مغالطات بالجملة.. إسلاميون وديمقراطيون؟!

08 أغسطس 2016 17:27
عن واقع نقل صلاة الجمعة تساؤلات واستفهامات؟؟؟

هوية بريس – د. محمد وراضي

أغرب ما يستغرب منه، انتماء بعض المتنورين والمتنورات في العالم العربي إلى منظمات حقوقية، لكن الطرفين كليهما حين تناولهما لموضوعات حساسة، تتصل مباشرة بحقوق الإنسان، يبديان حقدهما علانية ضد مخالفيهما في الرأي والاتجاه الأيديولوجي؟؟؟

فقد شاهدت الحوار الذي أجرته صحفية محترمة في القناة الفضائية  BBC Arabic مع ثلاث سيدات،  هن من تونس والأردن والمغرب. فسجلت كيف أن التونسية والأردنية أميل إلى الموضوعية بكل ثبات وبكل رزانة. في حين أن المغربية: خديجة الرياضي، تتحين فرصة مجيء دورها في التدخل لتكرر نفس الأسطوانة التي يبدو أنها عندها قمة في التشنيع بالإسلاميين الذين تضعهم مقابل الديمقراطيين! في سياق من استعراض عضلات التباهي بالانتماء إلى جماعة يصدق عليها وعلى نظيراتها المثل السائر “كل الصيد في جوف الفرا”؟

وإن كان تكرارها للتمييز بين “إسلامي” و”ديمقراطي”، يخفي ما يخفيه من تحامل على مواطنين، هم بدورهم يملكون حق الاختيار وحق القبول والرفض. وحتى نوقظ السيدة التي تهرف بما تعرفه وبما لا تعرفه، وهي التي تخطئ مرة ولا تصيب مرة! حتى نوقظها من سباتها العميق في الجهل بواقع الدين وبواقع العقول والتجارب عبر السنين، نفهمها كيف أن الإسلاميين في السياق التاريخي للحضارة الزاهية التي سادت العالم، في الوقت الذي غرق فيه الغرب الأوربي تحديدا في الظلام الدامس، هم الذين أسسوا هذه الحضارة التي لولاها ما خرج العالم القديم من الظلمات إلى النور!!!

فلتبحث المفتخرة بالانضمام إلى صفوف الحقوقيين بالمغرب وخارجه عن كتاب أبي الحسن الأشعري تحت عنوان “مقالات الإسلاميين”. فسوف يتضح لها ولمن في صفها أن “الإسلاميين” ككلمة، لا تؤدي نفس المدلول القدحي الشائع الذي تؤديه في الوقت الراهن. فإسلامي نسبة إلى الإسلام، بصرف النظر عن آرائه أو عن أفكاره في قضايا، أو في مواضيع سياسية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية ودينية، من فقه وكلام وحديث وفلسفة، وكافة العلوم التي تزخر بها الخزانات والمكتبات الخاصة والعامة حتى الآن.

فأجداد الحقوقية المتحاملة على خصوم العلمانيين يشرفهم أن يوصفوا بكونهم إسلاميين! ولم لا؟ فقد كان لهم باع طويل مؤثر فاعل في مجال العلم والمعرفة! مما يعني أنهم على قواعد من منطلقات ومن قناعات ثابتة يؤسسون صرح مداركهم التي سارت بذكرها الركبان! بحيث تكون نسبتهم إلى الإسلام مفخرة لا مذلة؟ فوراءهم ووراء آبائهم وأجدادهم ذخائر من المنجزات الثقافية والحضارية التي لا يجهل قيمتها إلا من يحملون على أكتافهم عبء السمسرة لتسويق ما يعرف بالمبادئ الكونية! هذه التي لم يكن وراء الترويج لها غير متشبعين بالفكر الظلامي السياسي والسلطوي والحزبي! وهاكم أدلة شافية يا من عن خديجة الرياضي تدودون:

إنها تميز بين إسلاميين وديمقراطيين، وتفخر بأنها إلى الفريق الثاني تنتمي؟ فعلاوة على ما أوضحناه، نستشف من كلامها أنها تتحامل من حيث تدري ومن حيث لا تدري على أجدادها من جهة! وتتنكر لأصولها من جهة ثانية! وتدير ظهرها للواقع المحسوس من جهة ثالثة! ولا نعرف بالتحديد ما الذي سوف تجيب به على تساؤلات منطقية يدرك الصبيان الإجابة الحاسمة عنها، من خلال ما يتلقونه في السنوات الأخيرة من دروس عن حقوق الإنسان؟

هل الإسلاميون بالمفهوم الذي اختارته الرياضي بشر قبل أن يكونوا مواطنين بتونس والأردن والمغرب؟ هل هم في مغربنا مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات؟ وهل هم أحرار في الإدلاء بآرائهم بخصوص كافة القضايا الوطنية والدولية؟ والمطالبة بالحرية والمساواة والعدل، أو لم يرفعوا أصواتهم لاستنكار أضدادها التي هي القمع والظلم والتهميش؟ وهل يتعلق الأمر بمجرد التصنيف المفتعل حتى يتم التمييز في بلداننا العربية بين الطيبين والخبيثين، أو بين الطيبات والخبيثات؟ فهل تعتبر الرياضي من الطيبات، وتعتبر فلانة من الخبيثات لأنها إسلامية الوجهة والقناعات؟

إذا كانت حقوقيتنا البارعة في تصوير ما يجري بالمغرب على المستوى الرسمي والشعبي -وقد أصابت فعلا كبد الحقيقة في أكثر من مرة- فلتخبرنا خبر اليقين بهوية من تسلموا زمام السلطة من يد الاستعمار فور اندحاره على يد وطنيين من حملة الأقلام والأسلحة النارية؟ هل كان المقاومون الذين استرخصوا دماءهم لأجل التخلص من الغزاة الغربيين الهمجيين مسلمين أم ديمقراطيين؟ وما قاوموا من أجله، أو لا يشير إلى طموحات يختزلها الحصول على الحرية والاستقلال؟

أو لا تدل المعارضة العلمانية والإسلامية في كل دولنا العربية من المحيط إلى الخليج، على أن شعوبنا بمختلف انتماء جماعاتها الحزبية والسياسية والسلطوية بعد استقلالها، لم تتمكن من تحقيق ما ناضلت من أجله، وقادتها من حكام متجبرين، فرضتهم “الأقلية الخادعة” بعيدا عن انتخابات حرة سالمة من الغش والتزوير والديماغوجية المقيتة؟

نقول للسيدة خديجة الرياضي: كان عليك أن تميزي صراحة بين الإسلاميين والعلمانيين، لا بين الإسلاميين والديمقراطيين؟؟؟ فكأن الإسلاميين لا شأن لهم بالديمقراطية التي تحمل معنيين: معنى مذموم منحذر إلينا تاريخيا من الإغريق القدامى، هؤلاء الذين لم يكونوا يعرفون أي دين سماوي (عقلاني) على ما هو شائع؟ فكان أن قرر حكماؤهم الاحتكام إلى قوانين وراء وضعها مختارون من الشعب. ومعنى ممدوح، مفهومه حرية جميع المواطنين التي لا تحد إلا متى تجاوزتهم إلى تقييد حرية أفراد منهم أو جماعات؟ أما أن يقيد الحكام العلمانيون الحريات، منذ استقلال بلداننا حتى الآن، فعملية يرفضها الإسلاميون، تماما كما يرفضها العلمانيون؟ وفي نفس السياق، لا يعد من الديمقراطية في شيء، فرض العلمانية على الشعوب من جهة، كما لا يعد منها رفض تأسيس أحزاب على أساس ديني؟ إذ هاتان العمليتان كلتاهما اعتداء سافر على حقوق الإنسان أيتها السيدة التي تصنف الشعوب العربية إلى إسلاميين وإلى ديمقراطيين؟ والحال أن الديمقراطية بمفهومها الممدوح تفتح الباب أمام الشعوب كي تختار ما تريد ومن تريد؟

وهل الحكام العلامانيون منذ استقلال بلداننا إلى حد كتابة هذه السطور، فتحوا الباب أمام المتطلعين إلى تحقيق أهدافهم في المساواة والأخوة والعدل والحرية والديمقراطية؟ سؤال لا توجد بين أيدينا وبين أيدي الحقوقيين سوى إجابة واحدة عليه بالنفي؟

فإن قصدت السيد خديجة الرياضي بالديمقراطيين، كل مخالف للإسلاميين، فهل حكامنا من ملوك ورؤساء وأمراء، ومن يلتف حولهم من عناصر “الأقلية الخادعة” ديمقراطيون أمناء مخلصون لمبادئ حقوق الإنسان، وفي مقدمتها حقوق المواطنين الخاضعين مباشرة للسلطة التي يتولون إدارتها باسم الشعب كما يدعون؟

فما الذي تخبرنا به صاحبتنا إن نحن ذكرناها بمصير الانتخابات المحلية التي عرفتها الجزائر في بحر عام 1990م والتي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية ساحقة؟ أو ذكرناها بالانتخابات التي حصد فيها الحمسويون بفلسطين المحتلة عام 2006م أغلبية المقاعد البرلمانية؟ أو لم يتحالف الغرب المتبجح بالديمقراطية مع الصهاينة ، ومع فراعنة مصر الجدد، ومع الرجعيين في المنطقة لإجهاض الديمقراطية الوليدة لمجرد أن حماس الإسلامية هي التي كانت في طليعتها؟ أو لم تنتج عن محاولة إجهاضها أكثر من حملات همجية صهيونية بدعم من الغرب على الشعب الفلسطيني في غزة على وجه التحديد؟ ثم ماذا أيتها السيدة عن الثورة الشعبية المصرية التي تمخضت بعد قيامها عن انتخابات حرة ونزيهة، أوصلت محمد مرسي إلى سدة الرئاسة لأول مرة في تاريخ مصر الحديثة؟ أو لم يجد السيسي الخائن للثورة المباركة حوله حلفاء، لإجهاض تلك الثورة التاريخية إلى جانبه؟ أو لم يجد الأمريكيين والصهاينة والرجعيين الحاكمين من العرب الذين ترتعش فرائصهم من فرط خوفهم على نفس المصير الذي عرفه ابن علي والقذافي وقبلهم صدام حسين؟ وماذا يجري الآن في العراق وفي اليمن وفي ليبيا وفي مصر؟ هل كانت هذه البلدان كلها خاضعة لحكام معدودين من الإسلاميين؟ أو كانت خاضعة لحكام معدودين من العلمانيين الظلاميين الذين هم بأفاعيلهم الوحشية أشبه ما يكونون بالفراعنة وبهتلير ونيرون وستالين وموسلوني؟

أو لم يكونوا جميعهم جبابرة قساة يقتلون على الظنة؟ والقذافي أو لم يكن مثل صدام وفرعون مصر الذي كان سيقدم على توريث السلطة رغما عن أنف الشعب الذي يرفض التوريث؟

قد قلت فعلا كلاما صائبا عن حزب العدالة والتنمية بالمغرب، وأنا معك فيما ذهبت إليه بدون ما اعتراض يذكر. بل إنني أزيدك بأن هذا الحزب في نشأته تكرار طبق الأصل لنشأة حزب الحركة الشعبية على يد الراحل عبد الكريم الخطيب والمحجوبي أحرضان. فحزب بنكيران يا سيدتي لا يمثل الإسلاميين في الجملة، وإنما يمثل نفسه. وعليه أرجوك أن تتحدثي مستقبلا عن الإسلاميين والعلمانيين، لا عن الإسلاميين والديمقراطيين، مع ضرورة التمييز بين الإسلاميين أنفسهم على الساحة العربية، لا على مجرد الساحة المغربية؟؟؟؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M