وثيقة إيديولوجية ضد الفطرة والعرف والشرع والدستور وخارج السياق والتاريخ -2-

24 مارس 2024 13:31

هوية بريس – د.الحسن الباز

تذكير الوافد بمواقف الرائد

ألم يطلع من صدرت عنهم الوثيقة على ماكتبه المرحوم محمد الحبيب الفرقاني مثلا في جريدة الأحداث المغربية بتاريخ 31 مارس 2000، ( ونشر بعد ذلك في: إصلاح قانون الأسرة، حصيلة خمسين سنة من النقاش، مجموعة وثائق. العدد الخاص من مجلة مقدمات، رقم 2، ص 228-232.) عن خطة إدماج المرأة في التنمية بعنوان: “موقفي الرافض للخطة جملة وتفصيلا هو اختيار شخصي وقرار ذاتي”، ويبدو من العنوان أنه رد على أصداء موقفه لدى بعض مناضلي وهياكل اليسار، الذي يعد أحد رموز قياداته التاريخية. وفعلا هذا الذي تأكد عند الرجوع إلى المقال، فهو يستهله بقوله:

” منذ أن تأسست حركة وطنية لمعارضة ما سمي بالخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، ممثلة في جمعية “الهيأة الوطنية لحماية الأسرة”  التي تأسست يوم 7 دجنبر 1999، وهي تضم إضافة إلى عدد من الجمعيات مجموعة من الشخصيات الوطنية والثقافية والسياسية والعلمية. منذ ذلك الحين قام أصحاب الخطة ومساندوها، وفي حماس هستيري مفرط، بحملة قذف وطعن ضد الهيأة ومعارضي الخطة عموما، فأرسلوا في حقهم نعوتا قدحية، وتصنيفات لا مبرر لها، خرجت عن حدود الأخلاق واللياقة، وأخلت وبصفة عنيفة، بواجب الاحترام المفروض في كل نقد واعتراض، والالتزام المطلوب باحترام حقوق المواطنة والآراء المخالفة. وإذ مستني هذه الحملة المقذعة شخصيا أخيرا، خاصة بعد المهرجان الوطني الشعبي الكبير المنعقد بالدار البيضاء يوم السبت 11 مارس الجاري ( سنة 2000)، والمسيرة الشعبية الضخمة التي تلته يوم الأحد 12 مارس بنفس المدينة، فإنني مضطر أن أقدم لإخواني أجمعين، وللرأي العام الوطني كله، توضيحا كاملا وبيانا كافيا عن الحقيقة الكاملة، ورفعا للالتباس حول موقفي من الخطة، محط الصراع، موقفي منها ومن  معارضتها، وعن اقتناعاتي الشخصية إزاءها، وعن  اختياراتي ومسالكي العامة حيال الخطة وغيرها في الفقرات المركزة الآتية”:

وتناول الموضوع في سبع فقرات هذه خلاصتها:

1- إن موقفه الرافض للخطة في جملتها وتفصيلها، اختيار شخصي وقرار ذاتي، مستند إلى اقتناعاته ومسلماته، انسجاما مع مبادئه الفكرية والعقدية والسياسية. وينفي اتباعا أو تقليدا لأحد، أو استلابا أو استقطابا من أحد. فهو كما يقول: ” ليس من الغفلة أو السذاجة أو عدم المعرفة بحقائق ما يجري ويقرر، بحيث يحتويه أو يحور مسلماته وإيقاناته أحد، كيفما كان مكانه ومركزه.”

2- عدم تعلق الأمر –كما يتوهم أو يريد أن يوهم البعض- بتراجع أو تغير، أو تخل عن مبدإ أو عقيدة أو فكر أو اختيار، ولا بانقلاب في خط سياسي واختيار مذهبي، اختاره وتمسك به في صمود وإصرار، لعشرات من السنين ولا يزال.

ولا يتعلق الأمر بارتباط تبعي أو ذيلي لأي كان، أو ضعف في العقيدة والاختيار، أو نقص في الفهم والإدراك.

وإنما يتعلق الأمر بمعطيات وشواهد شاخصة، فحصها واستقصاها بدقة وعمق وتحري، فقادته إلى رأي واضح، وموقف محدد وسلوك مختار، بناء على إدراك كامل للخلفيات والمناورات والأهداف، بعيدا عن أي إيحاء أو إيعاز أو استقطاب أو تأثير.

3- الخطة قضية اجتماعية لم ترد قط في برنامج أي حزب سياسي، والاختلاف حولها أمر طبيعي وحق ثابت. وليس من المقبول ولا من المفروض أن يكون الناس كلهم على رأي واحد، كأنهم صورة مستنسخة من جهة أو هيأة أو زعيم أو حاكم.

4- موقعه في الحزب ثابت، لا يخضع لمؤثرات داخلية أو خارجية، منذ إسهامه في تأسيسه سنة 1959، ولا حق لأحد أن يحشر أنفه في ذلك.

ولا يمنع ذلك الاختلاف الداخلي، والاعتراض على سلوكات معينة، والنقد الموضوعي الهادف. ويقر أنه يحتفظ داخل الحزب بكثير من الانتقادات والآراء المخالفة لكثير من المواقف والسلوكات الحزبية، يعلنها ولا يهاب الجهر بها مع المسؤولين وغيرهم.

5- لم يعد مقبولا في هذا العصر محاصرة جميع الناس في رأي واحد؛ خاصة في قضايا تهم الرأي العام والمواطنين أجمعين، حين يصدر هذا الرأي أو القرار من أي جهة، سواء كانت حكومة أو حزبا أو أي هيئة أخرى. ويراد فرض ذلك على الناس اقتنعوا أم لا. ومن أبدى النقد والاعتراض اعتبر مارقا وجاهلا ومتخلفا، إلى غير ذلك من أقبح النعوت والتصنيفات.   وفي صيحة مدوية يقول: ” حق الاختلاف وإبداء الرأي المعارض أو الناقد-يا قوم –حق مقدس تقره الشريعة الإسلامية، مثلما تقره الشرائع الوضعية المعاصرة…ولا أدري كيف يضيق بعض الناس، إلى حد الهوس والاختناق بالرؤية المخالفة ،والرأي المعارض، وكأنهم يتصورون أنهم وحدهم يملكون الحقيقة المطلقة، ويمسكون الحق الكامل من يافوخه، ويضعونه في حقيبتهم الخاصة. الحقيقة الوطنية هي بنت الأرض الوطنية، وسليلة الشعب ساكن الأرض، والحق حبل نوراني ممدود إلى الناس. كل يسعى إلى الاقتراب منه، يزعم حتى الطغاة الظالمون أنهم يمسكون به أو بخيط منه أو فتيل.”

6- يقر أنه ذاتيا وواقعيا، مواطن مغربي اشتراكي اتحادي من مؤسسي الاتحاد، وقبل ذلك مسلم مؤمن؛ يؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة، كنظام إنساني كوني شامل، ينظم ويجمع الروح والمادة والفكر والوجدان، والاقتصاد والسياسة والاجتماع، والمرأة والرجل والطفل، والفرد والمجتمع والدولة والانسانية، كلها في منظومة متكاملة متفاعلة مفتوحة على الانسان والحياة والزمان والمكان. تتوفر على كل عناصر القوة والحيوية لدخول العصر الحاضر من أبوابه، لو كان المسلمون في منظومتهم الإسلامية الكبرى.

وإن كل تجاهل لهذا، أو محاولة لإهماله وتهميشه أو تصوره كثقافة ومفاهيم مضى زمانها، وتآكل مضمونها، وبلي محتواها، هو إساءة لحقيقة إلهية وشعبية، ونكران لعمق وطني وتاريخي لا يمكن إغفاله.

7- يرى أنه لا يتسع المجال لشرح تصوراته واقتناعاته وملحوظاته وأحكامه بخصوص الخطة موضوع الصراع والاختلاف، ولكن اكتفى بالإشارة إلى بعض الملامح التي جعلته لا يعترض على الخطة فحسب، ولكن يرفضها رفضا شاملا:

1-أنه متأكد أن الخطة بمضمونها وروحها وشكلها، هي من تحضير وإيعاز البنك الدولي والمؤسسات الدولية الموازية. وأنها في حقيقتها وأهدافها ومصدرها جزء من  المخطط الليبرالي الدولي للعولمة لاحتواء الشعوب، وشعبنا بموقعه الجغرافي في المقدمة، أخذته الحكومة وتبنته بمحتواه الليبرالي الغربي جملة وتفصيلا.

2- إنها تستهدف بطبيعة آرائها ومقترحاتها تخريب آخر معاقل الهوية والذات: الأسرة والدين، وعلاقات القيم والأخلاق، والتماسك الأسروي والمجتمعي، بما تتضمن من رؤى وأحكام ومقترحات.

3- تتضمن، بدون شك ولا لبس، مقترحات تصادم أحكام وتوجيهات الشريعة الإسلامية بكثير من الاستهانة والوضوح.

4- لماذا إدماج المرأة وحدها دون الرجل والطفل، وهما أيضا دعامة وأركان أي تنمية جادة للمجتمع. ثم أية تنمية تقصد الخطة؟…وفي أي أفق؟

5- التمويلات المشبوهة المتدفقة من مؤسسات ليبرالية دولية، حكومات وغيرها، بما فيها الاتحاد الأوربي.

6- ما موقع الخطة من التخطيط الخماسي الحاضر؟ ولماذا أعدت وقدمت خارجه وباستقلال منه؟

7- لم تجر بشأنها أي استشارة مع قطاعات الرأي العام، خصوصا الجهات المعنية. وتم الاكتفاء باستشارات شكلية مع المحضرين لمناصرة الخطة في بداية الأمر والدعاية لها.

8- في السياق الانفعالي الارتدادي المسطح، لماذا يتنكب بعض الناس عن الحوار الهادف والنقاش البناء والنقد المترافع النزيه؟  ينحرفون بسرعة وغوغائية إلى الطعن المجاني والاتهامات الرخيصة، وينحرفون بالموضوع نحو خلق تشويه والتباس مقصودين. فما المقصود من مثل هذه النعوت والأوصاف الشاذة النافرة؟ أعداء المرأة، الخلفية الجاهلية، ذبح المرأة، الرفس على جثتها، الثقافة الجاهلية، خناجر لاغتيال المرأة.

وفي الخلاصات والختام اقترح  عقد مناظرة وطنية، تستدعى لها كل الأطراف المعنية والمتضاربة، للتحاور والنقاش البناء، وتسليط الأضواء على كل جوانب ومحتويات الخطة ووسائلها ومراميها، لينتهي الجميع إلى تصور موحد أو متقارب، يحسم النزاع، ويضع القضية في إطارها الوطني الموحد، ومصيرها التحديثي الإنمائي المنشود.

ويؤكد أن تمتيع المرأة بحقوقها وصيانتها من أي ظلم أو غبن أو استغلال، وتوفير الشروط والمؤهلات أمامها لدخول العصر وعلومه وتقنياته وثقافته من أبوابه الواسعة، والمساهمة العضوية والمسؤولة في إنماء الوطن وتحديثه، كلها واجبات مفروضة في مسؤولية الجميع أفرادا ومجتمعا ودولة، لا يجادل فيها ولا يتقاصر دونها، فضلا عن أن يعارضها، إلا جاهل أو متنطع مخبول فاقد للوعي الوطني، متخلف عن إدراك مطالب العصر وضرورات الحياة المستجدة باستمرار.

وشريطة ذلك فحسب: أن تعتمد في كل ذلك، وفي كل تحديث وتطوير، المقومات الدينية والوطنية للشعب المغربي، وتستحضر في روحها ومضمونها وأهدافها خصوصيات هذا الشعب الثقافية والحضارية، ومطامحه التحررية والإنمائية، وصولا إلى بناء امرأة مغربية مواطنة صالحة مسلمة مؤمنة، عالمة متحررة من كل الخرافات والأوهام القديمة والحديثة، متحملة في الآن نفسه، إلى جانب الرجل، مسؤولية بناء المجتمع وتحرير الوطن، محفوفة من كل الجوانب بكل الضمانات لحمايتها وحماية المجتمع كله خلالها، من مخاطر الانحراف والتحلل والفساد، وصيانتها من مزالق الاستلاب والتبعية والتقليد الأهوج، ومهاوي فقدان الهوية وخراب القيم وذوبان الذات.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M