مظاهر الميز التشريعي بين خطة العدالة ومهنة التوثيق

01 فبراير 2024 10:56

هوية بريس-ذ.محمد أبو الوافي (عدل باستئنافية الرباط)

يمثل العدول إلى جانب الموثقين الجهة المهنية التي تضطلع بمهمة توثيق التصرفات والمعاملات التي يستلزم القانون إعطاءها الصبغة الرسمية المرتبطة بأعمال السلطة العمومية ، ولإن كانت الجهتان تتقاطعان بشكل كبير في مهامهما واختصاصاتهما إلى حد التطابق في موضوعات المعاملات التجارية والمدنية على اختلاف أنواعها ، من بيع وشراء وكراء وإقامة الشركات وحلها ، أو ما تعلق بالتصرفات العقارية سواء كان العقار محفظا أو غير محفظ أو في طور التحفيظ ، إلا ما انفك عن ذلك من موضوعات الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والإرث والنسب والرضاع واعتناق الاسلام وغيرها من القضايا التي تندرج في مجال الأسرة والأحوال الشخصية فيبقى اختصاصا حصريا للعدول ، بالنظر أولا لطبيعة تكوينهم الشرعي، وثانيا لطبيعة هذه الشهادات وارتباطها الوثيق بجملة من الأحكام الشرعية المحضة (المادة 13 من القانون 03-16) ، إلا أن الظاهر ومن خلال القوانين المنظمة للمهنتين ، القانون رقم 16-03 المنظم لخطة العدالة والقانون رقم 32 -09 المنظم لمهنة التوثيق ، ومن خلال التشريع المالي يتضح أن هناك تمييزا غير دستوري يعاني منه العدول على المستوى القانوني و المهني والحمائي والإجرائي ، في مقابل ما منح للموثقين من امتيازات تهم كل ذلك ، نجمل بعضها فيما يلي :
1- على مستوى التعيين ، نجد أن الموثقين يتم تعيينهم من طرف رئيس الحكومة ( المادة 10 من ق 09.33) ، بينما العدول يعينون من طرف وزير العدل ( المادة 7 من ق 03.16) ، والأمر فيه ما فيه من التمييز بخصوص الجهة المختصة بتعيين ممتهني مهنتي التوثيق و خطة العدالة .
2- يشترط للانخراط في مهنة التوثيق أن يكون المرشح بالغا من العمر ثلاثة وعشرين سنة ( الفقرة 2 من المادة 3 من ق 09.32 ) ، بينما يشترط في المرشح لممارسة خطة العدالة أن يكون بالغا من العمر خمسة وعشرين سنة ( الفقرة 2 من المادة 4 من ق 03.16 ) ، ولا ندري ما هو المعيار الذي استند إليه المشرع المغربي فجعله يشترط سنّين مختلفين لولوج مهنتين متشابهتين تضطلعان بمهمة توثيق معاملات وتصرفات المواطنين .
3 – الفئات التي يطالها الإعفاء من المباراة والتمرين المرتبطة بولوج المهنتين يشترط أن لا يتجاوز سنهم عند تقديم الطلب 55 سنة بالنسبة لمهنة التوثيق ( المادة 8 من ق 09.32 ) مما يحدّ من نسبة المتدفقين على المهنة ، بينما لم يراع هذا الشرط بالنسبة لولوج خطة العدالة من هذه الفئات.
الشيء الذي ساهم و يساهم في ابتلاع المهنة للمزيد من التعيينات التي لا يراعى فيها لا الكم ولا الكيف ، فعلى سبيل المثال ما هي القيمة المضافة التي سيقدمها للمهنة شخص أحيل على التقاعد من مهنة أخرى بعد بلوغه سن الستين أو يزيد وقد أخذ منه شقاء سنين العمل مأخذه ؟
4 – بالنسبة للاختصاص المكاني ، الموثقون يمارسون عملهم في مجموع التراب الوطني ( المادة 12 من ق 09.32 ) ، بينما العدول مقيدين بممارسة العمل في حدود نفوذ دائرة محكمة الاستئناف التي يزاولون فيها مهامهم ( المادة 14 من ق 03.16) ، ومرة أخرى نتساءل ما معيار المشرع في التفرقة في الاختصاص المكاني بين العدول والموثقين ؟ وتجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون المهنة قد جاء بمقتضى جديد من خلاله سيتمكن العدول من توسيع دائرة الاختصاص في تلقي المعاملات المرتبطة بالعقار المحفظ ليشمل كافة التراب الوطني، مع كل الحذر في أن يُواجه هذا المقتضى برقابة ” فيتو ” تعجل بالإجهاز عليه .
5- تتم مزاولة مهنة التوثيق بشكل فرد ، فالموثق يتصدى في عمله لتوثيق المعاملات والتصرفات دون أن يحتاج إلى رفيق يلازمه ويقتسم معه مسؤولية إبرام العقود ، بينما يتلقى الشهادة في آن واحد عدلان منتصبان للإشهاد ، وهذا إجحاف من المشرع ، وإن كان ولا بد من الثنائية فلتبق محصورة في عقود الزواج والطلاق لطبيعتهما الخاصة ولاشتراط الشاهدين في مباشرتهما .
6 – جعل المشرع المغربي العدول والموثقين المهنيين الوحيدين الذين يباشرون العقود الرسمية ، إلا أنه وبإجحاف جعل العقود التوثيقية تكتسب صفتها الرسمية مباشرة بمجرد توقيع الموثق عليها ( المادة 44 من ق 09.32 ) ، بينما رسمية العقود العدلية تكتسب ابتداء من تاريخ خطاب القاضي عليها ( المادة 35 من ق 03.16 ) ، وهذا يطرح تساؤلا بخصوص مصير العقود العدلية غير المخاطب عليها .
وحتى وإن جاء المشرع المغربي في بعض القوانين ليطلق يد العدول في توثيق جميع عقود المعاملات العقارية ويضفي عليها الصبغة الرسمية ، تتسلل قوانين أخرى لتشل يد العدول عن مباشرة بعض المعاملات من هذا القبيل ، مثل المنع الذي طالهم سواء في نسخة القانون المالي لسنة 2023 أو النسخة الحالية لسنة 2024 بخصوص توثيق عقود بيع السكن .المدعم من طرف الدولة ، في خرق سافر لمبدإ المساواة وتكافؤ الفرص بين مهنيين يزاولون نفس المهام .
7 – الإجراءات البعدية التي تباشر بعد عملية التوثيق من تسجيل وتقييد وإشهار وإعلان وتصفية الضرائب ، يقوم بها الموثق لزوما ومن غير تفويض من المتعاقدين تحت طائلة المساءلة التأديبية إلا إذا أعفي من ذلك بناء على رغبة الطرف المعني يشار إلى ذلك في صلب العقد أو في وثيقة مستقلة ثابتة التاريخ موقعة منه ( المادة 47 من ق 09.32 ) ، بينما يحرم العدول من هذا الامتياز ، فلا تكون مباشرتهم لهذه الإجراءات إلا بناء على رغبة الطرف المستفيد من العقد و بتفويض صريح منه ( المادة 17 من ق 03.16 ) ، مع ما يكرسه هذا التمييز بين الجانبين في مجال القيام بالإجراءات الإدارية المرتبطة بالمعاملة من انطباع سلبي في ذهنية المرتفق حول أداء مهام العدول على وجه الخصوص .
8 – لتحقيق الأمن التعاقدي بين المرتفقين ، جعل المشرع للموثقين آلية وليس اختصاصا كما يروج له، تساهم إلى حد كبير في هذا المنحى يتعلق الأمر بصندوق حفظ الودائع ، بينما جُرِّدَ العدول من هذه الآلية ، مع أن هذه الآلية هي ليست امتيازا للمهنيين وإنما هي حق لكل مرتفق حتى يطمئن على معاملاته وودائعه ، يجب أن يتمتع بها في حال اختياره للموثق أو في حال اختياره للعدل ، ولست أفهم كيف أقام الموثقون الدنيا ولم يقعدوها حينما تضمن مشروع تعديل قانون مهنة العدالة مقتضى منح العدول حق الإيداع الذي كانوا يعتبرونه في كل وقت اختصاصا حصريا لهم ؟ ، ورغم ما حدا منتسبي المرفق العدلي من أمل جراء التنصيص في مسودة مشروع قانون المهنة على تمكين العدول من آلية حفظ الودائع ، إلا أن هذا الأمل تبخر في جو السماء واندثر مع التصريح الأخير لوزير العدل حيث عبر بفصيح اللسان وتحت قبة البرلمان بأن جميع الجهات المعنية بإبداء الرأي حول مشروع قانون المهنة تمانع في تمكين العدول من حق الإيداع ، وهو التصريح الذي أفاض الكأس وقرر على ضوئه المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية للعدول الدخول في إضراب وطني كخطوة أولى للتعبير عن غضب العدول من تصريح السيد الوزير ، و كاحتجاج بوجه عام على ما أصاب مسار قانون المهنة من تعثر
– وأخيرا وفي إطار الحماية للموثقين ، جعل لهم المشرع ما يسمى بصندوق ضمان الموثقين ( المادة 94 من ق 09.32) يغطي مصاريف التعويض المحكوم بها لفائدة الأطراف المتضررة من الأخطاء المهنية التي قد يقع فيها الموثق وذلك في حالة عسر الموثق أو عدم كفاية المبلغ المؤدى من طرف شركة التأمين للتعويض عن الضرر أو عند انعدام التأمين ، بينما لم ينح المشرع نفس المنحى الحمائي بالنسبة للعدول الذين يشتغلون في مجال يكثر فيه احتمال الوقوع في الزلل و الأخطاء والأخطار المهنية .
لقد آن الأوان لإرجاع الأمور إلى نصابها ، وتمتيع العدول بكافة حقوقهم المسلوبة ، وإقرار المشرع لقوانين تحقق المساواة وتكافؤ الفرص بينهم وبين الموثقين وترسخ قواعد الدستور و مبادئ الحكامة في كل تجلياتها التي يسعى المغرب إلى تكريسها في واقع المغاربة والمحافظة عليها.

ذ/ محمد أبوالوافي عدل باستئنافية الرباط

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. مقال جميل ابرز اغلب مظاهر التمييز التشريعي التي تعاني منها خطة العدالة مع مهنة التوثيق رغم ان المهنتين تتقاطعان في مجموعة من الاختصاصات التي اهما توثيق التصرفات العقارية والاصول التجارية والشركات ،لذا وجب اعطائهما نفس الاليات التي تجعل منهما مرفقا عموميا يقدم خدمات ذات جودة عالية للمواطن المغربي ومن بينها الحق في فتح حسابات لدا صندوق الإيداع والتدبير لضمان حقوق الدولة واطراف العقود التي يحررها السادة العدول

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M