موعد في الأسحار

19 سبتمبر 2015 12:10
موعد في الأسحار

موعد في الأسحار

الشيخ عمر القزابري

هوية بريس – السبت 19 شتنبر 2015

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أحبابي الكرام:

لقد كثرت ذنوبنا، وتنوعت خطايانا، وتجرأنا على ربنا سبحانه وتعالى، وهو سبحانه مع ذلك جواد كريم، بر رحيم، يدعو الشاردين إلى رياضه، ويلفت نظرهم إلى حياضه، فيا أيها المذنب وكلنا ذلك الرجل، أقبل على العزيز الغفار، وتعطر بالاستغفار، وأيقن بأن لكل داء دواء.

مع العلم أن للدواء موعدا لا ينبغي التخلف عنه حتى يحدث أعظم الآثار، وحتى تجني منه أطايب الثمار، وهذا الموعد لم يحدده طبيب من الأطباء، وإنما حدده رب الأطباء، فقال سبحانه (وبالأسحار هم يستغفرون).

ولقد كان أهل العرفان، من الذين سبقونا بإحسان، لا يتصورون أن يتخلف أحد عن موعد تعاطيه، وعن التعرض لجميل ما فيه، روي أن طاووس اليماني جاء في السحر يطلب رجلا، فقالوا: هو نائم، فقال: ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر، لكن يا ترى، من الذي رفع قدر هذا الدواء، ودل على ما فيه من أسباب الشفاء والارتقاء؟

إنه الله سبحانه وتعالى، الذي يتنزل كل ليلة إذا بقي ثلث الليل الآخر، نزولا يليق بجلاله وكماله، يتنزل ليعرض عليك الدواء العجيب، بلا واسطة أو حاجب أو رقيب، ولأن الجرعة غالية، فلا بد من المجاهدة والتضحية، والتضحية هنا ترك الفراش الوثير، وهجر النوم والتجافي عن السرير، وتلك تضحية عند المبتدئين، ولذة عند العارفين، أما الجائزة العلية، والمنحة السنية، فهي نداءات الله للمتعرضين للنفحات القدسية، (من الذي يدعوني فأستجيب له، من الذي يسألني فأعطيه، من الذي يستغفرني فأغفر له).

أحبابي: من وظائف رياح الأسحار، نقل رسائل الاعتذار، ووالله لو أحسسنا ببلائنا لانقطعت أصواتنا من دعائنا، وقرحت أجفاننا من بكائنا، فسبحان من يستخرج الدعاء بالبلاء، فكل شارد عنه لابد أن يعيده إليه، إما لطفا باختياره، أو قسرا بابتلائه ،فمن لم تأسره حلاوة المنحة ، أدبته ضراوة المحنة،

أيها الأكارم: أليست عندنا ذنوب، أليست عندنا عيوب، أولسنا أصحاب حاجات، أليست لدينا رغبات، أولسنا نشكوا الأحمال والأغلال، أولسنا نريد الفكاك من الآصار والأثقال، فأين نحن من الأسحار، حيث ملتقى الأبرار، ومتنزل الأسرار، ومحل الأنوار، ووقت العطايا الغزار، ولكن المداومة شرط من شروط العلاج، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم مالم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي).

قال ابن القيم رحمه الله: (ومن الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه، أن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة، فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذرا أو غرس غرسا فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله) فقف بالخضوع، وأنثر الدموع، واطرق الباب، وتأس بالأحباب،وأحضر قلبك، واجمع فكرك، ولا تسأم الوقوف على الباب ولو طردت، ولا تقطع الاعتذار ولو رددت، فإن صاحب العرض، حاشا أن يقابلك بالرفض.

أحبابي: الغنيمة الغنيمة، بانتهاز الفرص في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوض ولا تدانيها قيمة، المبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، قبل أن يندم المفرط على ما فعل، قبل أن يسأل الرجعة فلا يجاب إلى ما سأل، قبل أن يحول الموت بين المؤمل وبلوغ الأمل، قبل أن يصير المرء مرتهنا في حفرته بما قدم من عمل.

ليس للميت في قبره***فطر ولا أضحى ولا عشر

ناء عن الأهل في قربه***كذاك من مسكنه القـبر

يا من برز شيبه وبلغ الأربعين، يا من مضى عليه بعدها عشر سنين فعانق الخمسين يا من هو في معترك المنايا مابين الستين والسبعين، ألم يبلغك الخبر اليقين؟ ألم تعلم بأن الرجعى إلى رب العالمين، يا من ذنوبه لا تنتهي أما تستحي من الكرام الكاتبين، لا أظنك ممن يكذب بيوم الدين، فما الذي أبعدك عن رياض الصالحين، راجع نفسك، قبل أن تنزل رمسك، وتهجر أنسك، تعرض لنفحات ربك في هذه العشر، فإن فيها نفحات من تعرض لها سعد مدى الدهر،

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M