منادمة المؤانس بحديث: (لا ترد يد لامس)

13 فبراير 2014 22:34
منادمة المؤانس بحديث: (لا ترد يد لامس)

منادمة المؤانس بحديث: (لا ترد يد لامس)

ذ. طارق الحمودي

هوية بريس – الخميس 13 فبراير 2014م

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد

أما بعد:

فقد روى أبو داود في السنن (2049) عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “إن امرأتي لا تمنع يد لامس”، قال: “غربها“، قال: “أخاف أن تتبعها نفسي“، قال: “فاستمتع بها”.

والحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود، ولعله أصل في تحريم لمس الرجل المرأة الأجنبية عنه بأن لا تكون أمه أو أخته أو زوجته أو بنته أو غيرهن ممن يشبههن في هذا. ولم أر كثيرا من الإخوة الذين كتبوا في الموضوع نبهوا إليه.

فلو افترضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بيننا الآن… وتقدمت امرأة من علية القوم لتصافحه، فامتنع وقال لها: إني لا أصافح النساء… فماذا سيكون موقفهم من ذلك… وماذا ستكتب صحافتنا.. وكيف سيكون رد فعل إعلامنا؟!

سيكون من الظلم إغفال هذا الحديث أثناء التأسيس الشرعي للحكم المتعلق بلمس أو مصافحة المرأة غير المحرمة، فإن مقتضاه اللغوي والشرعي لا ينفك عن معاني باقي الأحاديث الواردة في المصافحة، وأكد هذا توافر همم بعض أذكياء العلماء على الوقوف عنده واستنباط الحكم المحمول عليه، وأول ما يلحظه القارئ للحديث أن الزوج لم يأت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مخبرا فقط عن كون زوجته لا ترد يد من يعمد إلى لمسها، بل جاء مشتكيا صنيعها، ولا يشتكى إلا من مصدر للقبح والضرر، شخصا كان أو فعلا، وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم السريع المتصل دالا ومؤكدا على مشروعية شكواه، ومنبها على أن مثل ذلك مما لا يتردد في استقباحه، ولذلك كان جوابه عليه الصلاة والسلام في كلمة بلا مقدمات: غربها… أي طلقها حسما للضرر ونأيا عن لوازمه.

وقد يجنج بعض القارئين -ولهم في ذلك سابق- إلى أن المقصود من شكوى الزوج زناها وفجورها، ولكنه جنوح منتقد بالحديث نفسه، فما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقره على إمساك زانية!! مهما تعلق قلبه بها! فتلك أحوال الزناة والمشركين، (وحرم ذلك على المؤمنين).. بل لو صح أنه يشكو زناها لعُد قاذفا.. ولكان ردّ فعل النبي صلى الله عليه وسلم مختلفا تماما.

قال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/225و326/تحقيق اليماني): (ولو كان كنى به عن الجماع لعد قاذفا)…!

ولفظ اللمس مقيدا بذكر اليد مانع من حمله على الزنا، فلو كان أطلق لصح الإيراد، ولكن تقييده بذكر اليد موجب لحمله على معنى مماسة البشرة للبشرة دون حالة المجامعة، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى (32/116): (ولفظ [اللمس والملامسة] إذا عني بهما الجماع لا يخص باليد، بل إذا قرن باليد فهو كقوله تعالى: [ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم]).

ويحسن التنبيه إلى أن سماح المرأة لغير المحرم بمسها عادة جاهلية تاريخيا وأخلاقيا… فلم تكن المرأة جينها تستحي من ذلك، فحرص الإسلام على إزالة هذه العادة والتحذير منها، قال ابن القيم في روضة المحبين (ص:129): (وهذا كان عادة كثير من نساء العرب ولا يعدون ذلك عيبا).

وقوة هذا الحديث في دلالته على المنع من تلك المصافحة تتكشف في وضعه في محله المناسب من منظومة الأحاديث التي يستدل بها الفقهاء على المنع، ولا يجوز النظر إليه نظر استجلاء واستجداء للحكم مستقلا عن السياق الأخلاقي والقيمي العام الذي ورد فيه… وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء وهو أطهر الناس… وكن هن من أطهر النساء… ولم يعن ذلك عند أحد ممن عاين امتناعه نساء ورجالا أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعالى أو يحتقر من يمتنع من مصافحته، بل كان امتناعه عليه الصلاة والسلام توافقا مع الفطرة البشرية، وتأكيدا للطبيعة النفسية والبيولوجية للإنسان…! ومن ادعى ترفعه عن هذه الطبيعة فإما كذاب أو غافل أو متأول أو…! وليس هذا غالبا علة امتناعه، فلعل من حكم ذلك وربما هي كثيرة أن في ذلك احتراما للمرأة بأن لا تمس إلا بإذن خالقها، فلا يجوز لأحد أن يلمس ماسة أو لؤلؤة أو زمردة لغيره إلا بإذنه… والنساء إماء الله… وقد صحّ أن الله يغار على إمائه سبحانه وتعالى، فلئن لم تجد المرأة والرجل المتصافحان في ذلك حرجا تحت مسميات حجج مختلفة قد تقبل في ظاهرها، لكن حق الله في هذا حاضر لا يجوز تجاوزه.

ولذلك أنصح المتسرعين إلى وصف الامتناع عن مصافحة النساء غير المحرمات عليهم بالتخلف والرجعية، لأنهم إن كانوا يقصدون الإطلاق فقد وقعوا في شر لا يحسدون عليه، وهم مسؤولون مسؤولية دينية وأخلاقية عن أحكامهم هذه، وهم بذلك لامسوا العرض النبوي بالإساءة، فليحذروا من اللوازم القبيحة، وإن قصدوا التقييد بالزمان والمكان، زاعمين خطأ الممتنع، فليكفوا عن أسلوب الإقصاء، وليعمدوا إلى فتح حوار هادف يقنعون به أو يقتنعون… وبذلك تسلم العلاقات الاجتماعية من الإفساد، ويؤسس لأدبيات وأخلاقيات إيجابية في الحوار الاجتماعي الذي يهدف إلى تحقيق تواصل حقيقي وبناء.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M