مُشتقّات الموت -كوفيد 19 –

03 أغسطس 2021 09:35

هوية بريس – يوسف إبوركي

عندما تحسّ بأن العالم يتآمر عليك، وتظنّ أن نسبة ذكائك أكبر من نسبة ذكاء أطباء العالم أجمع، تُسيطر عليك نظرية المؤامرة الماكرة، وتظل ترتقبُ كل حدث لتثبت أنه كذب وبهتان، وأنت في الحقيقة لا تثبت إلا جهلك بالعلم وكُفرك بالإنسانية.

كنت ذلك الإنسان الذي يبتسمُ كلما ظهرت نتائج الإحصائيات الخاصة بكوفيد 19، أسخرُ من مرضٍ لا هيأة له ولا كيان، أظن أنني الأذكى بين وسطي أو الأصلبُ في مواجهة الكوارث الخيالية.

حتى بدأتُ أشعر ببعض العَياء الذي لم أحسّ به من قبل، ضعفٌ في العظام وبعض العجز في المفاصل بالتحديد، كحَّة تجعلك تَخَالُ أنها الأخيرة لك في هذا العالم، وضِيق في التنفس كأن شخص يقوم بخنقك بكل عنف، كل ليلة كانت تمر علي كنت أظن أنها نهاية لروحي.. وفقدانٌ لجسد لطالما ظن أنه الأبرع في مواجهة وتحليل عقبات الحياة.

قررتُ حينها أن أزور الطبيب.. وثقتي في عدم وجود هذا الفيروس أصبحت ضئيلة، وكلام السيد الطبيب واضح: قُمْ باختبار تحليل فيروس كورونا يا رجل، إنها أعراضه فعلا.

توجهتُ إلى مركز التحليل الأقرب، وجسمي منهك لا يقوى حتى على مناقشة الأمر مع أحد، قمتُ بالاختبار صباحا، لأتلقى الخبر في المساء.

– نعم أنت مصاب بفيروس كورونا، خذ لائحة الأدوية وتوجه إلى منزلك لأداء مناسك الحجر الصحي.

خبر أدخلني في حالة من الشك والريبة، لا ملجأ لي إلا سريري الدافئ وحمدا لله أن أسرتي كانت في رحلة سفر طاهرة أنقذتها من فداحة ما يقع. أصبح مسائي عبارة عن عذاب يصعب وصفه، ومراحل من الاختناق و الألم تُقارب الموت وتجسد ذنوبه وحسناته. في كل ليلة كنتُ أدخل في حالة من المرض الشديد، حُمّى تصيب الجسد وتحرمه طاقة التفكير والتركيز، وضعف رهيب في الشم والتذوق، كأنك تعيش في عالمك الجحيمي لوحدك، وأن نهاية مسلسل الحياة قادمة تنتظر فقط اللحظة المناسبة.

علمتُ حينها أنني لستُ خريج كليات الطب لكي أقدم فتوى في مرض جديد، وفيروس دمر العالم قبل أن يشرع في تدميري، وأن الوضع يحتاج إلى بعض المسؤولية أكثر، لأننا لا نعلم ما يخبئه لنا المستقبل من عقبات ومَطبَّات.

يجب أن نعلم أن لكل مواطن دور مهم في مجتمعه، حتى ذلك الطفل الصغير الذي يلهو في الشاعر له دوره، ويزداد هذا الدور بشاعة بعدم تقلدِ مهام المسؤولية و التجرد من الإنسانية التي تتولد بالشعور بالأخر.

اليوم أتسلم تحليلة الكوفيد 19 بطابع سلبي النتيجة وإيجابي الشعور، وكأنها مرحلة من صناعة الذات والرجوع للأصل، إنها عودة من أحد مشتقات الموت.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M