فتاوى جديرة بالمدارسة: «قراآتٌ مِنْ مجموعِ ابنِ تيميةَ أُنْمُوذَجاً».. (2/2)

24 مايو 2014 14:40
فتاوى جديرة بالمدارسة: «قراآتٌ مِنْ مجموعِ ابنِ تيميةَ أُنْمُوذَجاً».. (2/2)

فتاوى جديرة بالمدارسة: «قراآتٌ مِنْ مجموعِ ابنِ تيميةَ أُنْمُوذَجاً».. (2/2)

د. عادل رفوش

هوية بريس – السبت 24 ماي 2014

يمعن شيخ الإسلام في ترسيخ قيمة العدل؛ وأنها مطلب شرعي وكل الطرائق الموصلة إليه ما لم تخالف نص الشرع؛ فهي عينُ الشرع، كما قرره في مواضع بل تسمية ذلك «سياسة» إنما هو اصطلاح؛ وأن الواجب تسميتها: «عدل الله ورسوله»..

(كما ذكر ابن القيم في الإعلام والطرق..).

فيرفع الحِسَّ التضامني مع هذا المتولي -على مضضٍ وفي بيئةِ مَكاره- إلى دعمه وإعانته والتخفيف عن كاهله بعدم إحراجه بمكاره المظالم التي حوله… فقال رحمه الله: (ولا يطالبُ والحالةُ هذه بما يعجزُ عنه من رفع الظلم… ولا إثم عليه في الدنيا والآخرة إذا كان مجتهدا في العدل والإحسان بحسب الإمكان… فإنه محسنٌ في ذلك غير مسيء…).

وقال: (..إذا رفع يده تولى من يقرُّهُ -أي الظلم- ولا ينقصُ منه شيئاً؛ هو مثابٌ على ذلك ولا إثم عليه ولا ضمان في الدنيا والآخرة..).

وقال: (إذا رفع يده تولى من يجورُ ويَزِيدُ الظلْمَ (و-في نسخةٍ-: يُرِيدُ الظلمَ) فولايته جائزةٌ ولا إثم عليه فيما يدفعه، بل قد تجبُ عليه هذه الولاية).

ثم هو رحمه الله يبين المسألةَ بضرب المثل فيؤكد المعنى بقوله: (فلو كان ذلك لا يجوزُ لأحدٍ أن يتصرف لغيره؛ لَزِمَ من ذلك فساد العبادِ وفوات مصالحهم؛ والذي ينهى عن ذلك لئلا يقعَ ظلمٌ قليلٌ لو قَبِلَ الناسُ منهُ، تضاعفَ الظلمُ والفسادُ عليهم؛ فهو بمنزلةِ من كانوا في طريقٍ وخَرَجَ عليهم قُطَّاعُ الطريقِ فإنْ لم يرضوهم ببعض المال أخذوا أموالهم وقتلوهم؛ فمن قال لتلك القافلة: لا يحل لكم أن تعطوا لهؤلاء شيئاً من الأموالِ التي معكم للناس؛ فإنه يقصد بهذا حفظ ذلك القليل الذي ينهى عن دفعه -(قلت: لأن القافلة عبارة عن بضائع للناس وودائع تنقل لهم هو لها ناقل).

ولكن لو عملوا بما قال لهم ذهب القليل والكثير وسُلِبُوا مع ذلك فهذا مما لا يشيرُ به عاقلٌ فضْلاً عن أن تأتي به الشرائع؛ فإن اللهَ تعالى بَعَثَ الرسلَ لتحصيلِ المصالحِ وتكْميلِها وتعطيلِ المفاسدِ وتقليلها بحسب الإمكان).

ولم يخل شيخ الإسلام حقيقةَ عَقْليةِ هذا الداعي لإخلاء المجال لغير الأصلح واستصعاب مدافعة ذوات الشوكة من المناوئين للعدل أو المهَمِّشين للدين وأَضرابهم؛ فيقول:

 (..كان هذا القائلُ مخْطِئاً جاهلاً بحقائقِ الدينِ، بل بقاءُ الخيِّر (أو الخيل نسختان!!) من الترك والعرب الذين هم خير من غيرهم وأنفع للمسلمين، وأقربُ للعدلِ على إقطاعهم مع تخفيفِ الظلمِ بحسبِ الإمكانِ خير للمسلمينَ من أن يأخذَ تلك الإقطاعيات من هو أقل نفعاً وأكثرُ ظلماً، والمجتهدُ من هؤلاء المقطعين كلهم في العدل والإحسان بحسب الإمكانِ يجزيه الله على ما فعل من الخير ولا يعاقبه على ما عجز عنه ولا يؤاخذه بما يأخذ ويصرف إذا لم يكن إلا ذلك وكان ترك ذلك يوجبُ شَرّاً أعظمَ منه).

ويؤكد شيخ الإسلام في سياق آخر أهمية مدافعة الظلم في تجنيب المجتمعات الفتن التي تشتت لحمته وتنهب مقدراته… يقول رحمه الله في المنهاج 4/323: (قال تعالى: «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصةً» فإن الظالم يَظْلِمُ فيُبْتلى الناسُ بفتنةٍ تُصيبُ من لم يظلمْ؛ فيَعْجِزُ عنْ رَدِّها حينئذٍ، بخلاف ما لو مُنِعَ الظالمُ ابتداءً؛ فإنَّهُ كان يزولُ سَبَبَ الفتنَةِ” اهـ.

فالسياسة مصطلح عائم إن لم تحدد معالم الخائضين فيه وقع الناس في أحد نقيضين؛ إما تضييع الحقوق بدعوى مخالفة الشرع، وإما إيقاع الظلم بدعوى أنها تصادم الدعوة. والواجب هو التحري حتى لا يقع ظلم ولا يخالف شرع؛ وتقريبا للنظر أحرر هنا باختصار خمسة احتمالات لمعنى السياسة في خضم المجادلات الواقعة بين فضلاء زماننا وبالأخص في التوجه السلفي…:

1- هل يراد بها منازعة الإمامة العظمى؟

فهذا مما لا يفكر فيه سلفي ولا يدعيه إسلامي وبالأخص في مغربنا الحبيب الذي ينعم بالتفاهم على إمارة المؤمنين طاعة وحكمة ويؤكدها من ثوابت الدين والوطن…

2- هل يراد بها السعي في إنشاء حكوماتِ ظِلِّ ومخططاتِ سِرٍّ؛ تمهيداً لقلاقل في البلاد يفتن بها الناس وتفسد بها الحياة؟

فهذا أيضاً خيالٌ وادعاء؛ يراد به الإيقاع بالصالحين لتبرير البطش بهم… ولذا كانت للدعوة السلفية جهود جبارة في مكافحة العنف والإرهاب آخرها ندوة ألقيتها شخصيا رفقة شيخنا الوالد الدكتور محمد المغراوي حفظه الله في غرفة التجارة.. بعنوان “ضرورة الأمن ومكافحة الإرهاب”، قال شيخنا بعدها يجب أن تكتب كلمتنا شعارا في أبواب دور القرآن ومداخلها…الخ.

كما أننا شاركنا سويا في وقفات وإصدار بيانات متعددة في مناسبات شتى تندد بالأفعال الإرهابية الإجرامية ومن آخرها التفجير المجرم بمقهى أركانة بمراكش.

وقبلها أصدر الشيخ المرابط الفاضل حماد القباج وفقه الله كتابين: السلفية في المغرب ودورها في محاربة الإرهاب والأدلة القطعية على تحريم التفجيرات التخريبية…الخ.

وقد أشاد الشيخ المغراوي حفظه الله أيما إشادة بذلك وبين «حقيقة التوفيق السلفي» في مقابلة مطولة مع قناة المعالي بعنوان الدعوة السلفية في المملكة المغربية أواخر سنة 2013 تقريبا… فأفاد وأجاد.. جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا ورحمنا الله وإياه…

3- هل يراد بالسياسة السعي للمناصب واتخاذ الدين مطية للمتاجرة بالشعارات؟

فهذه شبهة متهافتة لا تستحق عناءَ الجواب..

وقد أغنانا الله بواسع فضله عن فتات الدنيا وأوساخ الناس، وكما قال الشيخ الأمين صاحب أضواء البيان “ولو أردت المناصب لعرفت الطريق إليها”…

4- هل يراد بها اتخاذ الوسائل العصرية المتاحة قانونا ولا تناقض الشريعة؛ من نحو إنشاء الأحزاب ووسائل احتجاج وتعبير كالمظاهرات ومزاحمة الإعلام ومنافسة ضُلّاَلِ السياسيين وأذرعهم المتطاولة على المجتمع… فهذا أمر نسبي…

والاجتهاد فيه متأرجح بحسب المقاصد والعوائد؛ وتعتريه الأحكام الخمسة باختلاف الأمكنة والأزمنة وما إلى ذلك من اعتبارات لا تخفى على حذاق العلماء.. صوابا وخطأً..

وهو أمر يجب على العلماء تحري الحق فيه بلا عواطف ولا عواصف… الخ

5- هل يراد بالسياسة اتخاذ التدابير اللائقة والواجبة لتقوية حركة الإصلاح ومدافعة الباطل والفساد في كل مجالات الدين والوطن؛ فترصد المخالفات بالنصيحة والمنكرات بالدعوة والانتهاكات بالإنكار…

كل ذلك ببصيرة الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالأحسن هداية للأقوم… والطرق الحكمية والوسائل الشرعية…

فهذا واجب لا يجوز التفريط فيه ولا يليق بالعلماء والمصلحين تحاشيه وهو عين الدعوة ولب طريقة الأنبياء ومذهب السلف والخلف..

وهذا المعنى الخامس هو ما نقصد وندندن حوله حين نتبنى «الدعوة للإصلاح الشامل».

والله شهيد على ما نقول وهو حسيب من يروج الأراجيف..

وأما المعنى الرابع: فهو أمر تباحث دائم بحسب الثابت والمتغير وتحقيق المناطات في فقه الواقع وفقه التوقع. مما يعرف عند تكييف كل نازلة على حِدَةٍ…

وأما المعاني الثلاثة الأول فالله يشهد أنها ما خطرت لنا ببال ولا ساعدناها بحال ولا مقال، والأمر فيها أَجْلَى من أنْ يُجَلَّى…

وذكرناه تذييلا لفتوى شيخ الإسلام حرصا على تفادي التعميم الموقع في التضليل والتعتيم كما قال جل ذكره: «وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين».

ووصف كتابه الحكيم بأنه «كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير».

جعلنا الله وإياكم من أهل الله وخاصته المكرمين بالفتوحات على مَأْدَبَتِه… آمين…

والله أعلم…

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M