إحدى السيدات بخصوص المس، ومدى تأثير الجن في الإنس وطبيعة مسه. أحاول مقاربة المسألة من خلال محطتين كبيرتين.

في الأولى بسط جملة من الملاحظات المنهجية العلمية الهادية الكبيرة بهذا الخصوص، وفي الثانية، مختصر أدلة السواد الأعظم من الأمة، من كتاب الله تعالى وسنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، مع كلمات منتقاة لأئمة أعلام. ثم الختم بملاحظة منهجية كبيرة.

ملاحظات منهجية كبيرة:

الأولى: هذا الموضوع ليس جديدا بل هو قديم مع الإنسان، وقد كان معلوما لدى الصحابة رضي الله عنهم، ثم نزل القرآن الكريم مستعملا مصطلح المس في ارتباطه بالجن.

الثانية: هذه المسألة من فروع العقيدة وليست من أصولها ولله الحمد. فالإيمان بالجن وما ذكر عنهم في القرآن والسنة الصحيحة من الأصول، لكن طبيعة هذا المس وكيفيته ليست كذلك، وإنما من الفروع… يدرك هذا من كان مؤهلا علميا، للتمييز بين الأصول والفروع في العقيدة، وقليل ما هم بين طلبة العلم.

الثالثة: لم يعرف عن الصحابة رضي الله عنهم استبعاد ونفي مس الجن الشيطان للإنسان، بل نص على ذلك أئمة التفسير منهم، وعلى رأسهم ابن عباس رضي الله عنه. وذكر عدد من أهل العلم إجماع الصحابة على ذلك.

الرابعة: أجمع علماء التابعين بعد إجماع الصحابة على ذلك، وكذلك تابعوهم وعلى رأسهم الأئمة الربعة، أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، رحمهم الله تعالى. (سيأتي الحديث عن هذا)

الخامسة: هل من السليم أن يفهم الناس بعد، في العبادة والعقيدة، عكس ما فهمه السلف من القرون الخيّرة الأولى؟؟؟ نعم في مواضيع المعاملات، التي تعتريها التحولات، وتتأثر بالزمان والمكان والحال، يمكن أن يتجدد الحكم ويدخله الاجتهاد، لكن في قضايا العقيدة ومسائل التعبد، فقد تم الأمر وكمل الدين، ولله الحمد.

السادسة: مرارا أسمع من بعض الإخوة الأحبة الصالحين المخلصين، أن في مسألة المس رأيين، رأيا ينفيه، ورأيا يثبت دخول الجني في الإنسان والتأثير فيه، وسوسة ومسا وتخبطا…

هذا الكلام يبدو سليما وعلميا وموضوعيا، لكن الحقيقة أن فيه تدليسا سيئا، وتمويها قبيحا… إذ السؤال هو، من القائل بالرأي الأول؟ ومن أصحاب الرأي الثاني؟… فوجب البيان بالنص على أن المثبتين هم السواد الأعظم من الأمة، من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، في حين الذين نفوا هم قلة قليلة، بدءا ببعض المعتزلة، مرورا ببعض الظاهرية، وانتهاء ببعض المعاصرين المترددين في المسألة…

السابعة: كلمة المس الواردة في القرآن الكريم هي لفظ عربي معلوم لدى العرب، متداول على ألسنتها، لذلك لم يُحدث مفهومه أي التباس لدى الصحابة رضي الله عنهم، فقد أدركوا بفطرة لسانهم أن المس يتضمن تداخلا لطيفا واندماجا سلسا، وسريانا خفيا… ولا يقتصر الأمر فقط على مس من خارج دون عمق ولا نفاذ.

وقد إلتفت صاحب المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم إلى هذا الأمر، وأمعن، تقبل الله منه، في بيان المعنى اللغوي الدقيق لمادة (مسس)، ومما قال: “… وماء مسوس: عذب صاف يشفي الغليل… ووجد مسّ الحمى أي رسّها وبدأها قبل أن تأخذه وتظهر…” ثم نبه على المعنى المحوري للمادة فقال: ” سريان في أثناء أو مخالطة دقيقة ذات أثر…”

والناظر في استعمال القرآن الكريم لمادة (مسس) يلحظ هذا المعنى بجلاء، ويتبين له هذا السريان بعمق. تأمل على سبيل المثال:

قوله تعالى: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)البقرة 237

وقوله سبحانه: (قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)مريم20

وقوله سبحانه: (وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةًۚ)(البقرة 80)

وقوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة 214

وقوله جل جلاله: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (ص 41

فانظر رعاك الله، العمق الدلالي الحاضر في كلمة المس في هذه الآيات وفي غيرها، فالمعنى لا يقتصر على اللمس الخفيف الذي لا أثر له، وإنما هو مس ذو تعمق وتجذر وتمازج، كما هو الحال في العِشرة الجنسية بين الزوجين، وكما هو حال الحمى وهي تتغلغل إلى كل خلية من البدن، وكما هو واقع أيوب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وهكذا…

من هنا كان فهم الصحابة والتابعين وتابعيهم والسواد الأعظم من الأمة لقوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ…) البقرة 275. كان فهمهم، ظاهرا دون تكلف، يتعلق بالمس الشيطاني المؤثر العميق الذي ينشأ عنه التخبط، بصريح الآية…

لكن لماذا لم يفهموا أن الأمر يتعلق بالوسوسة والإذاية من خارج، أو ما شابه ذلك مما قال به البعض؟… الجواب هو أن القرآن نص على المس، وربطه بالتخبط. ومن جهة أخرى ذكر القرآن الكريم أحوال التأثير الشيطاني المختلفة، ودل عليها بجملة من العبارات، وذلك من مثل: الإغواء والنزغ، والإيذاء، والوسوسة، والمشاركة، والهمز، وما إلى ذلك… فهل يعقل أن نأخذ الوسوسة ونعرض عن الأشكال الأخرى؟؟؟

إن ما ذكر من الفعل الشيطاني هو أشكال وأحوال حسب قابلية الإنسان وأهليته، فقد لا يملك الشيطان إلا أن يوسوس، وقد يجد الحال مناسبا فيؤذي الإنسان في نفسه وبدنه، وقد يقوى لغفلة العبد فيمسه ويرديه صريعا متخبطا… وكل هذا ثابت بالقرآن والسنة، ولا كلام يعلو على ما جاء فيها. والله المستعان.

مختصر أدلة السواد الأعظم من الأمة.

من كتاب الله:

في تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ…) البقرة 275

قال الطبري رحمه الله: يعني بذلك يخبله الشيطان في الدنيا وهو الذي يخنقه فيصرعه (من المس)، يعني: من الجنون.

وقال البغوي رحمه الله: (مِنَ الْمَسِّ) أي: الجنون. يقال مُس الرجل فهو ممسوس إذا كان مجنونًا.

وقال ابن كثيررحمه الله: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قيامًا منكرًا. وقال ابن عباس-رضي الله عنه: (آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا يخنق) رواه ابن أبي حاتم، قال: وروي عن عوف بن مالك وسعيد بن جبير والسدي والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك.

وقال القرطبي رحمه الله: في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس.

من السنة المطهرة:

ففي الحديث المتفق عليه عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَباحٍ، قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَلَا أُرِيَكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّودَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِني أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ تَعَالَى لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوتُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَكِ»، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفُ، فَدَعَا لَهَا.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح وهو يشرح هذا الحديث: “وعند البزار من وجه آخر عن ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت: إني أخاف الخبيث أن يجردني.وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط.”

وعن عثمان بن أبي العاصرضي الله عنه قال: لما استعملَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على الطائفِ جعل يعرضُ لي شيئ في صلاتي حتى ما أدري ما أُصلِّي. فلما رأيتُ ذلك رحلتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.فقال: ابنُ العاصِ، قلتُ نعم يا رسولَ اللهِ. قال: ما جاء بك؟ قلتُ: يا رسولَ اللهِ عرضَ لي شيءٌ في صلاتي، حتى ما أدري ما أُصلِّي، قال: ذاك شيطانٌ،أدْنُه. فدنوتُ منه، فجلستُ على صدورِ قدَميَّ، قال: فضرب صدري بيدهِ وتفل في فَمي، وقال:أخرج عدوَّ اللهِ. ففعل ذلك ثلاثَ مراتٍ، ثم قال: الحقْ بعملِكَ.(رواه ابن ماجه، وقال البوصيري: إسناده صحيح، رجاله ثقات، ورواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وصححه الألباني)

وروى الإمام أحمد في مسنده عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ،أَتَتْهُ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا قَدْ أَصَابَهُ لَمَمٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ). قَالَ: فَبَرَأَ. فَأَهْدَتْ لَهُ كَبْشَيْنِ وَشَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا يَعْلَى خُذ الْأَقِطَ وَالسَّمْنَ وَخُذْ أَحَدَ الْكَبْشَيْنِ وَرُدَّ عَلَيْهَا الْآخَرَ) .وهكذا رواه الحاكم في المستدرك، والطبراني في المعجم الكبير. وقال البوصيري في “مختصر الإتحاف”: رواته ثقات. وقال الهيثمي في “مجمع الزوائد” رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وقد قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية، بعد أن ساق بعض طرقه: هذه طرق جيدة متعددة. وقال المنذري في “الترغيب والترهيب:”إسناده جيد”

 من كلمات الأئمة الأعلام:

قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله (صاحب العقيدة الأشعرية)، في الإبانة عن أصول الديانة: فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافعة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون.

قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل، وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما روي عن السادة ـ الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ـ ونحن بذلك معتصمون.

وجملة قولنا: أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله، إلى أن قال: وأن الشيطان يوسوس الإنسان ويشككه ويخبطه، خلافا للمعتزلة والجهمية كما قال تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.)، وكما قال: (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة.

وقال أيضا: ليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجن في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك، فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك…. ولشهرة هذه الأخبار وظهورها عند العلماء قال أبو عثمان عمرو بن عبيد: المنكر لدخول الجن في أبدان الإنس دهري أو يجيء منه دهري.

 وقال ابن القيمرحمه الله تعالىفي كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد): “الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة. والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه.وأما صرع الأرواح: فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها، وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه، فذكر بعض علاج الصرع، وقال: هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة. وأما الصرع الذي يكون من الأرواح، فلا ينفع فيه هذا العلاج.وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها…. إلى أن قال: وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده، ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم….”

ملاحظة ختامية:

جميل جدا أن يتساءل طالب العلم، إذ السؤال مفتاح العلم وباب الارتقاء في مدارجه. كيف تعامل الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان مع مثل هذه المسائل؟ وهل كانوا يتكلفون الغوص في تفاصيلها ودقائقها وكيفياتها؟ ولماذا لم تثَر عندهم هذه المشاكل التي ملأت قنواتنا الإعلامية اليوم، ومواقع التواصل الاجتماعي…؟

الجواب بين كالشمس في ضحاها. إنهم، رضي الله عنهم، تلقوا القرآن الكريم باللغة التي يفهمونها، مستحضرين معناها الوضعي، ومفهومها العرفي. هذا من جهة، ومن ناحية أخرى في غاية الأهمية، كان همهم مراد الآية الكريمة وفائدتها العملية الإنشائية… إن قواهم كلها كانت متجهة إلى معرفة منافذ الشيطان وكيفية سدها، وسبل تحصين أنفسهم من وساوسه، ونزغاته، ونفثاته، وهمزاته، ومسه،…

من هنا كانوا رضي الله عنهم أئمة الأولياء المحفوظين من الشياطين،فخلف من بعدهم خلف، ممن عرفوا بمناقشة دقائق ومسائل ما أخذت من حياة الأصحاب شيئا، فشغلوا بذلك عن عداوة شياطين الإنس والجن، فكانوا أضعف الخلق أمام وساوسه ونزغاته ومسه.

إن الغاية من آيات المس الشيطاني، والوسوسة الإبليسية، هو أن يكون العبد خبيرا بعدوه، عارفا بطرقه، مُلما بأساليبه ومسالكه… ليكون على أهبة دائمة، لصد نزغاته، وطرد وساوسه، ودفه مسه. قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) الأعراف201

أما أن يشغل الناس بهذا المس والتشكيك فيما ذكره علماء الأمة وسلفها المُزَكَّى من القرون الأولى، فلا فائدة من ذلك سوى الجرأة على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوء الأدب نحو علماء الأمة وأئمتها الأعلام… ولا يخفى ما ينتج عن ذلك من الفتنة لعموم المسلمين وخاصتهم، وزرع بذور الشقاق وسوء الظن. والعياذ بالله.

فاللهم ألهمنا الصواب، ووفقنا لما تحبه وترضاه. والحمد لله رب العالمين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M