معارك تاجيت والمنكار.. في جنوب وهران (1903م)

14 يوليو 2023 22:59

هوية بريس – ذ.إدريس الكنبوري

*** ملخص:

تتناول المقالة الجهود المبذولة من قبل القوات الفرنسية، لإيقاف مقاومة سكان اتوات وكورارى وتافلالت وسافلة كير، للتوسع الإستعماري في تلك المنطقة المغربية الموجودة جنوب وهران وشرق المغرب، والتي تكبدت فيها القوات الغازية، خسائر جمة في الرجال والمعدات، واستقر رأيها على تخصيص ميزانية هامة للمتعاونين معها من السكان المحليين.

حتى تكون على بينة من تحرك الحركات، وجيوش المقاومة، مطالبة من الحكومة الفرنسية السماح للقوات الفرنسية، بمتابعة المهاجمين في الجهات التي يفرون إليها، واستعمارها، لمنعهم من معاودة تنظيم صفوفهم، ومهاجمة مراكزها، ومنشآتها العسكرية والمدنية، وخطوط المواصلات، وقوافل التموين، ودوريات الحراسة، ومفارز الإسناد.

*** كلمات دالة:

الطوارق، برابرة جنوب المغرب، اتوات، الزوزفانة، حاسي جابر، الساورة، تافلالت، حرْكات، عين الصفرة، تجيت، واد الناموس، برِّيبـي، بني ونيف، بشار، بوكنيد.

*** النص:

*** مواجهة الطوارق والرحل المغاربة القوات الفرنسية:

أخذت الأحداث في جنوب وهران، والصحراء، جدِّية لا يمكن إخفاؤها، إذ لم تعد لدينا صعوبات من جانب الطوارق فقط، وإنما اضطرنا برابرة جنوب المغرب، للتعامل معهم في اتوات، وليس فقط في الزوزفانة.

تعرضت النشرة (إفريقيا الفرنسية) في آخر أخبارها للهجوم الذي وقع على اتوات.

فقد ألقت حرْكة -مكونة من حوالي 300 ميهاريس (جمال) يوم 1903/7/16 على الساعة الثالثة صباحا- بنفسها على مفرزة من سرية اتوات تضم 50 رجلا بقيادة سيرجان، كانوا يحرسون مرعى (اعْدير) في حاسي رزيل، على بعد 16 كلم، نحو شمال آبار حاسي جابر، في الساورة، فقتلت من المفرزة 17 جنديا أهليا وعريفين فرنسيين، واستولت على 85 جملا، وغادرت المكان، مع جرحاها، تاركة 16 قتيلا..

في ليلة 16 و17 فور علم قائد السرية بالهجوم، توجه على رأس طابور خفيف، لمساعدة الكتيبة المنسحبة حيث وصل لجابر يوم 17 ظهرا، فزار ساحة المعركة، ومكث بها يومي 18 و19 دفن فيها الجثث التي كانت في ميدان المعركة، وأقام لها نصبا تذكاريا.

أثناء هذا الوقت، القبطان روني، رئيس ملحق سيدي بلعباس، الذي حذر في 13 يوليو من مسيرة تلك الحركة، توجه في نفس اليوم، نحو كرزاز، مع جزء من كومه، بعد مسيرة قطع فيها أكثر من 300كلم، في ظروف صعبة، وطقس شديد الحرارة، من غير استراحة، التقى بالحركة التي نفذت عملية 17/16 في 25 يوليوز بالنخيلة، على بعد 40 كلم جنوب تابلبالت، فقتل منها 30 رجلا، وجرح 60 واستعاد 30 حيوانا، كانت قد سلبت من شركة اتوات.

جريدة la depeche d,alger أبلغت الصحافة بما جرى في حاسي-ارزل، قالت:

سألقي الضوء على قيمة مقاومة المهاريس، المسجلين في الواحات الصحراوية، الذين واجهوا بشجاعة نادرة أعداء، يفوقونهم عشر مرات، قام الكومندار لابيروفي على الفور، بتفقد المراكز التابعة له، تلافيا لحدوث مفاجأت جدية بالصحراء.

التعليمات التي أعطاها، كانت تقضي؛ بأن تبقي فخدات المهاريس، باستمرار في تواصل مع بعضها البعض، حتى ينقضي موسم الحصاد في تافلالت، المحتلة من قبل البربر.

في شهر غشت ظهرت جهود حقيقية مبذولة ضد مراكزنا، من قبل قبائل الجنوب الغربي، والتي كانت مصممة بالتأكيد، على قتالنا، منذ الهجوم على تيميمون، من قبل البرابر سنة 1901.

لذلك قامت حركة، قدر عددها بحوالي 9000 شخص منهم 4000 مقاتل، مكونة من جميع القبائل وبعض القصور، مندفعة بحماس أيام 19,18,17,16 غشت لمهاجمة مركزنا بتيجيت، وتاريت، بالزوزفانة، ثلثيها تقريبا، اتخذ طريق بني ونيف، لإيكلي، وبعد بضعة أيام ألحقت خسائر فادحة بإحدى مفارزنا بالقرب من المنكار.

في نهاية يوليو وبداية غشت، واصلت الجيوش المغربية القتال، على شكل دوريات صغيرة، على عادة ما يجرى في هذا البلد، وقد حاولت قواتنا، ملاحقة المهاجمين لكن دون نتيجة.

قبل الخامس عشر بقليل، بدأت شائعات تتحدث عن ازدياد منسوب انتشار الأعداء، مما أثار قلق المسؤوليين العسكريين، فاتخذوا الإحتياطات اللازمة.

قافلة من 1500 جمل خاصة بأصحاب مشاريع، خرجوا لتموين بني عباس، واتوات، وصلت لرأس السكة الحديدية، وحملت بالبضائع، وأخذت تستعد للإنطلاق بمجرد ما تتوفر لها الحماية العسكرية المطلوبة والكافية.

في 17 غشت غادر فجأة سرب من القوات الإفريقية مؤطرا بأربعة ضباط، و7 من ضباط الصف، يضم 100 فارس، عين الصفرة نحو الجنوب، لتعزيز مركز-بن ريزق على طريق بشار، لكن ترددت شائعات عن اقتراب عدة حركات كبيرة للبرابر من مراكزنا، وعلمنا لاحقا، بأن تيجيت قد تعرضت لهجوم خطير، ولم يصل الخبر إلا بعد انصرام بضعة أيام عن وقوعه، لبعد المسافة بينها وبين بني ونيف المقدرة، بمسيرة أسبوع، وأن عددا من المراسلين، قتلوا في الطريق، من قبل الأعداء، ويبدوا أن مهاجمي تيجيت كان لديهم أمل في وضع يدهم على قافلة تموين المركز، المحتملة الوصول، والتي تأخرت عن ميعادها، فما كان منهم إلا أن قاموا بنهب مواقعنا ومطاردة المسيحيين بها في نفس الوقت.

لقد كانت تافيلات في قبضة المجاعة، هذا العام، مما رفع منسوب الجرأة عند القبائل، على مهاجمة مراكزنا وقوافلنا.

La depche algerienne نشرت رسالة كتبها يهودي من بني عباس لشقيقه المتواجد للتجارة في عين الصفرا، يحثه فيها على عدم العودة، مع القافلة التي كان من المقرر مهاجمتها في الززفانة، قال هذا المواطن: “لاترجعوا مع هذه الإبل، حتى ولو كانت مرفقة عسكريا، إبقوا في عين الصفرا لبضعة أيام أخرى، وسأخبرك باليوم الذي يجب أن تغادر فيه، فقد علم أن مجموعات بربرية، وبالخصوص جوار تيجيت يحتمل مهاجمة القافلة يوم 15 بالمنكار، أو الززفانة مع بزوغ الفجر كالعادة”.

تلك هي المعلومات المرسلة لمركز تيجيت.

كماجاء في l,echo d,oran لمراسلها في الجنوب: “قامت الحركة في 5 يوليو بعد التحام البرابر واولاد جرير، وأولاد بن نسُّور، ودوي امنيع المنشقين، والشعابنا المنشقين، وزاوية بوعمامة، ورجال قصور عين الشعير، والمغول، وفي كلمة واحدة كل أهالي غرب الجناح الجنوبي.

كانت مكاتب بيرو-اعراب، على علم تام بدخول وخروج الحركة التي اجتمعت مجموعات في قصور بوكنيد وعين الشعير، وغيرها، متركزة في 14 غشت، گببشار، تحت أوامر مولاي مصطفى، مكونة من بين 4000 و5000 من الأهالي الجدد المنشقين، المتوافدين يوميا لتقديم الدعم والمساندة لمن سبقهم.

بعدما توالي قتل ممثلينا في النواحي، وأخذ كل رجال بشار الذين اتهموا بموالاتهم الفرنسويين، وهدم قصرهم عن آخره، أخذوا طريقهم نحو تيجيت، في قوة تقدر بين 8000 و10000 رجل.

كانت الحركة قد استهدفت في البداية مركز بني ونيف ولكن بعد مجلس عقده الرؤساء، نزلوا في الأخير على رأي مولاي مصطفى، الذي لاحظ أنه بفضل السكة الحديدية، يمكن للفرنسيين تعزيز هذا المركز بسرعة لذلك توجهت الحركة في 16 غشت لتيجيت، وفي 17 منه هاجمت مركز برِّيبـي، وهو قصر لا يبعد عنها سوى 3كلم، وقد دافع عنه عناصر من دوي امنيع الذين كانوا قد حشدوا به، وسلحوا من قبلنا، فاستطاعوا صد المهاجمين، وكبدوهم خسائر فادحة، لكن هؤلاء الأخيرين تمكنوا من إعادة تنظيم صفوفهم، وتوجهوا لتيجيت، وبعدها بريبـي في وقت لاحق.

سارعت الحركة لمهاجمة تيجيت من مسافة 60 مترا عن السور المحيط بها، لكنها ردت على أعقابها بفضل نيران المشاة المتحصنين بداخلها، وطلقات مذفعين عيار 80 ملم، مما سبب لها فوضى مروعة في صفوفها بيد أن مقاتليها، اعتلوا الكثبان الرملية، وصاروا يطلقون النار على من بداخل المركز من المدافعين، فنجحوا في قتل وجرح عدد منهم، كما قتلوا الحيوانات الموجودة بساحة المركز، ثم تحولوا لمهاجمة، جهة برِّيبـي مجددا.

يوم 20,19,18 عاودوا مهاجمة تيجيت من جديد، فتم صدهم، ولما تراجعوا خلفوا وراءهم عددا من القتلى والجرحى، قدر ما بين 500 و600 رجل، ومن جانبنا قتل ضابط وعشرات من الجنود والأهالي، وكان عدد جند المركز حوالي 400 مدعومين بعددمن الأهالي المسلحين، مقابل 9000 مهاجم.

فصيلة من السرية المحمولة الأجنبية بالمورا، بقيادة ليوطنا بوانتوريي، وفرتين، مع 85 بندقية، سارت ليلا حوالي 65 كلم، عابرة مكان تواجد خطوط الأعداء لتقديم الدعم لحامية تيجيت، تاركة في المورا، حوالي 25 جنديا.

200 جمَّال من الحركة توجهوا نحو واد الناموس، في الأراضي الفرنسية، من أجل الإستيلاء على جمال الأهالي التابعين لنا.

خسائر المغاربة لن تقل عن ألف رجل، في حين أننا خسرنا عشرة قتلى فقط، بينهم ضابط.

المنفذ الأول أحدثه الرماة، والثاني تم من قبل الفوج الإفريقي من خلال قتال وجها لوجه في الحدائق…

لقد أطلقت 103 طلقة مدفع، قتلت حوالي 40 مغربيا على بعد 3كلم من المركز، وأطلقت 75000 طلقة بندقية، كان الدفاع فعالا ومنظما.

وفيما يلي الأمر الموجه للشعبة، التي قامت بهذا العمل العسكري الجيد.

*** برقية الحاكم العام

“سأكون ممتنا، لو تفضلتم، بتوجيه تهنئتي الحارة، للقبطان سوسبييلو، وكل الضباط، وضباط الصف، والجنود المنضوين تحت إمرته، على سلوكهم القويم.

عندما تعرضت قواة مركز تيجيت بين 17 و20 غشت بقيادة القبطان سوسبييلو، لهجوم من قبل وحدة مسلحة بشكل جيد، قوامها أكثر من 4000 بربري قدموا من تافلالت، وتلاقوا مع عدد من منشقي ناحية كير.

طيلة أربعة أيام قامت قواتنا بمدافعتهم، وصدهم عن الوصول لأهدافهم، رغم تفوقه العددي بعشر مرات، ولم يخسروا سوى عشرة قتلى و21 جريحا، بينما كبدوا العدو خسائر فادحة، أثناء إجبارهم على التراجع.

الجنرال كمندار فيلق وهران، حمل لأعضاء التحريدة، تهنئة الفيلق بكامله، على العمل الذي قامت به، والذي يبدو أنه يستحق أخد مكانه، بجانب انتصار غزو الجزاير.

حرر بمقر القيادة العامة في وهران، فاتح شتنبر 1903

الجنرال أوكورنو”.

ما يمكن، مقارنته بشكل أكثر دقة هو ما فعلته الأسلحة في سيدي ابراهيم، في المعركة الثانية، حيث تابعت قواتنا الحرْكة الفارة، من تيجيت، بمجرد ورود اعتداءات على هذا المركز، حيث غادر كولون اجنان الدار، نحو الززفانة، تحت قيادة ليوطنا-كلونيل كوساك، من اللفيف الأجنبي كومندار اجنان، وقد تكون الكولون من حوالي 550 جنديا، ومدفعين عيار 80 ملم خاص بالجبال.

يوم 27 غشت صباحا، انطلق كلون ثان لخفر القافلة الحرة، التي تتهيؤ لمهاجمة تاجيت، وقد خرج هذا الكولون الثاني من عين الصفرة، مارا بفوندي، وقصر الزوج، والمير، والمورا، قرب حاسي الزعفراني، بجانب المنكار، إلى الشرق قليلا من الزوزفانة، حيث تفضل القوافل المرور من هناك، بسبب الوفرة النسبية للمياه إنه المكان الذي وقعت فيه معركة 2 شتنبر، حيث تعرضت مفرزة قوامها 120 رجلا لهجوم مباغت على الساعة الثامنة والنصف صباحا، من قبل حركة قوية، في الوقت الذي كانت المفرزة تتناول طعام فطورها.

فتم قتل الضباط وضباط الصف تباعا، في الساعة الرابعة بعد الزوال، ظهر القبطان سيسياي من تيجيت مع فرسانه، جاؤوا لتعزيز المفرزة المهاجمة، فتفاجأت الحركة المعادية به، فلجأت للفرار، وقد خسرت المفرزة 37 قتيلا و17 جريحا من أصل 120 مقاتلا، تم دفن القتلى في ميدان المعركة ونقل الجرحى لتيجيت.

في 6 شتنبر عندما كان بعض أهالي الصفيصيفا متواجدون في عين الصفرا، حيث يوجد بيرو-عراب (مكتب شؤون الأهالي العرب) لقبض تعويضات عن جمالهم التي قتلت مؤخرا في القافلة، تكونت حركة من بني كيل تضم 500 فارس و250 راجل ودخلت في منتصف النهار للصفيصيفة، فاختطفت النساء والأطفال، و5000 رأسا من الغنم، فخرجت دورية المخزن من العين الصفرة، البعيدة عن الصفيصيفة بـ30 كلم لملاحقهم.

الحقائق المثبتة هي أن الضغط على ازناكة، لم يكن له أثر مفيد بين الرحل في جنوب المغرب، حتى يوقفوا قتالهم لنا، ويسمح بتكوين البوليس في ناحية الززفانة والساورة، لذلك فمن السابق لأوانه، إبعاد هذه العمليات القتالية التي يقومون بها، ضد القوافل، مثلما يقوم به البرابر ضد خطوط اتصالنا، خاصة وأنه ليس من اختصاصنا، تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها معهم.

كان هناك حديث عن كولون سيتجه غربا، لقرى تافلالت لمتابعة العمليات المكلفة بضمان عدم عودة العثور على حركة تهاجم تيجيت والمنكار، لذلك صار من الضروري إرسال كولون قوي، لإلحاق عقاب شديد بالمعتدين، لكن هل سينتظرون هجومنا؟

إنه أمر مشكوك فيه، لأن تكتيكهم، هو مباغتة القوافل المعزولة.

ومن ناحية أخرى هل يكفي الإستطلاع الخفيف ضد الحركات الكبيرة؟

نحن لم نعد نتعامل هنا مع الطوارق المسلحين بالحراب والسيوف، ولكن مع أعداء مسلحين بالبنادق ويعرفون كيفية استخدامها.

أيضا، يمكن للمراكز المنتشرة، أن تساعد في قمع أية حركة، كما وقع في مركز تيجيت، لكن دون أن يكون الهدف منعها، المسألة معقدة، كل ما يمكننا فعله في انتظار التعليمات المفصلة، حول وضعية البرابر، هو أن يقاتل مستعمرونا مجتمعين، ويكونوا مستعدين لذلك، وتكون مراكزنا محصنة، خاصة باللفيف الذين أبلوا بلاء حسنا، في 2 شتنبر حيث استحقوا التسجيل في لائحة الشرف، دفاعا عن العلم الفرنسي.

كما يجب تنظيم مصلحة الإستعلامات، دون تأخير أو تقتير في الإنفاق، في المنطقة الواقعة غرب الززفانة.

مراكزنا لن تعمل دون مخصصات مجزية لرجال من تافلالت، فمن خلالهم ستعلمون أعداد وأوقات ومغادرة الحركات، التي يعتمد نجاحها، على سرعة التنقل، والمعرفة الجيدة بطبيعة الأرض، والتفوق في نصب الكمائن.

هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي من الحكمة استخلاصه اليوم، دعونا ننظم بطريقة عقلانية خط الإمدادات، من عين الصفرة إلى اتوات، وجعل قبائل الغرب، تدرك أنه يمكننا توسيع حقنا، في ملاحقتهم انطلاقا من الززفانة.

——————

Bulletin du comite de l,afrique francaise 1903

ص:279-276.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M