هل يصبح شي زينبينغ أقوى زعيم صيني بعد ماو تسيتونغ؟

23 أكتوبر 2022 19:57

هوية بريس –  سعيد الغماز

ينعقد المؤتمر 20 للحزب الشيوعي الصيني بحضور 2300 منتدب يمثلون حوالي 96 مليون عضو بالحزب، تجمعوا في قاعة الشعب الكبرى في بكين لمناقشة سياسات الصين الحالية بأفق مستقبلي. استهل المؤتمر أشغاله بكلمة أمينه العام شي زينبينغ، وهو في ذات الوقت رئيس الجمهورية الشعبية الصينية والرجل القوي في الصين. على هذا الأساس يمكن اعتبار هذه الكلمة التي دامت حوالي الساعتين، الأساس الذي يمكن من خلاله قراءة التوجهات الكبرى لصين الغد. كما أنها كلمة تحدد مواقف الصين من مختلف القضايا وتحمل ردا غير مباشر على الانتقادات التي توحهها الدول الكبرى للتنين الصيني.

كلمة الزعيم الصيني يمكن قرائتها من خلال أربعة محاور، يمكننا من خلالها استشراق التوجهات الكبرى للصين في المستقبل وهي: الوضع الداخلي للصين، وضعية الحزب الحاكم، التنمية وأخيرا موقع الصين في خريطة العالم.

-1- الوضع الداخلي: أثار الزعيم الصيني في كلمته، مجهوداته لمحاربة الفساد وأشاد بنتائجها. واعتبر أن حملته لمحاربة الفساد قضت على “مخاطر كامنة جدية” ضمن الحزب الشيوعي والجيش والدولة. وقال إن “مكافحة الفساد حققت انتصارا ساحقا وتم تعزيزها بصورة شاملة” والتي سُجن على إثرها الآلاف. في هذه النقطة يمكن اعتبار سياسة الرئيس الصيني هي امتداد للزعيم دينغ كزاوبينغ باني الصين الحديثة. فهذا الزعيم كان أول رئيس صيني استطاع أن يتخلى على أسلوب ماو تسي تونغ القاضي بإسناد مسؤوليات الدولة السياسية والاقتصادية بناء على درجة الولاء للحزب. هذا الأسلوب شرَّع للمحسوبسة والزبونية وبالتالي الإفلات من المحاسبة والعقاب. كزاو بينغ أسس لمرحلة جديدة في تاريخ الصين بإسناد المسؤوليات حسب الكفاءة والنجاعة، والاستمرار فيها رهين بتحقيق الأهداف المسطرة وإلا تم الإعفاء بعد المحاسبة. مشروع كزاو بينغ الإصلاحي يعتبره الكثير من المتتيعين للشأن الصيني وراء نهضة الصين الحديثة. والزعيم الحالي شي زينبينغ يبدو أنه مصر على السير في خطى سلفه كزاوبينغ، وإن كانت خطته لمحاربة الفساد لا تخلو من بعض التجاوزات في إبعاد بعض المعارضين.

بخصوص محاربة كوفيد19، أشاد الزعيم الصيني بخطته “صفر كوفيد” وقال بهذا الخصوص إن هذه الخطة وفَّرت “أعلى درجات الحماية لسلامة وصحة الناس”، رغم أنها تعرضت لانتقادات لأنها سددت ضربة قاسية للاقتصاد وأثَّرت بشكل سيء على المعيش اليومي للصينيين.

أما بخصوص هونغ كونغ، فقد أشاد الزعيم الصيني بما أنجزه في هذا الملف حيث قال أن هونغ كونغ انتقلت “من الفوضى إلى الحكم” حسب تعبيره.

-2- وضعية الحزب الحاكم: تحدث الزعيم الصيني بكل وضوح عن مخاطر خفية خطيرة تحدق بالحزب والبلد والجيش وضرورة التخلص منها. وهو تصريح نقرأ فيه رغبة الرجل في الإمساك بزعامة الصين  بقبضة من حديد من خلال بسط نفوذه على الحزب الشيوعي. لقد بدأت تتضح معالم الحزب الحاكم في الصين منذ سنة 2018 حين صادق البرلمان الصيني على إلغاء شرط ولايتين لتولي رئاسة البلاد، وهو القانون الذي كان أقرَّه الزعيم السابق دينغ كزاوبيتنغ في خطته الإصلاحية لبناء الصين الحديثة، ولمنع ظهور شخصية تشبه ماو تسيتونغ. إلغاء شرط ولايتين رئاسيتين يعني أن الزعيم الحالي يمكنه البقاء في منصب رئاسة الصين طالما شاء. على هذا الأساس يمكننا القول إن المؤتمر الحالي للحزب الشيوعي سيختار شي زينبينغ أمينا عاما للحزب لولاية ثالثة، علما أن أي زعيم صيني لم يتولى زعامة الحزب لولاية ثالثة سوى مؤسسها ماو تسيتونغ. هذه الولاية الثالثة من شأنها تعبيد الطريق أمامه في مارس المقبل لتولي رئاسة الصين. فمن المنتظر أن يخرج شي زينبينغ من المؤتمر أكثر قوة ليكرس نفسه أقوى زعيم للصين بعد ماو تسيتونغ، ومتجاوزا سلفه كزاوبينغ. قوة الزعيم الصيني يلخصها ما جاء في كلمته حين قال إن حكمه “أزال الأخطار الخفية الخطيرة في الحزب”. وهي إشارة واضحة إلى أنه تغلب على كل مناوئيه وأن الطريق أصبح معبدا أمامه ليصير الزعيم الصيني الأقوى بعد ماو تسيتونغ.

-3- التنمية: عمل الرئيس الصيني على الدفع باتجاه تحقيق”إنعاش كبير للأمة الصينية” كما جاء في كلمته. واهتم بالاصلاح الاقتصادي والحد من التلوث والتقليل من حدة الفقر. اهتمام شي زينبينغ بالاقتصاد كرافعة أساسية في قوة الصين، قد يخفف من نهج الصين في بعض الملفات من أجل التمتع بعلاقات تجارية أفضل مع الولايات المتحدة الأمريكية والشركاء الإقليميين. وهو ما قد يفسر عدم تطرقه للحرب الأوكرانية في خطابه.

على هذا الأساس يمكننا القول إن الرئيس الصيني سيحافظ على خطة سلفه دينغ كزاوبينغ في المجال التنموي بالمزيد من الانفتاح الاقتصادي دون السير على نهجه في المجال الداخلي للصين، ونقصد سياسة نبذ الزعامات على غرار زعامة ماو تسيتونغ، ونبذ سياسة الولاءات في الترقي واحتلال الصفوف الأمامية في الدولة.

-4- موقع الصين في خريطة العالم: تحدث الزعيم الصيني عن علاقات بلاده الخارجية وكأنه يحدد الخطوط العريضة لبلد قادم كي يصبح القوة الأولى عالميا. فهو يحدد معالم سياسات الصين وفي نفس الوقت يرد على الانتقادات الموجهة لبلاده ويوجه سهام انتقاداته للقوة الأولى عالميا دون ذكرها بالاسم. ولعل أبرز ما جاء في كلمة الزعيم الصيني بخصوص علاقات بلاده الخارجية، ما تضمنته العبارة التالية من خطابه: “إن الصين…تعارض بحزم جميع أشكال الهيمنة والسياسات القائمة على القوة وتُعارض عقلية الحرب الباردة والتدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية، كما تُعارض ازدواجية المعايير…”. هي عبارة تلخص بجلاء النهج الذي ستسير عليه البلاد في علاقاتها الدولية حين ستصبح الصين القوة الأولى في العالم. فخطاب شي زينبينغ لا يخفي تطلع الصين لريادة العالم، ولكنه في نفس الوقت يحدد معالم جديدة للعلاقات الدولية تتضمن انتقادا مبطنا للولايات المتحدة الأمريكية دون ذكر اسمها. ولم يفوت الزعيم الصيني المناسبة للتأكيد على أن الصين “ستشارك في الحكومة العالمية فيما يتعلق بتغير المناخ” وأن بلاده تعارض “عقلية الحرب الباردة” وهو انتقاد مباشر لواشنطن وتوضيح لرؤية الصين للعلاقات الدولية المستقبلية.

وبنبرة لا تخلو من تطلع الصين لكي تصير القوة العالمية الأولى، تحدث الزعيم الصيني عن تايوان قائلا “بأن بيكين لن تتعهد أبدا بالتخلي عن استخدام القوة” وأن “إعادة التوحيد الكامل لبلدنا يجب أن يتحقق وسيتحقق” وكانت هذه الجملة الأكثر تصفيقا والأكثر تفاعلا من قبل المؤتمرين، وهي إشارة بأن الصين قادمة لزعامة العالم وأن وحدة البلاد سيفرضها الدور التصاعدي للقوة الصينية.

ختاما نقول إن سياسة الرئيس الصيني في المستقبل ستعتمد على نهج باني الصين الحديثة دينغ كزاوبينغ في المجال الاقتصادي أي الانفتاح ونهج الطريق الثاني الذي أبدعه كزاوبينغ، وكذلك على نهج مؤسس الصين الشيوعية ماو تسيتونغ في المجال السياسي خاصة نهج الزعيم الأوحد الذي يُعتبر أب الأمة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M