العدل والإحسان.. المخزن.. الإسلاميون المشاركون: الحوار المفقود

15 مايو 2014 23:58
العدل والإحسان.. المخزن.. الإسلاميون المشاركون: الحوار المفقود

العدل والإحسان.. المخزن.. الإسلاميون المشاركون: الحوار المفقود

أحمد الشقيري الديني

هوية بريس – الخميس 15 ماي 2014

– الواضح أنه مع اقتراب الانتخابات المحلية، تشن جهات سياسية ظاهرة وخفية حملة إعلامية شرسة على التجربة الحكومية الحالية، والذي يهمنا في هذه المقالة أن نقف عند اصطفاف بعض إخواننا من العدل والإحسان مع هذه الحملة الظالمة غير المنصفة؛ وذلك من خلال نشر فيديوهات عبر “الفايسبوك” من كلام رئيس الحكومة مقطعة ومخدومة بشكل يجعلها مشوّهة وخارجة عن سياقها.

بنكيران والاستبلاد والخنوع

– هل حقا بنكيران يقود حزبه وحركة التوحيد والإصلاح نحو الاستبلاد والخنوع والركوع للمخزن، كما يزعم بعض من انبروا من إخواننا في جماعة “العدل والإحسان” ممّن انضمّوا إلى جوقة المتهكّمين بإنجازات الحكومة الحالية عبر “الفايسبوك” والإعلام الكاذب؟

أولا: موقف الحركة والحزب الثابت من الملكية، هو الموقف الذي تبلور من خلال اجتهادات جريئة وعميقة نقلت الحركة، وبالتالي الحزب من “الانقلابية” إلى المشاركة والتعاون مع النظام الملكي، باعتباره أحد أهم مرتكزات الاستقرار بالبلاد الذي تتجاذبه عدة إثنيات وتوجهات سياسية وإيديولوجية متناقضة وغير متجانسة تخترق النسيج المغربي.. وهو النظام الذي أجمعت جل المكوّنات الحية بالبلاد من أجل دعمه وبيعته؛ والشاذ لا حكم له.

ثانيا: الركوع هو ركوع القلب لا القالب.. هو ركوع العقل.. هو أن يركع رأيي دون أن يستطيع أن يجد منفذا للاختلاف والتعبير.. وغير ذلك فمزايدات لا تقدّم ولا تؤخّر.. وإلا فنحن بايعنا ملكنا -حفظه الله- عن طواعية، واستجابة لوصية نبينا صلى الله عليه وسلم القائل فيما صحّ عنه:

– عن عبادة بن الصامت قال: “بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان” رواه مسلم.

– وقال رسول صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعوننا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، فقال صلى الله عليه وسلم: “اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم” رواه مسلم.

قال الإمام القرطبي: “يعني أن الله تعالى كلف الولاة العدل وحسن الرعاية، وكلف المُولَى عليهم الطاعة وحسن النصيحة، فأراد: أنه إذا عصى الأمراء الله فيكم ولم يقوموا بحقوقكم، فلا تعصوا الله أنتم فيهم وقوموا بحقوقهم، فإن الله مجاز كل واحد من الفريقين بما عمل”.

– وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة، فمات فميتته جاهلية، ومن قاتل تحت راية عميّة يغضب لعصبة أو يدعوا لعصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا ينحاش عن مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه” رواه أحمد ومسلم.

فمتى كانت طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم استبلاد وخنوع وذل؟

العدل والإحسان وعقدة المخزن

– يقول أخونا من الجماعة عبر الفايسبوك: إن العدل والاحسان لا تعارض الملك/الشخص.. ولكن تعارض الملك/النظام.. النظام الملكي في المغرب مؤسس منذ قرون على الاستئثار بالسلطة والثروة..

– الجواب أنه جاء على لسان رئيس الحكومة الحالي في أول لقاء له مع البرلمانيين أمام المغاربة، بعد تنصيبه قال: “الريع بالمغرب طريقة ومنهج في الحكم”؛ وهي كلمة مجلجلة قالها الأستاذ عبد الإله بنكيران تحت قبة البرلمان.. إذن لا جديد في كون الاستئثار بالسلطة والثروة طريقة في الحكم، أسبابها التاريخية معروفة..

– لكن السؤال هو: كيف نواجه هذا السرطان الذي يجتاح مؤسساتنا، ويترك ضحايا كل يوم من الفقراء والأمّيين والمقرقبين وضحايا الدعارة وقوارب الموت؟؟

– والسؤال الثاني: هل يستطيع الملك وحده أن يوقف هذا النزيف؟؟ هل يستطيع أن ينقلب على نظام قائم على الريع، وهو الذي ينعت من أول يوم بملك الفقراء؟؟ أم أنه لو حاول لأسقطت مافيا الريع ملكه؟؟ أليست هذه المافيا هي التي أسقطت مرسي المنتخب شعبيا، والمسنود بأقوى جماعة في مصر وأكثرها اتساعا وعمقا في وجدانه؟؟

– هنا تختلف المقاربات، وهذه من أهم نقط الخلاف السياسي بيننا نحن المشاركين في الحكم، وبينكم أنتم في العدل والإحسان الرافضين للنظام.. فأنتم تطالبون الملك بـ”توبة عمرية” نسبة إلى سيدنا عمر بن عبد العزيز، وهو ما يعني انتحار النظام على يد الدولة العميقة..

بينما نحن نقدّم نموذجا آخر لإنقاذ البلاد، نموذج يقوم على تعزيز الثقة أولا لدى الملك بأننا لسنا انقلابيين.. ثم ثانيا تقديم نموذج للأيادي النظيفة التي لا تفتك بالمال العام إن هي تولت المسؤولية.. وكلما ترسخت قدم نظيفة في مؤسسة من المؤسسات طردت منها القدم المتسخة..

وهذا يحتاج إلى نفس طويل، لأن الأقدام المتسخة تحتل إدارتنا وإعلامنا وثقافتنا ومؤسساتنا المالية.. إلخ؛ فكم سنحتاج من الأطر لسد الثقب السوداء؟ ليس ثمة إلا التعاون مع كل ذي مروءة وغيرة على بلده وملكه.

– الملك بنشاطه الحيوي يقوم بإنجازات يومية على الأرض، ليس آخرها مشروع النهوض الاقتصادي والاجتماعي للعاصمة الرباط الذي دشنه جلالته بغلاف مالي يقدر بـ18 مليار درهم.. وهناك مشاريع قادمة تخص الدار البيضاء ومراكش وفاس وغيرها، كما جاء في خطاب جلالته، ونحن نقدّم له يد المساعدة في هذا الاتجاه.. ونحن نعلم أن الملك يفتح عدة مشاريع تنموية، لكن بارونات الريع من التماسيح يسطون على عدد منها، وهذا يغضبه، ومع ذلك لا ييأس.. فماذا لو قدمنا نحن وأمثالنا من الغيورين على بلدهم لجلالته يد العون.. وهذا هو الطريق.. وإن كان طويلا، لكنه موصل إن شاء الله إلى المراد.

– إن المشروع السياسي للعدل والإحسان المرتكز على “القومة” قدّم تجربته السياسية في حركة 20 فبراير، وهو أعلى سقف بلغه، ولا أعتقد أنه قادر على تجاوزه إلا إذا وقعت انتكاسة سياسية كبيرة، وتمّ الالتفاف على نتائج مشاركة العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة أو إقصائها.

– إن النظام إما أن يكون قويا من الداخل بسند شعبي أو يبحث له عن سند خارجي.. وجماعة العدل والإحسان منخرطة في إضعاف النظام لصالح أجندة خارجية، وهي لا تدري..

– نعم النظام الملكي اليوم أقوى من أي وقت مضى لأن شعبيته مرتفعة، وكل الأحزاب السياسية ملتفّة حوله، لكن هاجس الخوف من الجماعات الراديكالية، خصوصا منها الدينية، تجعل الأنظمة دائمة الحذر وتتخذ تحصينات استباقية..

وإلا فكيف نفسّر إدماج اليسار الراديكالي في محيط الملك؟؟ أليست العدل والإحسان تتحمّل جزء من المسؤولية في إنشاء حزب الدولة؟؟ فهي برفضها للنظام القائم تجعله يبحث عن التوازن بين المكوّنات السياسية، فيقرّب هذا ويبعد ذاك.. ولا يمكن مواجهة خصم إيديولوجي شرس إلا بتقريب أعدائه الإيديولوجيين الشرسين.. أما النظام الملكي نفسه، فليست له إيديولوجية ولا حزب، لكنه كأي نظام حكم في التاريخ يبحث عن استقراره..

– أعتقد أن الدولة العميقة أقوى من الجالس على العرش.. ولهذا يجب التعاون معه من أجل تفكيكها، وإعادة تركيبها وفق آليات ديمقراطية تستجيب إلى تطلعات الشباب وإكراهات العصر.. وقد كتبت مرارا أن الدولة المغربية لها “شخصيتها الاستبدادية” التي تشكلت عبر قرون، ولا يمكن تحريرها من الاستبداد إلا بالتدريج وبالتعاون مع النظام الملكي لأنه يشكل مؤسسة راسخة وجامعة.. وهذه المؤسسة بحاجة أيضا إلى التحديث..

بنية الجماعة بنية استبدادية:

– بنية العدل والإحسان في العمق بنية “الزاوية” التي تجعل الشيخ محور نشاطها، رغم إدخال تعديلات حديثة في شكل التنظيم مثل الانتخاب في اختيار النقباء.. إلخ ولهذا تتسرّب إلى كل خلاياها بعض الخرافات المتعلقة خصوصا بالمنامات والرؤى.. ولهذا السبب أيضا بعد وفاة الشيخ عبد السلام ياسين تمّ اختيار الأستاذ العبادي رفيقه في الدرب أمينا عامّا للجماعة، على كبر سنّه، فقد تجاوز 70 من عمره.. فكما لو أنّنا نزكي طريقة انتخاب بوتفليقة/العاجز..

– وبسبب بنيتها العميقة/الاستبدادية فإن جماعة العدل والإحسان لا تستطيع أن تقدّم بديلا ديمقراطيا للمغاربة يخرجهم من استبداد مخزني إلى الحرية والكرامة.. بل ستنقلهم إلى استبداد أشد لأنه مغلف بالدين.. أو ما يسمّى بإعادة السلطوية/الدينية، لكن لن تظهر خطورته إلا بعد جيلين أو ثلاثة من تسلمها الحكم – إن وصلت إليه – بحسب الدورة الخلدونية..

– إن جماعة العدل والإحسان مطالبة بإعادة قراءة مشروع الشيخ عبد السلام ياسين -رحمه الله- قراءة نقدية غير تقديسية، في كل جوانبه.. خصوصا منه الموقف من النظام الملكي؛ وهذا ما دعا له أخونا الأستاذ الناقد عبد العالي مجذوب من داخل التنظيم، فتمّ الاستغناء عنه.. وسبب ذلك كما بيّن هو نفسه في عدّة مقالات: الاستبداد داخل الجماعة..

– وحسبك أن تقارن بين الانتاج الفكري للجماعة بجوار إنتاج شيخها ومؤسّسها.. والخزانة المتنوّعة في الانتاج الفكري والسياسي والثقافي لحركة التوحيد والإصلاح.. يكفي أن تقوم بهذه المقارنة لتدرك من الذي يتمّ تركيعه لمنهج واحد وفكر واحد ورأي واحد..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M