عداؤنا المستفحل للطرق الصوفية؛ ما مبرراته؟

19 ديسمبر 2013 21:00
عداؤنا المستفحل للطرق الصوفية؛ ما مبرراته؟

عداؤنا المستفحل للطرق الصوفية؛ ما مبرراته؟

د. محمد وراضي

هوية بريس – الخميس 19 دجنبر 2013م

إن مجرد الحديث عن الطرق الصوفية باعتبارها سبلا متعددة للوصول إلى نيل رضا الله عز وجل، طعن مباشر في السنة النبوية! إذ كل استدراك على الرسول في مجالي المعتقدات والعبادات على وجه التحديد، رفض صريح لا لبس فيه ولا غموض معه لسنته التي أوصانا أن نعض عليها بالنواجد!

بينما يجيبنا المتصوفة من مشايخ ومن مريدين بأنه لا يوجد في الدين أفضل من أقواله ومن أفعاله ومن تقريراته صلى الله عليه وسلم فيه! لكنهم مع إقرارهم الذي طالما رددوه في كتبهم وعلى ألسنتهم، يصرون على مخالفة بعض مما ورد في كل من الكتاب والسنة! يعني أنهم “يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض“!!! وإلا فإنه لا معنى للكلام عن طرق متعددة إلى الله، وسنة المختار المضمونة الموصلة وحدها إلى المبتغى، مطلب قرآني وحديثي يقتضيه واجب الإخلاص لله ولرسوله، كما هو بين في نصوص نقلية، حصرها في عجالة هنا متعذر.

نقول: كل الطرق الصوفية عندنا تعود إلى الشاذلية، ما عدا القادرية والتجانية. وهناك طريقة واحدة تجمع بينها كلها دون ما شعور من أصحابها بأي حرج! وكأن مؤسسيها يلحون على عدم وجود أي تناقض فيما بينها يستحق الذكر! يتعلق الأمر بـ”البودشيشية” التي لقحت انتماءها للقادرية -كما تدعي- بانتمائها للتجانية وللدرقاوية التي هي فرع من فروع الشاذلية.

وفحوى الفرض الذي نطرحه -كي نقوم بالتأكد من صحته بعد إخضاعه للاختبار- هو أن الطرقيين بدون ما استثناء بدعيون ضلاليون كذابون! ومنهجنا للتعامل مع هذا الفرض لغاية البرهنة على صحته، منهج استقرائي تجريبي مقارن. حيث نقوم أولا بتقديم أقوال لبعض من كبارهم خلالها يدعون بأنهم لا يخرجون عن نطاق الخضوع لكتاب الله ولسنة رسوله! ثم نقوم ثانيا بتقديم أقوال وأفعال لهم تفند صراحة ادعاءاتهم الأولى تفنيدا لا يتطرق إليه أدنى شك!

قال الشاذلي: “فعليك بكتاب الله الهادي. وسنة رسوله الشافي. فلن تزل بخير ما آثرتهما. وقد أصاب الشر من عدل عنهما”!

وقال ابن عطاء الله السكندري: “ولا يدخل عليك الإهمال إلا بإهمالك عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم. ولا تحصل لك الرفعة عند الله إلا بمتابعته”.

وقال زروق: “والفقه والتصوف أصولهما الكتاب والسنة، وقضايا العقل المسلمة بالكتاب والسنة”.

وقال العربي الدرقاوي: “فمن شاء منكم ومن غيركم أن تنقلب ناره جنة، فلا يتزحزح عن السنة. إذ هي سفينة النجاة ومعدن الأسرار والخيرات. من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق”!

وقال مصطفى نجا: “كتب لي -يعني شيخه علي اليشرطي- كل طريقة تخالف الكتاب والسنة فهي زندقة وباطلة”!

إنه التزام مؤكد مكتوب إذن بخط مشايخ الطرق الصوفية، مؤداه عرض كل كشف وكل حال وكل وجد صوفي على الكتاب والسنة. فضلا عن التزامهم بأن يعرضوا عليهما كل ما يدخل في باب “حدثني قلبي عن ربي” و”قال لي هاتف أو سمعته يقول” و”قال لي الخضر” و”قال لي إلياس” وحدثني صلى الله عليه وسلم في النوم” و”حدثني صلى الله عليه وسلم في اليقظة” وحدثني رجل من رجال الغيب”!

وتأكيدا من مشايخ الطرق للارتباط بكتاب الله وسنة مجتباه، وجدناهم يذمون البدعة والمبتدعين. فقد قال السيوطي: “إن التصوف في نفسه علم شريف، وأن مداره (محوره) على اتباع السنة وترك البدعة”!

ونفس مسلك الشاذليين في ادعاء التمسك بالكتاب والسنة وذم البدع والمبتدعين، سلكه التجانيون والقادريون. ففي كتبهم الكثير من الشواهد على ما يدعون. إنما الغريب الذي سوف نقف عنده، هو وجود ما ادعوه في واد. وقناعاتهم النظرية وممارساتهم العملية الصوفية في واد آخر.

وهذه بعض البراهين على ما ندعيه:

قال الشاذلي: “اللهم هب لي من النور الذي رأى به رسولك صلى الله عليه وسلم ما كان ويكون”!

وقال: “والله ما ولى الله وليا إلا وضع حبه في قلبي قبل أن يوليه. ولا رفض عبدا إلا وألقى بغضه في قلبي قبل أن يرفضه”!

وقال: “لقد تسألوني عن المسألة لا يكون عندي لها جواب، فأرى الجواب مسطرا في الدواة والحصير والحائط”!

وعن “حزب البحر” المنسوب إليه، يقول مؤلف كتاب “المفاخر العلية في المآثر الشاذلية”. و”أما سبب وضعه، فإن الشيخ سافر في بحر القلزم مع نصراني بقصد الحج. فتوقف عليهم الريح أياما، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في مبشرة فلقنه إياه، وأمر النصراني بالسفر فقال له: وأين الريح؟ فقال: افعل فإنه الآن ياتيك. فكان الأمر كما قال، وأسلم النصراني بعد ذلك”!

وقال الشاذلي عن “الحزب الكبير” الذي يتعبد به الشاذليون حتى الآن: “من قرأ حزبنا فله ما لنا وعليه ما علينا وقال: ما كتبت منه حرفا إلا بإذن من الله ورسوله”.

ولنا أن نتساءل بعد هذه المزاعم الصادرة عن شيخ مرشد مفترض، عما إذا كان في مزاعمه التي سقناها، ما يتطابق تمام التطابق مع تأكيده على أن من عدل عن الكتاب والسنة لا يصيبه إلا الشر؟ أو يتطابق تمام التطابق مع قول علي اليشرطي “كل طريقة تخالف الكتاب والسنة فهي زندقة وباطلة”؟

عندما يطلب الشاذلي من ربه أن يهبه النور الذي رأى به الرسول ما كان ويكون، فلاعتقاده بأنه صلى الله عليه وسلم على معرفة بالغيب! أي على بينة مما مضى، وعلى بينة مما سوف يأتي. في حين أن القرآن كمصدر أول للدين، ينفي نفيا قاطعا في غير ما آية كونه صلى الله عليه وسلم على علم بالغيب. أو لم يخاطبه سبحانه بأمر جازم هكذا: “قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير. وما مسني السوء. إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون“! إذ لو كان صلى الله عليه وسلم يعلمه لما قاسى هو وصحبه من الأهوال ما جسدته الغزوات الطاحنة التي دارت بينه وبين خصوم الخطاب الإلهي الذي جاء به؟ أو لم تجرح وجنتاه وتكسر رباعيته؟ أو لم يشرف أصحابه على الهزيمة المرة في غزوة حنين؟

إن الشاذلي إذن يكذب القرآن؟ ومن كذب القرآن كذب الله ذاته؟ إضافة إلى أنه يكذب في حق رسول الله؟ إنه إذن ضلالي محترف! ويزداد غباوة عندما يدعي هو نفسه معرفته بالغيب! بل والأدهى والأمر، هو أنه يتواصل مع الله بخصوص من يجعله وليا له! وبخصوص من يبعده عن ولايته! فالله يضع في قلبه حب من سوف يصبح من أوليائه قبل أن يوليه! ويضع في قلبه بغض من يرفض ولايته، قبل إقدامه عز وجل على رفضها! دون أن نتساءل عما يعنيه الولي عنده؟ فهل هو الصوفي الذي ينتهج إحدى الطرق الضلالية المخالفة للسنة في التعبد؟ أم إن الولي هو كل من اتصف بصفتين واردتين في النظم الكريم، وهما بالتحديد في قوله تعالى: “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون“.

مما يعني أن الولي هو المؤمن التقي الورع، دون أي انتماء منه لطريقة صوفية مبتدعة! لأن كل انتماء إلى طريقة مبتدعة في التدين، يبعد أي منتم إليها عن ولاية الله، ما دام يولي ظهره لسنة مجتباه، أي لطريقته في التعبد. مفضلا عليها طريقة من ابتداع شيخ ينقصه الحياء أو الخجل! إلى حد قوله ص: “الحياء والإيمان مقرونان لا يفترقان إلا جميعا”! أو قوله: “الحياء والإيمان قرنا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر“! يعني أن المفتقر إلى فضيلة الحياء كالمفتقر إلى الإيمان والعكس صحيح!

ومن غاب عنه الحياء مع ادعاء كونه لا يكف عن الارتباط بالكتاب والسنة، يسعه أن يزعم بكون الجواب عن المسألة المطروحة عليه، يراه مسطورا في الدواة والحصير والحائط! مع أن الرسول عندما يسأل، يستمهل السائل ريثما ينزل عليه الوحي. ولم يكن يدعي قط ما ادعاه المخبول الشاذلي الذي لا ينتظر إلهاما، ولا خاطرا، ولا حالا صوفيا، ولا وحيا، ولا بحثا، ولا تدقيقا حتى يجيب! فالإجابة أمامه تكتب لا في لوح، ولا في ورق، وإنما في الدواة حيث المداد! وفي الحصير المعد للجلوس، والذي يوطأ بالأقدام! وفي الحائط مهما يكن شكله ومهما يكن لونه! إنها إذن خوارق من مخبول يعبث بالدين!!!

ثم يستمر للكشف عن مدى خبله وغبائه وبلادته، حين يدعي أن الرسول هو الذي أملى عليه مسمى “حزب البحر”! وحين يدعي أن مسمى “الحزب الكبير” لم يكتب منه حرفا واحدا إلا بإذن من الله ورسوله! والحال أن الدين قد اكتمل. وإلا فما الذي يعنيه قوله تعالى: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا“؟

فهل نتوقع تراجعه عز وجل عما ورد في كتابه المبين؟ هل نتوقع منه أن يكذب كما نكذب نحن البشر؟ يخبرنا أن الدين قد اكتمل، ثم يأذن للمخبولين في إحداث بدع يتعبدون بها بدلا عن الاكتفاء بما تعبد به سيد المرسلين وخاتم النبيئين؟ أو لم يقل الشاذلي بعظمة لسانه: “وقد أصاب الشر من عدل عنهما” أي من ابتعد عن التشبث بالكتاب والسنة في كل ما يفعل وفي كل ما يدع؟

والادعاء بأن الله ورسوله أذنا له في كتابة مسمى “الحزب الكبير”. أو ليس هو العدول عن العمل بمضامين كتاب الله وسنة مجتباه؟ فالله تعالى أخبرنا -كما تقدم- بأن الدين قد اكتمل. يعني أنه لا مزيد لمستزيد. والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بوضوح تام في حجة الوداع فقال: “اللهم إني قد بلغت. اللهم فاشهد“! والشاذلي الضلالي يكذب الله ويكذب رسوله! فإن اكتمل الدين وتم تبليغ الرسالة. فكيف يملي الرسول الصادق المصدوق، مسمى “حزب البحر” على مخبول؟ وكيف يضع كتاب “فصوص الحكم” بين يدي مخبول آخر هو ابن عربي الحاتمي، ثم ينصحه أن يخرج به إلى الناس حتى ينتفعوا به؟ وكيف يرتب صلى الله عليه وسلم أوراد مؤسس الطريقة الكتانية، على حد زعم حفيده: يوسف الكتاني في كتابه “مدرسة الإمام البخاري في المغرب” -الجزء الثاني ص:520- حيث يقول عنه: “وقد ظهر نبوغه العلمي بعد فترة قصيرة من الدرس، حيث برز في التفسير والحديث وخاصة علم التصوف. فقد فتح عليه! واجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة! وأخذ عنه الطريقة الكتانية!!! وأذن له في الإرشاد والدعوة إلى الله”!!! والحال أن كل مسلم عاقل عالم مطلوب منه الإرشاد والموعظة وإسداء النصح!!!

ثم يدعي التجاني أن الرسول أخبره يقظة بأن “صلاة الفاتح لما أغلق” كصيغة مبتدعة للصلاة عليه، لا نظير لها بخصوص ما يحصل عليه تاليها مرة واحدة من ثواب! إن أجر من قرأها مرة واحدة، يعدل أجر من ختم القرآن ستة آلاف مرة!!! هذا قول الرسول الذي أسنده إليه الزنديق الجزائري-المغربي أحمد بن محمد التجاني!!! مما يدل دلالة قاطعة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ماض في إلقاء السنن بعد وفاته! وكأن رسالته لم تبلغ نهايتها بعد! ثم يطل علينا بعض الهمازين الغمازين الذين يتجنبون الظهور بشخصياتهم الحقيقية كي يدافعوا عن الظلام الصوفي الذي يعتنقونه، وهم فيما يعتقدونه ويمارسونه ماضون في تشويه الدين!

وإلى هؤلاء المشوهين له، وإلى علمائنا وإلى كافة المثقفين عندنا، نتوجه بالأسئلة الآتية الواضحة كي يكونوا عونا لنا ولأنفسهم ولدويهم ولكل من يشهد أن لا إله إلا الله، لغاية إقبار الفكر الظلامي بصفة نهائية: 

إن كنتم تؤمنون بأن أقوال الرسول وأفعاله وتقريراته في الدين، أفضل من أقوال ومن أفعال ومن تقريرات غيره فيه، فهل كان صلى الله عليه وسلم يعقد حلقات للذكر الجماعي؟ وهل كان يرقص هو وأصحابه وهم يؤدون مسمى الأذكار؟ والقرآن نفسه، هل كان صلى الله عليه وسلم يقرأه على هيأة الاجتماع؟ والدعاء الجماعي على إثر الصلوات الخمس، هل كان من سنته ومن فعل الصحب الكرام بعده؟ وهل كان يعتمد السبحة لعد الأذكار؟ أم إن السبحة بدعة ضلالة؟ وهل كان صلى الله عليه وسلم يعبد ربه بالاسم المفرد “الله الله”؟ وهل كان يعبد ربه بتكرار “هو هو”؟ وبتكرار “يا لطيف يا لطيف”؟ وهل كان يبحث عن تحصيل “الأحوال” بطرق صناعية وهو يتمايل داخل مسمى “الحضرة” أو “العمارة” يمنة ويسارا؟ وهل كان من باب الاعتقاد يقول بأنه لا وجود إلا لله، وهو عقيدة مشايخ عامة الطرق الشاذلية بدون ما استثناء؟

يكفي قول تلميذ قائد جوقتهم أبي العباس المرسي بالحرف: “إننا لننظر إلى الله ببصائر الإيمان والإيقان. فأغنانا ذلك عن الدليل والبرهان. وإنا لا نرى أحدا من الخلق (حتى الرسول!). هل في الوجود أحد سوى الله الملك الحق؟ وإن كان ولا بد فكالهباء في الهواء إن فتشته لن تجد شيئا”!!!

مع الاعتذار للقراء عن الخوض في غمار هذا الضلال الذي يشرح نفسه بنفسه! إنه باختصار: لا يوجد في العالم إلا الله! فيكون الله هو العالم! والعالم هو الله! وهذه هي بالذات وحدة الوجود يا من يتحدثون إلينا من وراء الستار لثنينا عن فضح أهل الظلام الذين يتمتعون في هذه الأيام بدعم لا مشروط من أطراف عدة! داخلية وخارجية! دون أن نخفي الدعم الأمريكي لكل ناعق في قلب الزوايا! ولكل ناعق في قلب الأضرحة والقباب!!!

إنها مني إجابة موجزة صريحة على سؤال طالما وجهه إلي بعض القراء مؤداه: لماذا عداؤك الشديد للطرقية والقبورية على حد سواء؟

www.islamthinking.blog.com

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M