عندما يعجز القلم عن الكتابة..‎

01 ديسمبر 2014 00:24
عندما يعجز القلم عن الكتابة..‎

عندما يعجز القلم عن الكتابة..‎

بوجمعة حدوش

هوية بريس – الأحد 30 نونبر 2014

أخذتُ ورقة وقلما وأردت أن أكتب، فأبى القلم أن يطاوعني في الكتابة، أعدت المحاولة استجمعت أفكاري ووضعتها أمامه ليستعين بها في الكتابة، فلم أنل منه شيئا مما أريد، وقد أمسك مداده وزاد عناده وتحجر في مكانه، استغربت من أمر لم يحدث لي معه من قبل، وهو الذي كنت من قبل إذا أسررت له بخاطرة أو أطلعته على أمر سارع ليكتبه، بل مدني بأفكار لم تكن خطرت لي على بال، فما عساه اليوم قد استعصى على الكتابة.

خاطبته قائلا: ما بك؟ لماذا لا تكتب؟ هل عدمت مواضيع للكتابة؟ فالمستجدات كثيرة.

اكتب عن حالة الأمة وما وصلت إليه من تخلف في كل مجالات الحياة، قارنها بغيرها من الأمم التي حققت السبق في مختلف ميادين العلم والتكنولوجيا، بينما أمتك منغمسة في القتل والفرقة، فلا تسمع في نشرات أخبارها إلا قتل هنا، وفرعون يقتل شعبه هناك، ودولة مسلمة قطعت علاقتها بدولة شقيقة مسلمة، بينما علاقتهم بالدول الغربية متينة صلبة.

اكتب عن الجمعيات النسائية اللواتي يدافعن عن التبرج والسفور وعن الزنا والفجور، وإذا ما غار شاب على عرض أخواته المغربيات، وعبر عن رأيه بطريقته، رأيتهن يقمن الأرض ولا يقعدنها صراخا وعويلا وبكاء، ورأيتهن يتجهن إلى القضاء رافعات دعوة ضده بتهمة أنه يمس بحرية المرأة، وأنه يحجر عليهن حريتهن، أما الفتيات اللواتي يردن أن يلبسن الحجاب أو النقاب ففي نظرهن ليس من حقهن، لأن هذا اللباس ليس من تقاليد وأعراف مجتمعهم، فبأي ميزان تزن يا مناضلات عندما تمنحن المتبرجات حقوقهن وتحجرنها عن المحجبات، ثم من أعطى لكن حق عطاء الحرية ومنعها، فيا أيها النمل ادخلوا مساكنكم واشغلوا أنفسكم بعيوبكم.

اكتب.. أكتب عن البنية التحتية المزرية والكارثية التي يعرفها المغرب، فما إن أَمطرت السماء حتى رأيت مسئولينا قد زالت عنهم أقنعتهم السياسية وبدوا أمام أنظار المواطنين عراة، فعندما أراد الله سبحانه أن يفضحهم ويفضح أعمالهم، لم يرسل عليهم حاصبا ولم تأخذ أحدهم الصيحة ولم يُخسف بهم الأرض، ولم يُهلكوا بالطاغية أو ريح صرصر عاتية، ولم يُغرقهم بالطوفان، بل هي أمطار فقط عرّت المستور وأظهرت المخبوء وكشفت ما كان يُسره القوم، فهل هذا هو الإصلاح الذي صدعتم به رؤوسنا؟ أين هي الميزانيات التي نسمع عنها بين الحين والآخر؟ أين هي ثروت الشعب؟ أين ممتلكاته؟ لماذا لا تصرفونها فيما يعود عليهم وعليكم بالنفع، أم أن الجشع والطمع منعكم من إتقان أعمالكم، أم أن كروشكم الواسعة لم تسمح لكم بأداء واجبكم كما أراده الشعب منكم، فلماذا يوم الانتخابات تتسولون أصوات لتنتخب عليكم، ويوم يَجِدُّ الجد تتملصون من مسئولياتكم وترمونها على غيركم، فمن للأرواح التي أزهقت في هذه الفيضانات التي أصابت المغرب؟ فلماذا لا تقدًّمون إلى المحاكمة أفرادا وجماعات؟ أو على الأقل أن تطلبوا استقالاتكم وتذهبوا خزايا إلى بيوتكم، فمهما فعلتم فلن ترد أفعالكم أرواح الناس التي صعدت إلى بارئها.

اكتب يا قلم.. اكتب عن تعليم بلدك إلى أي درجة انحدر، فبينما التعليم في مختلف البلدان يتقدم سنة بعد سنة، نجد تعليم بلدنا الحبيب يتراجع خطوات إلى الوراء، وما ذلك إلا لأنهم يريدون أن يزرعوا شوكا في تربة لا تصلح لها، فكيف لثقافة الغرب أن توافق ثقافتنا وكيف لمناهجهم التعليمية أن تتوافق مع مناهجنا، وكيف لبرامجهم البيداغوجية أن تصلح لنا ونحن لدينا في تراثنا ما يكفينا ويكفيهم، ما يطور تعليمنا وتعليمهم، أم أن التبعية أعمت عيوننا عن النظر والتنقيب في تراث أجدادنا كي نأخذ منه ما يُصلح زماننا ويُنشئ نشأنا على ما نشأ نشؤهم من الخير والتقوى.

اكتب يا قلم.. اكتب فالمواضع كثيرة للكتابة.. أكتب عما استطاعت الحكومة تحقيقه وعما لم تستطع، قارن بينها وبين سابقاتها، ناقش رواتب وزرائها، فكيف يُعقل أن يكون راتب وزير عشرات آلاف الدراهم، بينما مواطن لا يجد عشاء يومه ولا غطاء لأطفاله في هذه الأيام الباردة، فأين التضامن الذي يتحدثون عنه؟ أين التكافل الاجتماعي؟ هل كان أولى من تلك المسرحيات التي يقومون بها على خشبة البرلمان في مشهد تمثيلي يصورون من خلالها دفاعهم -أغلبية ومعارضة- عن الشعب المغربي وغيرتهم عليه واستماتتهم في مطالبتهم بحقوقه أن يناقشوا رواتبهم أولا، وأن يتواضعوا ويضعوا نصف أو ثلثا رواتبهم عند الشعب المغربي، ويكتفوا بما يعيشهم حياة كريمة بعيدا عن طرف العيش والبذخ والرفاهية التي نتيجتها ظهور الطبقية المدمرة للمجتمعات أيا كانت هذه المجتمعات.

وإذا لم تستطع أن تكتب في مثل هذه المواضيع التي تظنها كبيرة ولا طاقة لك بها، فاكتب عن الأدب، اكتب عن الشعر، اكتب في مواضيع الجمال، اكتب في كل شيء ودعك من السياسة والسياسيين، المهم أن تكتب فأنت في”بلد حرية التعبير”، وكل من أراد أن يقول شيئا يقوله.

هنا انتفض القلم عندما استفززتُه بعبارة “بلد حرية التعبير”، وبدا الغضب ظاهرا على محياه، وقال: أتخدعونني أم تخدعون أنفسكم؟ هل توهمون أنفسكم أنكم حقا تستطيعون أن تكتبوا ما شئتم وتقولوا ما شئتم، ثم تفتخرون بينكم أنكم تعبرون عما شئتم كيفما شئتم؟ ثم من قال لكم أن تلك المواضيع التي تتحدثون فيها تدل على أنكم في بلد حرية التعبير، فهل حديثكم عن تخلف أمتكم يعبر عن حرية تعبيركم؟ هل حديثكم عن عَلمانيو بلدانكم الذين يزرعون ثقافة غيركم في أوطانكم يُعبر عن حرية تعبيركم؟ هل كتاباتكم في انتقاد سياسة مسئوليكم الفاشلة تعبر عن حرية تعبيركم؟.

كيف تطلب مني أن أكتب في مثل هذه المواضيع وأخوض غمارها وأناقش مستجداتها وأحلل أخبارها، وهي قد قُتلت كتابة ومناقشة وتحليلا مِن كل مَن يجعل مني خادما له. انظر إلى صفحات جرائدكم، ومواقع صحفكم هل ترى فيها من جديد، ثم ارجع البصر إليها مرة أخرى لتتأكد هل حقا تتمتع بحرية التعبير ليرجع البصر إليك خاسئا وهو حسير، فلا جديد.

إن درجة حرية التعبير التي يتمتع بها غيركم لم تصلوا إليها بعد، فلا تفتخروا بأنكم تتمتعون بحرية واهية وهمية. فإذا أردتم حقا أن تعبروا على مدى رقيكم في مستوى حرية تعبيركم، فاتركوا عنكم المواضيع التي قيل فيها ما قيل، وابدءوا الكتابة والمناقشة في المواضيع لم تفتح أبوابها بعد، مواضيع لا تزال رهن الصمت المطبق، مخبأة في دياجير الظلام، مقبورة في دهاليز الكتمان، سكت عنها كل من تعتبرونه من كتابكم، حينئذ.. وحينئذ فقط، عندما تقرعون طبول هذه المواضيع سأنصاع لكم وأكون خادمكم المطيع كما تريدون، أما الآن فلا تفرضوا علي أن أكتب في أمور لا أحب الكتابة فيها، والسلام.

https://www.facebook.com/hadouchboujam3a

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M