“هل فعلا الدين يشكل عرقلة في طريق التقدم؟”

11 أكتوبر 2020 13:14

هوية بريس – زكرياء امزيان

الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، عليه نتوكل وبه نستعين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمدٍ النّبيِّ الأمين، المبعوثِ رحمة للعالمين، صلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميَامين، وعلى من تبع هُداهم إلى يوم الدين.

أما بعد

لقد سلك أعداء الأمة الإسلامية طُرقاً متعددة وأساليبَ كثيرة للنَّيل من الإسلام وقهر المسلمين، وذلك إما بطرُقٍ مباشرةٍ أو بطرق غير مباشرة، ومن الأساليب الدنيئة التي دأبَ عليها أعداء الدين الإسلامي“مسخ الألفاظ الشرعية” واستبدالُها بألفاظ أخرى، وفي كثير من الأحيان تُستعار وضعها الفلاسفة الذين في نقد الأديان بصفة عامة، والمسيحية بصفة خاصة، ومن تلكم المقولات؛ مقولة:

“الدِّين يشكل عرقةً في طريقِ التقدم العلميِّ”

هذه المقولة كثيراً ما نسمعها تُروَّج في الأوساط (المثقفة)، خاصة عند مَن لَم يعرف من الدِّين الإسلاميِّ إلا اسمه، أو عند مَن انبهرَ بما أنتجه المستشرقون الغربيون من شُبهاتٍ وأكاذيبَ حول الأديان بصفة عامة؛ والدِّين الإسلامي بصفة خاصة. فما مدى صحة هذه المقولة، وهل فعلاً الدين الإسلامي يُعتبر مُعوِّقاً في طريق البحث العلمي؟ أم أنها مقولة يغطي بها المنهزمون فشَلَهم في مجالي الدين والدنيا هرباً من المسؤولية الملقاة على عالتقهم؟.

الدينُ الإسلاميُّ ما كان ولن يكون يوماً معِيقاً للبحث العلمي، كيف وقد أمر بالقراءة في أول آية نزلت من السماء إلى الأرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي قوله تعالى:{إقرأ بسم ربك الذي خلق} لم يبدأ الخطاب الإسلامي بالمسائل التعبدية، ولا بالمسائل العقائدية، ولا بالأحكام الفقهية… رغم تبوُّئِها المرتبة العليا في التشريع الإسلامي، وإنما بدأ بأمر القراءة، لأنها هي السبيل الأقوم لإدراك كل عظيم، وعلى رأسها عظمة الباري تعالى، فمُذْ أمر الله بالقراءة في أول آية نزلت من السماء إلى الأرض، بدأ الإنسان في المسارعة إلى القراءة والإبتكار، فقبل الأمر بالقراءة والتشجيع عليها وتهيئة سُبُلها وأسبابها، كانت البشرية تعيش في جاهلية جهْلاء، لا تعرف للبحث العلمي طريقاً، ولا لمناهجه سبيلا.

لكن مع الأمر بالقراءة انبعث العقل الإنساني من سُباته واستيقظ من نَومه ليشُقَّ طريقا نحو البحث العلمي والإبتكار الذي لم يَسبق للبشرية أن عاشت مثله من قبل.

ولعلَّ الذي يؤمن بمقولة: (الدِّين عائق في طريقِ التقدم العلميِّ) ويتناقلها، ويدافع عليها، لا يعرف من الدِّين إلا اسمه، ولا من البحث العلميِّ إلا رسمه، لذلك يُخيَّل إليهأن الدين عدو للبحث العلمي.

إن المعوِّق الوحيد للإرتقاء والتقدُّم -سواء في مجال البحث العلمي أو في غيره من المجالات- في البلدان الإسلامية، هو الإستعمار الماديُّ، والغزو الفكري الذي استولى على عقول مثقَّفِينا وشبابنا، ومِن جُملة ما عمل عليه هذا الإستعمار زمناً طويلاً، إنتاجُ عقولٍ تعادي الدِّينَ الإسلاميّ كما يُعادي الحداثيُّونَ المسيحيةَ التي احتكر رجالها العلمَ زمناً طويلا، وحاكموا كلَّ مَن سَوّلت له نفسُه اقتحامَ مجال البحث العلمي، أو انتِقادَ سياسة رجال الكنيسة، وقد نجحوا في ذلك نجاحا باهراً، فقد رأينا مَن كان بالأمس مُدافعاً عن بيضة الإسلام معادياً لما كان عنده من المسلَّمَات، وذلك بفعل احتكاكه بما أنتجه الفكر الإستشراقيُّ حول الإسلام، وما ألصقه من مغالطاتٍ وأكاذيبَ في نصوصه، ولولا الثَّورة العلمية التي أحدثها الإسلام بفعل “إقرأ” لمَا رأيتَ اليوم هذه الدول المتقدمة علمياً.

هناك فرق كبير كما بين السماء والأرض، بين المسحية التي ابتكرها الرُّهبان والقساوسةُ بتحريفاتهم وتأويلاتهم الفاسدة لتخدم مآربهم، وتحافظ على مصالحهم… وبين الإسلام الذي يُحارب كل أنواع الإحتكار العلميِّ والتقديس الذي كان يدعوا إليه رجال الكنيسة. قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: الآية 159] فالدين الإسلامي لا يُفرق في خطابه بين رجال الدين ورجال الدنيا، ولا بين العالَم المقدَّس والعالَم المدنَّس.. فهذه التسميات لا تَمتّ إلى الإسلام بصلة، وإنما هي أسامي إستعارها الكارهُون للأديان من المسيحية ليطبِّقُوها على الدين الخاتم الذي يحمل خطابه كل أنواع الأسباب للإرتقاء بالإنسانية نحو الأفضل.

إنناندعو كلَّ مَن يَعتنق هذه العقيدة –عقيدة الدين عرقلة…- ندعوه للبحث والتنقيب في حقائق التاريخ التي حاول الإستعمار بكل أنواعه طمسَها، عندئذ يمكن له أن يحكم بما حكمبه على الدين مِن أنه عرقلة في طريق البحث العلمي.

إنني أجزم أن مُعتنقي هذه العقيدة لم يقرأوا القرآن ولم يعرفوا مضمونه، ولو قرأوه لمَا غفلوا عن الآيات التي تدعوا للبحث والتنقيب، والتفكُّر، وإعمال النظر… مثل قوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} [سورة محمد: الآية 19]

وقوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} [سورة الغاشية: الآية 17] وغيرها من الآيات التي تدعوا إلى التأمل والتفكر في ملكوت السماوات والأرض، ففي الآية الأولى دعوة صريحة إلى العلم (فاعلم)، وفي الآية الثانية دعوة لإعمال النظر في مخلوقات الله تعالى، وبين البحث العلمي وإعمال النظر علاقة كبيرة تُضاهي علاقة الروح بالجسد، فلا يُمكن الوصول إلى الحقائق العلمية إلا بعد النظر والتأمُّل، وما البحث العلمي إلا تجُارب ونظريات تصْدُق مرة وتفسُد أخرى.

إن مُتبنِّي هذه العقيدة –عقيدة الدين عرقلة…- يُحمِّلون العلماءَ المسلمين مسؤولية كبيرة في تكريس التخلُّف العلمي الذي تتخبَّط فيه الأمة الإسلامية، وذلك بفعل تفسيراتٍ وتأويلات تتعارض والتقدُّم العلمي، إذْ حسب تعبيرهم توجد كثير من الأقوال تعادي الفلسفات البحثية والنظريات التطبيقية، فإذا كانت المشكلة هي هذه فيجب عليهم أن يجتهدوا كما اجتهد أولئك العلماءلإنتاجتفسيرات وتأويلات تنسجم مع الواقع البحثيّ، أمَا وأن يبقى هؤلاءيُحمِّلون مسؤولية التخلُّف في البحث العلمي للأولين ليُغطُّوا بها على تكاسُلهموإخفاقاتهم وغبائهم،وجهلِهم المركَّب بأمور الدين الإسلامي، فهو أمر غير مقبول ولا نفع يرجى منه، بل يزيد في تخلفنا، ويكرِّس تبَعيتنا لأمم الشرق والغرب، ويعمِّق جهلنا بمقاصد الدين الإسلامي الحنيف.

لهذا ما علينا إلا أن نحاول ما باستطاعتنا أن ننفع الأمة بشيء ولو كان قليلا، خير من أن نلومَ العلماء على تفسيراتهم وتأويلاتهم التي كانوا يروْنها عينَ الصواب في الوقت الذي عاشوا فيه بكامل أحداثه المادية، وصراعاته الفكرية.

إن ازدهار الأمم والشعوب بالبحث العلميِّ لا يمكن أو يكون إلا إذا تظافرت جهودُ الشعوب والحكومات في ميدان البحث العلميوالتقدم التيكنولوجي، وذلك بسَنِّ القوانين التيلا تتعارض مع النص الصحيح واحترامها، “فالنصُّ الصحيح لا يتعارض مع العقل الصريح” ولكن واقعنا نحن لا يتوافق مع هذا الطرح، إذ أن الحكوماتِ في وادٍ والشعوب في واد آخر، بل تجد داخل شعبٍ واحد حروبا كلامية طاحنة مَنشأُها الإستعمار الغربيُّ الذي عمل كل ما في استطاعته ليفرق بين الأعراق داخل شعب واحد… إذاً والحال هذه كيف ستتقدم الشعوب في مجال البحث العلمي؟وهل فعلا الدين هو المُعرْقل لمسيرة التقدم العلمي، أم أننا نحن السبب في ذلك؟.

إذا كان التقدُّم العلمي رهين بالوحدة -التي تنعدم في كثير من بقاع العالم الإسلامي بفعل الغزو الأجنبي كما تقدم- فإن الخطاب الإسلامي، نجدهيذُمُّ التعصب لهذهالعرقيات، وينبذ كل خطاب قائم على هذا الأساس، قال تعالى: {وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا}[آل عمران: الآية 103] فلو كان الدين الإسلامي يُشكل حاجزا بين الإنسان وتقدمِه في مجال البحث العلمي لمَا دعاه إلى الإعتصام به.

إن الباحث المعتصم بالله لا ينتج في بحثه العلمي إلا ما فيه مصلحة للبشرية، إذ أنه يُوازي في بحثه بين المنفعة الإنسانية والطاعة الإلهية، وعليه فكل مَن أنتج مِن الباحثين ما يضُرُّ بالبشرية-وما أكثر الإكتشافات العلمية التي تضرُّ بالبشرية اليوم- بل وتعرضها للتجفيف والهلاك، أقول: كل مَن أنتج شيئا من هذا القبيل لا يتحكم فيه الوازع الديني، إذ الوازع الديني يشكل ميزانا بين ما يضر البشرية وما ينفعها، وغيابه يُفرز لنا باحثين لا يرقبون في البشرية إلاًّ ولا ذِمَّة، بل همهم الأكبر هو المال، ولا شيء غير المال.

خلاصة القول: أن الدين الإسلامي لا يتحمل مسؤولية خَفقان الشعوب ولا فشلهم في البحث العلمي، ولا تخلفهم بين الأمم، إنما المسؤولية تقع على عاتقهم،كوْنهم لم يعملوا بتنبيهاته وتوجيهاته كما أراد.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. أفعال الخوارج وتجار الدين الذين افسدوا الدين والدنيا مع المنحلين من العلمانيين والحدلثيين أم الاسلام فهودين صالح ومصلح للبشرية جمعاء لأنه نزل من عليم خبير

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M