إفحام صاحب «القول النافح في دفع الغرابة عن صلاة الفاتح»؟

13 أغسطس 2014 12:47
إفحام صاحب «القول النافح في دفع الغرابة عن صلاة الفاتح»؟

إفحام صاحب «القول النافح في دفع الغرابة عن صلاة الفاتح»؟

د. محمد وراضي

هوية بريس – الأربعاء 13 غشت 2014

بتاريخ 4/7/2014م، نشرت جريدة إليكترونية مغربية مقالا مطولا للسيد أحمد الحراق، عنوانه: “القول النافح في دفع الغرابة عن صلاة الفاتح“. والكاتب -كما حددت هويته- باحث في الفكر الإسلامي وخطيب! فكونه باحثا في الفكر الإسلامي، نقول لا، وألف ألف لا؟ وكونه خطيبا: نقول نعم، وألف ألف نعم؟ إنما في حدود خطباء المساجد المغربية في وقتنا الغريب الراهن!

وبما أنه صال وجال، وخصني بنعوت منكرة، لن أكلف نفسي عناء سوقها جميعها إلى القراء لأنها تافهة! ولأنها نتائج انفعالية على لسان من طعن في أعز ما لديه! فإنني سوف أكتفي بالأهم الذي تعودت تعزيزه بأدلة نقلية وبأخرى عقلية. والأهم هنا يختزله سؤالان: ما الأفضل في الدين: قول الرسول وفعله وتقريره؟ أم قول وفعل وتقرير غيره فيه؟ ولا أظن أن عاقلا مؤمنا مخلصا في إيمانه سوف يقول: في الدين أقوال وأفعال وتقريرات، أفضل من أقواله ومن أفعاله ومن تقريراته صلى الله عليه وسلم!!!

وبما أن حماة هذا الزعم الأخير كثر، فإننا لا نملك غير نعتهم بكونهم يستدركون على الرسول وكأنهم يخطئونه! والمقال الذي نناقشه لم يقدم لنا غير نموذج واحد ممن يزعمون صراحة أو ضمنا بأن هناك في الدين ما هو أفضل من سننه صلى الله عليه وسلم ومتقدما عليها!!!

ولما لم أكن قد تسرعت في الرد على السيد الحراق، فإنه سارع إلى نشر المقال ذاته بجريدة “هسبريس” الإلكترونية الذائعة الصيت. ونظرا إلى أننا قد كنا في شهر رمضان الأبرك، فقد ألزمت نفسي بالتريث، حتى لا أفسد على الرجل اعتكافه – إن كان من ضمن المعتكفين – خاصة في العشر الأواخر. أما وقد أصبح لدي متسع من الوقت، فإنني أقدم له أولا وقبل شيء هذه الهدية التي أرجو أن يستقبلها بصدر رحب:

سوف ترى إذا انجلى الغبار***أفرس تحتك أم حمار؟

بعدها أخبره بأنني لست خطيبا مثله في زمن يجري الحديث فيه عن الإسلام المغربي الخاص! حيث يفرض على الخطباء والأئمة ما يقولون وما يفعلون! إنهم خاضعون للتعليمات الواردة في “دليل الإمام والخطيب والواعظ“! والذي يحمل توقيع كل من محمد يسف، رئيس المجلس العلمي الأعلى، وأحمد التوفيق وزير الأوقاف المشرف على مسمى تدبير الشأن الديني.

بدءا، ألفت نظر الحراق إلى محاولته المشينة للاستعداء علي بقوله: “ومما يستغرب القارئ له كذلك، ذاك الوصف الذي وصف به صاحب المقال الحضرة السلطانية، بكونها يمارس فيها المنكر علانية! لا لسبب إلا لأنها تختم بـ”صلاة الفاتح” هاته! هكذا وبجرة قلم، يتحول مجلس العلم والذكر (أي علم وأي ذكر؟) لدى صاحبنا (يقصدني) إلى مجلس منكر وضلال”!!!

وربما يريد الحراق المدافع باطلا عن أقوال وأفعال غير الرسول في وضح النهار، أن يؤلب السلطات على تأديبي! والحال أن الأمنيين حضروا إلي واستفسروني منذ أعوام عن فحوى مؤلفي “عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية“! ثم كفوا لاحقا عن الاتصال بي لاقتناعهم بأنني ملتزم بمنهج واضح في تناول القضايا الدينية، وهو منهج يقوم على الاستشهاد بالكتاب والسنة والمنطق العقلي الرصين المتزن، واعتماد المصادر المعتبرة، على عكس زعم صاحبنا الذي رماني من خلاله بعدم إثبات المصادر والمراجع، أو بتجاهلها، بالرغم من كوني أعرفها -في نظره- معرفة جيدة، مما يعني أنني كذاب! واتهام مثل هذا من الحراق زلة من زلاته التي وعدت بعدم الخوض فيها جميعها فمعذرة!

وما ألزمه به من تساؤلات، سوف يجعله -إن لم يجب عنها- في عداد المستدركين لا محالة على الرسول! وإلا فما الذي يعنيه عنده وعند غيره من الطرقيين قوله سبحانه -والخطاب موجه إلى مجتباه-: “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم“؟ أو لا يعني كونه هو المسؤول الوحيد عن بيان ما في الكتاب المبين الذي نزل عليه؟ أم إن غيره يستطيع أن يتولى نفس المسؤولية نيابة عنه؟ إنما هل بيان فحوى الخطاب الرباني إلى البشرية جمعاء سنته أم إنه غير سنته؟

وعندما خاطبه ربه بقوله: “وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة“، فهل كان يكفيه أن يقف عند حد تبليغ هذه الآية، ويترك أصحابه يبحثون بأنفسهم عن كيفية تطبيق مدلولها؟ أم إنه كان عليه أن يوضح لهم كيفية أداء واجب الصلاة وواجب الزكاة المفروضتين كركنين من أركان الإسلام؟

وبما أن بيانه لما نزل عليه من ربه هو كما قلنا سنته. فهمنا حينها جيدا قوله عز وجل: “وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول“، بحيث تكون الطاعة لمن لا يعلم بعد، هي متابعة وتنفيذ الأوامر والنواهي. ثم فهمنا بالمثل مدلول قوله سبحانه: “من يطع الرسول فقد أطاع الله“. بحيث تكون الطاعة على الدوام هي الاقتداء به في أقواله وأفعاله وتقريراته. وإلا فإنه لا معنى لقوله تعالى: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر“، فلزم دينيا ومنطقيا متابعته في كل شيء. نقصد في أمور الدين جميعها. بينما يظل الباب مغلقا أمام من يحاول الاقتداء بغيره فيها؟ خاصة وهو الذي قال: “صلوا كما رأيتموني أصلي“؟ وهو الذي قال: “خذوا عني مناسككم“؟

ومتابعة الرسول للتذكير مدخل وحيد إلى نيل حب الله ومرضاته. وإلا فما الذي يعنيه قوله تعالى: “إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم”؟ أو لا يعني أن حب الله لنا رهين بحبنا لرسوله؟ وحبنا له ليس في امتداحه، أو في الإكثار من إطرائه، إنما في انتهاج نهجه، أوفي الحرص الشديد على اتباع خطواته، أو على اقتفاء أثره. فإن قال لا للابتداع مسموعة مدوية، قلنا له نحن كذلك كأتباع مخلصين صادقين: لا، مسموعة مدوية! وإن لعن المبتدعين اقتدينا به فلعناهم مثله!

وحتى تكون أيها الخطيب على بينة من مفهوم السنة التي نعتز بها في مقابل البدعة، راجع قول الشافعي في “الرسالة” حيث يقول: “وما سن رسول الله، فيما ليس فيه حكم، فبحكم الله سنه. وكذلك أخبر الله في قوله: “وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله“؟ لكن غيره لا يسن السنن، وإنما هي من أصحابها مجرد إنشاءات في الدين، لم ينشئها صاحبها بحكم الله كالرسول عليه السلام. وهذا ما ورد في مقدمة تفسير ابن كثير بعد تقديمه لقوله صلى الله عليه وسلم: “ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه” قال: يعني السنة. والسنة تتنزل عليهم بالوحي (يقصد على الرسل) كما ينزل القرآن (على النبي صلى الله عليه وسلم) إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن. وقد استدل الشافعي رحمه الله على ذلك بأدلة كثيرة”. مما يبرهن على أن الصحابة أيا كان موقعهم من الصحبة، لا تنزل عليهم الأقوال والأفعال والتقريرات بالوحي، فكيف ندعي أنهم يسنون السنن؟ وكيف نمد هذه القناعة إلى الحد الذي نتكلم عنده عن سنن الأولياء والصالحين؟

وأنت أيها الخطيب عندما تتحدث عن صيغتي الصلاة على المختار المرويتين عن ابن مسعود، وعن علي بن أبي طالب، فإنما تتحدث عن صيغ لا تحمل نفس الطابع الرباني الذي تحمله الصيغ الواردة عن الرسول في نفس الموضوع! أي إنه بحكم الله يقول ما يقول. وبحكمه يفعل ما يفعل. وبحكمه يقرر ما يقرر! فافهم إذن إن كنت تريد أن تفهم ما هنالك من فروق بين المسنون وبين غيره من أقوال ومن أفعال من إحداث أصحابها!!!

وفي “الاعتصام” للإمام الشاطبي المالكي المتسنن نقرأ ما يلي: “عندما نقول: سنة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فمعنى هذا الكلام عند يحيى بن آدم (أحد شيوخ الإمام أحمد) أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو على تلك السنة. وأنه لا يحتاج مع قول النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول أحد”. فافهم مرة أخرى وتذوق! وفي ذات المصدر يسوق الشاطبي قول عمر بن الخطاب -وهو على المنبر بحضور جمع من الصحابة-: “أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت عليكم الفرائض، وتركتم على الواضحة، إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا”! وليس من ضمن السنن التي سنت -إن كنت تبحث عن الحق- إقامة مسمى “الحضرة” أو “العمارة”! وذكر الله جماعة على العموم، وبالاسم المفرد “الله الله”! و”هو هو”! و”يالطيف” على الخصوص! وبغيرها من صيغ التعبد التي أحدثها المتصوفة، وألزموا أتباعهم بالتوسل بها إلى الحق سبحانه! (= الصلاة المشيشية + دلائل الخيرات + حزب البحر وحزب البر للشاذلي + جوهرة الكمال للتجاني كمجرد أمثلة محدودة!) وكأن سنة المختار لم تعد تفي بالغرض!!! وإن ادعيت أن الممارسات التعبدية للطرقيين إضافة إلى مختلف قناعاتهم الفكرية مأثورة، عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلتقدم لنا على ما تدعيه أدلة دامغة؟؟؟

ولم يقف عمر عند الحد الذي وصفناه، يعني عند حد لا حق فيه لأي كان أن يفرض على المسلمين فروضا جديدة! أو يضيف إليهم سننا جديدة لم تكن لهم معروفة! فقد خرج ابن وهب (تلميذ مالك وأستاذ سحنون) وغيره عنه أنه قال: “السنة ما سنه الله ورسوله، لا تجعلوا حد الرأي سنة للأمة“! (و”صلاة الفاتح لما أغلق” حد الرأي) ثم تأبى أنت إلا أن تعلمنا كيف نستسلم لبدع تحيط بها الخرافات والأضاليل من كل جانب! وهي عندك داخلة في السنن! أو تجري عندك على الأقل مجراها!!!

وهب أن لكل صحابي صيغا للصلاة على نبي الهدى والرحمة،، وصيغا للاستغفار والتمجيد والثناء والتسبيح،، فهل نتعبد بها وفي الموضوع ذاته صيغ صحيحة مرفوعة إليه صلى الله عليه وسلم؟ (= لا اجتهاد مع النص)، وهذا عن الصحابة الذين نقف على دعوات وابتهالات وتضرعات منسوبة إلى بعضهم في الجزء الأول من “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي، دون أن نقف عليها في كتب السنن. لكن ماذا عمن لم يشموا رائحة الصحبة؟ ثم يدعون بأنه صلى الله عليه وسلم قابلهم في المنام أو في اليقظة؟ وأملى عليهم صيغا للأذكار مع ما يرافقها من فضل يحوزه من واظب على التعبد بها؟ وكأن الوحي لم ينقطع بعد؟ أو كأن الدين غير مكتمل؟ وأنه صلى الله عليه وسلم لم يبلغ كل ما أمر بتبليغه؟ حسب ادعاء المخبولين الذين يتقدمهم صاحب “صلاة الفاتح لما أغلق” في كتابه المسمى “جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني”. فقد قال تلميذه علي حرازم: “وسألته -رضي الله عنه- هل خبر سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كحياته سواء بسواء؟ فأجاب -رضي الله عنه- بما نصه: “الأمر العام الذي كان يأتيه عاما للأمة، طوي بساط ذلك بموته صلى الله عليه وسلم، وبقي الأمر الخاص الذي يلقنه للخاص، فإن ذلك في حياته وبعد مماته دائما لا ينقطع“!!! بحيث إننا وجدنا أنفسنا أمام ظلام دامس لا يصدر إلا عن الجاهلين بالدين! وإلا فأين للرجل الادعاء بأنه صلى الله عليه وسلم ماض في التبليغ بعد التحاقه بالرفيق الأعلى؟ والرجل المخبول الذي صدر عنه الظلام المتقدم، نسب إليه قوله -كما قال السيد الحراق وهو يدافع عنه- “إذا سمعتم عني شيئا فزنوه بميزان الشرع، فما وافق فخذوه وما خالف فاتركوه”!!! فيكون مطلوبا بإلحاح من الحراق أن يشرح لنا مصدر الزعم التجاني المتقدم قبله. يعني كونه صلى الله عليه وسلم يواصل التبليغ حتى بعد وفاته!!!

ونحن لا نملك غير أن نقول له ولغيره من المخدوعين بمقولات المبتدعين: إن العبرة قبل كل شيء بالإخلاص في حب رسول الله. والإخلاص في حبه هو حسن الأدب معه. وحسن الأدب معه، عدم تقديم أقوال وأفعال وتقريرات غيره في الدين على أقواله وأفعاله وتقريراته! فعند مسلم في صحيحه: “باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والناس أجمعين، وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة“!!! مما يعني أن كل من يقدم مقولات في الدين على سننه قصد التعبد بها، لا يعتبر مؤمنا على الإطلاق!!! فقط لأنه فضل أقوال وأفعال غير الرسول الذي لم نؤمر باتباعه؟

ومسلم -رحمه الله- لم يثبت هذه العبارات إلا اعتمادا منه على الكتاب والسنة، فقد استحضر قوله تعالى: “قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتي الله بأمره. والله لا يهدي القوم الفاسقين“!

فإن وجب علينا تقديم حب الله وحب رسوله، والجهاد في سبيله عز وجل، على حب آبائنا وأبنائنا وكافة الخلق، فمعناه وجوب التعلق بكتاب ربنا وسنة نبينا كتعبير منا عن حبنا لهما قبل غيرهما وبعد غيرهما. وهو نفس ما أكدته كتب الصحاح وكتب السنن. ومن جملتها ما ورد في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: “وماذا أعددت لها؟” قال: لا شيء، إلا أنني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقال: “أنت مع من أحببت”. قال أنس: “فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت. قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم“! وعند مسلم في صحيحه قوله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين“!

قال عياض رحمه الله: “ومن محبته صلى الله عليه وسلم نصر سنته والذب عن شريعته، وتمني حضور حياته، فيبذل نفسه وماله دونه. قال: وإذا تبين ما ذكرناه، تبين أن حقيقة الإيمان لا تتم إلا بذلك. ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته على كل والد وولد، ومحسن ومفضل، ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه فليس بمؤمن“!!! (راجع الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي). مما يعني تقدم ما روي عن الرسول على ما نسب وضعه إلى غيره. حتى ادعاء الحراق بأن الدروس الرمضانية، تختم مرة بصلاة الفاتح، ومرة بالصلاة الإبراهيمية، ادعاء خال تماما من احترامه وتوقيره وحبه صلى الله عليه وسلم!!! إذ لا يصح بتاتا إشراك غيره معه في أداء واجب ديني يترجمه قوله سبحانه: “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما“؟ وعندنا -كمصرين على اتباعه دون غيره- أن لا صيغة لأداء واجب الصلاة عليه، تتقدم أبدا وبأي وجه كان، على ما تعلمناه منه، لأن القرآن فرض علينا ذلك، ولأن السنة فرضته كذلك علينا بأكثر من دليل!!!

ولا تنس أيها الخطيب ما قدمه لنا النبي صلى الله عيه وسلم بوسيلة إيضاحية متميزة كعادته، فقد خط خطا وقال: “هذا سبيل الله. ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره وقال: هذه سبل على كل سبيل شطان يدعو إليه” ثم قرأ قوله سبحانه: “وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون“!!! مما يدل على أن أصحاب الطرق بعيدون عن الطريق المستقيم! وبالتالي ضالون عن سبيل الله!!!

قال ابن العربي المعافري: “حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا. وجب على كل حاضر أن لا يرفع صوته عليه ولا يعرض عنه (= أن لا يقدم على كلامه وفعله أي كلام أو أي فعل لغيره). كما يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به”. بحيث يكون من حرمته عدم الكذب عليه، وعدم ابتداع صيغ للأذكار يجري الاشتغال بها مع إهمال المرفوعة إليه، أو المروية عنه بسند صحيح!

وفي كتاب “الأذكار والدعوات” ساق الغزالي في “الإحياء” دعاء عائشة، ودعاء فاطمة، ودعاء أبي بكر، ودعاء بريدة، ودعاء الخضر عليه السلام، ودعاء غير هؤلاء! وبوجودنا أمام هذا الكم من الأدعية، لا بد من التذكير بضرورة البحث عنها في كتب السنن، ومتى وجدناها منسوبة إلى الرسول أخذنا بها بالضرورة والالتزام، وإن لم نجدها منسوبة إليه، اتخذنا منها موقفا مناسبا يخضع لاعتبارات لا مجال للخوض فيها، فقد صح عن أبي حنيفة قوله: “ما جاء عن النبي صلى الله عنه وسلم فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة تخيرنا، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال”. وصح عن الإمام مالك قوله – وهو بالمسجد النبوي -: “كل كلام يؤخذ منه ويرد إلا كلام صاحب هذا القبر“! يعني أن لي حرية رد أقوال غيره صلى الله عليه وسلم إن كنت مالكيا بالفعل! وفي الوقت ذاته أملك حق استهجان الخلط بين الطيب والنتن من الأشياء، كما يملك غيري حق استهجان هذه العملية!!!

وأظنك أيها الخطيب قد سمعت بالمسبعات العشر التي تعتبرها جميع الفرق الصوفية من ضمن أورادها. ولتفتح معي “جواهر المعاني” للتجاني، ولتقرأ على رسلك ما ورد في الفصل الأول من “مواجده وأحواله ومقامه المتصف به وكماله، حيث يقول: “سألت سيد الوجود (يقظة) عن فضل المسبعات العشر، وأن من ذكرها مرة لم تكتب عليه ذنوب سنة”. فوافقه صلى الله عليه وسلم على ما ادعاه بشرح واف لمختلف الأدعية!!!

والمسبعات العشر أصلها خرافة رواها الغزالي في الجزء الأول من “إحيائه” حيث قال: “روي عن كرز بن وبرة رحمه الله -وكان من الأبدال (سوف أشرح للقراء لاحقا من هم الأبدال)؟- قال: “أتاني أخ لي من أهل الشام فأهدى لي هدية وقال: يا كرز “اقبل مني هذه الهدية، فإنها نعمت الهدية”. فقلت له: يا أخي ومن أهدى إليك هذه الهدية؟ قال: “أعطانيها إبراهيم التيمي”. قلت: أفلم تسأل إبراهيم من أعطاها إياه؟ قال: “كنت جالسا في فناء الكعبة، وأنا في التهليل والتسبيح والتحميد والتمجيد، فجاءني رجل فسلم علي وجلس عن يميني، فلم أر في حياتي أحسن منه وجها! ولا أحسن منه ثيابا! ولا أشد بياضا! ولا أطيب ريحا منه! فقلت: يا عبد الله من أنت؟ ومن أين جئت؟ فقال: “أنا الخضر. فقلت: في أي شيء جئتني؟ فقال: “جئتك للسلام عليك وحبا لك في الله، وعندي هدية أريد أن أهديها لك”. فقلت: ما هي؟ قال: “أن تقول قبل طلوع الشمس وقبل انبساطها على الأرض وقبل الغروب سورة الحمد، وقل أعوذ برب الناس، وقل أعوذ برب الفلق، وقل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، وآية الكرسي، كل واحدة سبع مرات. وتقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سبعا، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم سبعا، وتستغفر لنفسك ولوالديك وللمؤمنين والمؤمنات سبعا وتقول: اللهم افعل بي وبهم عاجلا وآجلا في الدنيا والآخرة ما أنت له أهل، ولا تفعل بنا يا مولانا ما نحن له أهل، إنك غفور حليم، جواد كريم، رؤوف رحيم، سبع مرات. وانظر أن لا تدع ذلك غدوة وعشية”. فقلت: أحب أن تخبرني من أعطاك هذه العطية العظيمة؟ فقال: “أعطانيها محمد صلى الله عليه وسلم”؟؟؟ فقلت: أخبرني بثواب ذلك. فقال: “إذا لقيت محمدا صلى الله عليه وسلم فاسأله عن ثوابه، فإنه يخبرك بذلك”؟؟؟

فذكر إبراهيم -راوي الخرافة- أنه رأى ذات يوم في منامه كأن الملائكة جاءته فاحتملته حتى أدخلوه الجنة! فرأى ما فيها، ووصف أمورا عظيمة مما رآه في الجنة. قال: فسألت الملائكة فقلت: لمن هذا؟ فقالوا للذي يعمل مثل عملك (= يتعبد بالمسبعات العشر؟). وذكر أنه أكل من ثمرها وسقوه من شرابها! قال: فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سبعون نبيا وسبعون صفا من الملائكة (قدرته على العد قدرة فائقة!!!). كل صف مثل ما بين المشرق والمغرب (عن أي مشرق وعن أي مغرب يتكلم)؟؟؟ فسلم علي وأخذ بيدي! فقلت: يا رسول الله! الخضر أخبرني أنه سمع منك هذا الحديث (النبي هنا يقر بوجود الخضر!!!) إذ يقول: “صدق الخضر! صدق الخضر! وكل ما يحكيه فهو حق! وهو عالم أهل الأرض! وهو رئيس الأبدال! وهو من جنود الله تعالى في الأرض”!!! فقلت: يا رسول الله، فمن فعل هذا أو عمله، ولم ير مثل الذي رأيت في منامي، هل يعطى شيئا مما أعطيته؟ فقال: “والذي بعثني بالحق نبيا، إنه ليعطى العامل بهذا وإن لم يرني ولم ير الجنة! إنه ليغفر له جميع الكبائر التي عملها ويرفع الله عنه غضبه ومقته، ويأمر صاحب الشمال أن لا يكتب عليه خطيئة من السيئات إلى سنة (فليغرق إذن في ارتكاب ما شاء من الذنوب)! والذي بعثني بالحق نبيا، ما يعمل بهذا إلا من خلقه الله سعيدا، ولا يتركه إلا من خلقه الله شقيا“!!!

وتعليقا على ما في هذا الضلال من زندقة صريحة مفضوحة مكشوفة، قال الحافظ العراقي مخرج أحاديث “إحياء علوم الدين” بالحرف: “حديث كرز بن وبرة من أهل الشام، عن إبراهيم التيمي “أن الخضر علمه المسبعات العشر! وقال في آخرها “أعطانيها محمد صلى الله عليه وسلم” ليس له أصل! ولم يصح في حديث قط اجتماع الخضر بالنبي صلى الله عليه وسلم! ولا عدم اجتماعه به! ولا حياته! ولا موته”!!!

ولنتساءل مستغربين: ما الذي يمكن استخلاصه من ظلام الحكاية التي ارتبطت بها المسبعات العشر، والتي استفسر التجاني النبي بخصوصها في اليقظة! فأكد له صحتها التي تفيد بأن “من ذكرها مرة واحدة لم تكتب عليه ذنوب سنة”! وكيف بمن قرأها لمرات؟

أولا: لم يكف النبي صلى الله عليه وسلم عن التبليغ! إنه يبلغ في حياته وبعد مماته على حد زعم التجاني المذكور قبله! ثم إنه يبلغ بعد وفاته مرة في المنام ومرة في اليقظة!

ثانيا: ما يبلغه في المنام ويتم العمل به بعد الترويج له كالمسبعات العشر، لا بد أن يكون هو سنة من سننه! لأن السنة كما يعلم حتى صغار المتعلمين، هي أقواله وأفعاله وتقريراته. وما قاله للتجاني عن “المسبعات العشر” وما سوف يقوله له عن غيرها إنما هو من سننه صلى الله عليه وسلم!

ثالثا: قال عليه السلام لإبراهيم التيمي مرتين: “صدق الخضر! صدق الخضر”! وقوله هنا سنة! بل أكد قوله بالقسم فقال: “والذي بعثني بالحق نبيا، ما يعمل بهذا (= بالمسبعات العشر) إلا من خلقه الله سعيدا!!! ولا يتركه إلا من خلقه الله شقيا”! وهو أيضا كلام رسول الله! إلا أننا نحن لا نشم فيه غير رائحة الكذب والبهتان! يكفي أنه -عليه السلام- لم يكن يتعبد بالمسبعات العشر، مما يعني حسب قوله المتقدم، أنه خلق شقيا!!! والصحابة جميعهم معه خلقوا أشقياء!!! ومثلهم كبار الأئمة والمحدثين والعلماء والفقهاء لسبب واحد بسيط هو أنهم لم يتعبدوا بها! ومشايخ الطرق ومريدوهم هم وحدهم الذين خلقوا سعداء! وهذا قول الرسول، فهل نصدقه أم نكذبه؟ إليك أيها الخطيب الحراق كامل حرية الاختيار!!!

فضلا عن كون المنامات ليست من مصادر ديننا الحنيف، وبالأولى أن يكون ما ادعاه المخبولون من أخذهم عن الرسول يقظة مصدرا له؟

فلتصغ إذن أيها الخطيب -وأنت المدافع عما يجري بالحضرة السلطانية كما سميتها- لما أقول، عساك تدرك الفرق بين الحضرة التي تحاول الاحتماء بها -وهي حضرة أرضية زائلة نسبية- وبين الحضرة الإلهية التي نحتمي بها -وهي حضرة سماوية مطلقة أزلية-! (كل من عليها فان + كل شيء هالك إلا وجهه؟). وحتى تصغي جيدا، افتح معي عن طيب خاطرك كتاب “الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي” لصديقنا البحاثة الراحل محمد حجي رحمه الله. واقرأ على مهلك في الصفحة 53 تحت عنوان: “أذكار الزاوية الدلائية” ما يلي: “وكان الشيخ أبو بكر الدلائي يأمر مريديه أن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة ” اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبيء الأمي وعلى آله وسلم تسليما”. ثم لما حج محمد بن أبي بكر الدلائي، واتصل في مصر بالشيخ محمد البكري، وأخذ عنه طريقته الصوفية، كان من جملة ما رواه محمد عن هذا الشيخ “صلاة الفاتح لما أغلق” فجعل محمد بن أبي بكر يلقنها لمريديه في الزاوية الدلائية، بدلا من الصيغة الأولى التي كان عليها أبوه. والمعروف أن “صلاة الفاتح لما أغلق” هي الصيغة التي يلتزمها التجانيون في وردهم حتى اليوم. بل إننا نجد الورد الذي كان يلقنه محمد بن أبي بكر الدلائي يتفق تماما والورد الذي لقنه الشيخ التجاني لأصحابه”!!! وهذه صيغة صلاة الفاتح “اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق! والهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم”!

ولم نسمع عن الشيخ محمد البكري (انظر ترجمته في جامع كرامات الأولياء ليوسف النبهاني)، ولا سمعنا عن تلميذه المغربي محمد بن أبي بكر الدلائي، لا أصل “صلاة الفاتح لما أغلق” ولا مصدرها، ولا الفضل الذي يحصل عليه المتعبد بها، كما سوف نسمع بعد حين من رسول الله مصدرها، وفضل التعبد بها”!!! وهو ما وقفنا عليه في الجزء الأول من “جواهر المعاني”، حيث يقول تلميذ التجاني علي حرازم: وأما ورده “الذي يلقنه لكافة الخلق، والذي رتبه له سيد الوجود وعلم الشهود صلى الله عليه وسلم هو: أستغفر الله مائة مرة، والصلاة على رسول الله صل الله عليه وسلم بأية صيغة كانت مائة مرة. ثم الهيللة مائة مرة. وهذه الأذكار بعينها هي التي رتبها له صلى الله عليه وسلم وأمره بتلقينها لكل من طلبها من المسلمين على أي حالة، كان كبيرا أو صغيرا، ذكرا أو أنثى، طائعا أو عاصيا! لا يمنعها من أحد طلبها منه. وكون الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ب”صلاة الفاتح لما أغلق” أفضل وأكمل لما فيها من الفضل العظيم والثواب الجسيم الذي لا يقدر قدره إلا الذي امتن به من فيض فضله العميم. وفضلها سيأتي مبينا في محله إن شاء الله“!

وقبل أن نعطي الكلمة للتجاني لتحديد فضل الاشتغال ب”صلاة الفاتح لما أغلق” -وهو فضل لم يذكره لها محمد البكري، ولا ذكره لها تلميذه محمد بن أبي بكر الدلائي- أخبر القراء والخطيب الحراق في مقدمتهم بأنني وفقني الله إلى تحديد مصادرها في مؤلفي عن “التصوف الطرقي بالمغرب الحديث والمعاصر” هكذا: “اللهم صل على محمد”، عبارة واردة عنه صلى لله عليه وسلم. “والفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق” تغيير لقول علي بن أبي طالب في “نهج البلاغة” وهو: “الخاتم لما سبق والفاتح لما انغلق والمعلن الحق بالحق”. أما الهادي إلى صراطك المستقيم، فمأخوذ من قول الشاذلي في دعاء من أدعيته: “أسألك بالهادي محمد صلى الله عليه وسلم إلى صراط مستقيم”، مع إضافة الكاف إلى “صراط”، ومع إضافة الألف واللام إلى “مستقيم”. ثم ورد عند الجزولي في “دلائل الخيرات” “اللهم صل على سيدنا محمد حق قدره ومقداره” حيث أضيفت كلمة “العظيم” إلى مقداره كصفة.

فتكون “صلاة الفاتح لما أغلق” قد جمعت، أو ركبت من عناصر جاهزة معروفة مصادرها. أما الجديد المتصل بمصدرها وبالفضل الذي يحصل عليه المتعبد بها -كما سيقدمه التجاني- فهو الآتي:

قال في جواهره راويا يقظة -على حد زعمه- عن رسول الله كشيخ له في الطريقة الصوفية دون غيره: “أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها لم تكن من تأليف البكري، أي “صلاة الفاتح لما أغلق”، ولكنه توجه إلى الله مدة طويلة أن يمنحه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها ثواب جميع الصلوات! وسر جميع الصلوات! وطال طلبه مدة، ثم أجاب الله دعوته! فأتاه الملك بهذه الصلاة في صحيفة من النور (…) فلما تأملت هذه الصلاة وجدتها لا تزنها عبادة جميع الإنس والجن والملائكة“! وهذا افتراء مفضوح على الله وعلى الرسول وعلى المؤمنين! وقمة الضلال فيها أنها وحي، وأنها لم تكن من كلام بشر! وأنه لا وجود لأية عبادة أخرى أفضل منها للتقرب إلى الحق سبحانه! حتى ولو كانت هذه العبادة هي قراءة القرآن الكريم كما يدعي من يصطف خلفه ملايين الأتباع المخدوعين به!!!

أما عن فضلها فيقول رجل التضليل بامتياز: “سألته صلى الله عليه وسلم عن فضلها، فأخبرني أولا بأن المرة الواحدة منها، تعدل من القرآن ست مرات! ثم أخبرني ثانيا أن المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيح وقع في الكون! ومن كل ذكر! ومن كل دعاء كبير أو صغير! ومن القرآن ستة آلاف مرة لأنه من الأذكار“! (جواهر المعاني. 1/103)!

إنه كلام الرسول بعد وفاته بقرون!!! وبعبارة أخرى إنه حديثه أو سنته! حيث ينقض فيه ما أبرمه عندما سأله الصحابة عن كيفية الصلاة عليه! فعنده صلى الله عليه وسلم أن من قرأ “صلاة الفاتح لما أغلق” مرة واحدة، حصل على أجر من ختم القرآن ستة آلاف مرة! دون أن نستمر هنا في عرض بقية فضلها وما أحيط بها من بدع ضلالية! وإنما نحيل القراء الأكارم على “الجواهر” للإطلاع عليها بالتفصيل!

إنها إذن وحي من الله. ورسول الوحي كما نعلم هو جبريل عليه السلام! يأتي بخطاب الله إلى الأنبياء وإلى الرسل! ولا علم عندنا أنه يأتي به إلى الأولياء المزعومين!

ومتى ادعى الخطيب السيد الحراق أن التجاني أضيف إليه ما لم يصدر عنه، أجبناه فورا بأنه لا يوجد واحد من ضمن كبار أتباعه من أخبرنا بأن الوارد بخصوص فضل “صلاة الفاتح لما أغلق” في “الجواهر” مجرد كذب! وأنه لم يصدر عن الشيخ، بل العكس هو الصحيح! -نقصد تمجيد كل ما ورد عن التجاني جملة وتفصيلا- يكفي أن نحيله على كتاب “بغية المستفيد من منية المريد” للعربي بن السائح (دفين الرباط) وعلى كتاب “الدرة الخريدة في شرح الياقوتة الفريدة” لمحمد النظيفي السوسي (دفين مراكش). و”الياقوتة الفريدة” لإعلام القارئ هي “صلاة الفاتح لما أغلق”، إنها محور هذا الكتاب المؤلف من مجلدين ضخمين، ومن أربعة أجزاء (الطبعة الأخيرة 1404هجرية-1984م)، كما أحيله على كتاب “ترياق لمن فسد قلبه ومزاجه” للحسن البعقيلي السوسي (دفين الدار البيضاء)، والذي ادعى فيه -وهو يرد على انتقادات وزير المعارف المغربية على عهد الاستعمار: محمد الحجوي- أن “صلاة الفاتح لما أغلق” أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة من عند ربه ليلة الإسراء والمعراج“!!! وهذا معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان على علم بها وهو في مكة قبل الهجرة! ولما هاجر إلى المدينة المنورة، ونزل عليه قوله سبحانه: “إن الله وملائكته يصلون على النبيء يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما“. لكن الصحابة لم يعرفوا كيفية الصلاة عليه، فكان أن أملى عليهم “الصلاة الإبراهيمية” المروية عنه بصيغ مختلفة. مع أنه كان من المفروض أن يعلمهم “صلاة الفاتح لما أغلق” لأنه كان يعرفها ويعرف فضلها الذي أملاه على التجاني كمريد من مريديه، لا أن يخفيها عنهم كما فهم من كلام البعقيلي الذي يشاع في سوس أنه خليفة من خلفاء أحمد التجاني صاحب الوظيفة المعروفة! كما تقول إحدى المطربات الشعبيات!!!

فلزم بعد كل هذا البهتان أن يكون التجاني كذابا، لادعائه أن الرسول أخبره عن مصدر “صلاة الفاتح لما أغلق” (ومصدرها أوضحناه) وعن فضلها! كما لزمنا أن نصف البعقيلي بالكذاب، لأنه قدم ما هو أغرب مما رواه التجاني عن رسول الله صلى الله عليه سولم في اليقظة!!! فـ”صلاة الفاتح لما أغلق” عنده ليست وحيا نزل على البكري، فيكون قد كذب التجاني ورسول الله في الوقت ذاته!!! وإنما هي من ضمن الأسرار التي تلقاها صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج مباشرة من ربه! ولم يسلم الرسول المزعوم من الاتهام بالكذب! فقد ادعى أن “صلاة الفاتح لما أغلق”، أتى بها ملك إلى محمد البكري المصري في صحيفة من النور؟ وقال إنها ليست من كلام بشر؟ وقال عن فضلها الكثير مما لم نثبته كله لضيق المقام. وما ادعاه الخطيب الحراق من كونها كلام واضح لا غموض فيه من حيث المبنى والمعنى، لا بد أن نقوم بتفنيذه في مقال خاص بحول الله، حتى يدرك ويدرك القراء معه فحوى السياق الصوفي الذي تقدم عبره التجاني بشرحها شرحا ورد في “الجواهر” وفي غيره من مؤلفات التجانيين!

ثم نقول: بما أنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ كل ما أمر بتبليغه قبل التحاقه بالرفيق الأعلى (وهذا من المسلمات). وبما أن الدين قد اكتمل بنص القرآن (وهذا من المسلمات)! وبما أنه ترك لنا وصية غالية هي وجوب التعلق بالكتاب والسنة (وهذا من المسلمات)! وبما أنه حذرنا من الابتداع (وهذا من المسلمات)! وبما أننا أمام بدع يجسدها ما ادعى المخبولون بأنهم تلقوه عنه صلى الله عليه وسلم إما في المنام وإما في اليقظة (وهذا من الظلاميات)! وبما أن ما ادعوا تلقيه عنه مناف تماما لما جاء به. فلنقل لصاحبنا: إنك على غير هدى من الله ورسوله! وإنك لست أول سار غره قمر منير! كما أنك لست أول رائد أعجبته خضرة الدمن! وإنك إن عدت إلى مثل نفس اندفاعاتك للإساءة إلى نبي الهدى والرحمة، بتقديم كلام وفعل غيره على كلامه وفعله، فلن تعود -وأنت تحاججني- إلا بخفي حنين! خالي الوفاض! يعني بعبارة أخرى أن النعل حاضرة إن عادت العقرب! وأن العقاب لا بد منه إن أصر المذنب! وأنه كان عليك أن تستحضر قبل إقدامك على ما أقدمت عليه المثل المغربي الدارج: “لا تعلق فين تفلق”! وأن تضع نصب عينيك قوله عز وجل: “ولا تقف ما ليس لك به علم” أي تتبع ما لا تعلم! ولا تقل رأيت وأنت لم تر! وسمعت وأنت لم تسمع! وعلمت وأنت لم تعلم! وإن كان لديك المزيد، فأنا على استعداد لمواصلة التحاور معك حوله وبخصوصه! إنما مع إعلامك مستقبلا بضرورة تجنب الكثير من الهمز واللمز!!!

www.islamthinking.blog.com

[email protected]

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M