بعض مما كان يجب إثباته في الدساتير العربية والإسلامية؟

23 يناير 2015 20:36
بعض مما كان يجب إثباته في الدساتير العربية والإسلامية؟

بعض مما كان يجب إثباته في الدساتير العربية والإسلامية؟

د. محمد وراضي  

هوية بريس – الجمعة 23 يناير 2015

إذا كانت المصلحة العامة في مقدمة اهتمامات الحكام، فإن عليهم الإسهاب في شرح مختلف بنود أي دستور يقدمون على عرضه للاستفتاء، لأن بنوده لا توضع إلا لخدمة الأمة، لا لخدمة فرد أو أفراد من مواطنيها المعدودين من الوصوليين المستغلين! وشرح بنود الدستور تناط مسؤوليته بالمتنورين المنتمين واللامنتمين، منظورا إليهم كعيون بها ترى الجماهير، وكآذان بها تسمع! وكألسنة بها تتحدث! وكعقول بها تفهم وتفكر! مع اعتبار حضورها الذي لا يمكن وصفه بالطفيلي! أو النظر إليه كتدخل سلبي، أو غير مجد فيما لا يفهمه إلا جهابذة العقل والقلم والخطابة والبيان!

مما يعني أن شرح مضامين الدستور، لا بد أن يصل إلى كل بيت، وكأن الدولة في الإشراف على شرحها له تقوم بعملية إحصاء السكان. هذا الإحصاء الذي تتخذ كافة التدابير الضرورية لإنجاحه. فليتم -على سبيل المثال- عقد اجتماع مع سكان قرية في ساحة عامة، مع ضرورة حضور الجميع من رجال ونساء فيه. حتى ولو استغرقت الاجتماعات مع المواطنين في الحواضر وفي البوادي شهرا أو ثلاثة أشهر. دون إغفال الاعتماد على مختلف وسائل الإعلام المتوفرة. ودون إغلاق الرسمية منها في وجوه المتنورين الذين يحملون تصورات متقاربة أو متباعدة عن الدستور الملائم للأمة. والملائم لها بالتأكيد هو الذي يحقق مصالحها، ويدفع المضار عنها. بحيث نكون هكذا قد فتحنا فعلا أبواب الحرية والكرامة والديمقراطية أو الشورى على مصراعيها.

هذه الحيثيات التي نسجل من خلال تفعيلها احترام الحكام للشعوب، لم نجد لها حضورا في الأنظمة العربية والإسلامية المعاصرة. إنما الذي يحدث هو قيام حكامنا باختيار لجنة ترضى عنها لوضع أول دستور، أو لتعديله لمرات عدة تحت ضغط عوامل متعددة، بعيدا عن الحضور الشعبي، لا في صياغته ولا في تفعيله أو في تطبيقه!

فكلما غابت الشعوب عن المساهمة المباشرة في وضع دساتيرها، كلما غرقت أكثر في أوحال الاستبداد أو الدكتاتورية المفروضة عليها! بقدر ما تزداد حفرة التباعد بينها وبين حكامها اتساعا. أو بقدر ما تتعمق القطيعة أكثر بين الحاكمين والمحكومين! أو بين المأمورين والآمرين أو أولي الأمر! ولو أن هاتين العبارتين الأخيرتين تفقدان مدلولهما الثقافي والحضاري، إن أصرت الأطراف الحاكمة على منح الدساتير وكأنها صدقة!!! نقول: كأنها صدقة ما دام مانحوها يتصرفون تصرف المتصدق بما تملي عليه نفسه أن يتصدق به! والمتصدق عليه قد يكون في غاية الاحتياج، إلا أن ما يتفضل به المتصدق لا يغطي كافة حاجياته! إذ لا ينبغي أن تعطى الحرية جرعة جرعة! وكأن الشعوب مريضة! بينما المرضى في الحقيقة بداء العظمة والاستعلاء هم الحكام المستبدون!

إن الشعوب تريد حقها، ولا تريد أن تمد يدها في ذلة وانكسار نفس، لتتسلم بعضا من حقها لا أقل ولا أكثر! خاصة وأنه شتان ما بين بعض الحق وكل الحق. والسنوات تمضي والشعوب العربية والإسلامية حتى الساعة، لم تتمكن من انتزاع كافة حقوقها التي لا يفصلها عنها غير النضال والاستمرار في الاحتجاجات والاستهجانات المنصبة على ممارسات الأطراف الأخرى الغاصبة المعتدية!

ونذكر هنا قولتين للراحل محمد الخامس رحمه الله. أولاها قوله: “ما ضاع حق من ورائه طالب”، وثانيهما قوله: “لست ضد فرنسا ولكني مع حرية شعبي”!

وفي هذه الأيام التي نناجز فيها الغرب ويناجزنا مناجزة غير متكافئة وغير عادلة، كنت أطالع باهتمام وبتمعن شديدين، كتابا عن التاريخ الروماني، وتوقفت كثيرا عند مسمى “قانون الملكيات الصغيرة”، أو “قانون الإصلاح الزراعي” الذي هو من توقيع تيبريوس جراكوس. أحد أعضاء الجمعية القبلية. وينص -كما تقدم به إلى هذه الجمعية- “على أن لا يمتلك أحد أكثر من 500 فدان روماني من الأراضي العامة. يضاف إليها نصفها إذا كان لديه ولد واحد. ومثلها إذا كان لديه أكثر من ولد. وكانت الأراضي العامة أراضي تمتلكها الدولة. ولكن بعض النبلاء من طبقة السناتو (= مجلس الشيوخ) وغيرهم من ذوي الجاه والثراء، تمكنوا من وضع أيديهم عليها وحيازتها نظير إيجار لم يدفعوه بانتظام أو توقفوا عن دفعه”!

فدساتيرنا نحن كمسلمين -لا كوثنيين مثل صاحب النص- خالية من هذا التوجه! فآلاف الهكتارات قد تكون ملكا لشخص واحد! أو لأشخاص معدودين على أطراف الأصابع! وكأن الحنين إلى النظام الإقطاعي القديم يجرهم جرا إلى الوراء التاريخي! إضافة إلى النظام الرأسمالي الليبرالي الذي مكن ثلة قليلة من استغلال الحرية الاقتصادية وقانون العرض والطلب، فأصبحوا في صف الإقطاعية الصناعية، التي ترسم بتدخلاتها المباشرة وغير المباشرة سياسة عالم اليوم! هذا في الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن كبار الساسة في الدول الثرية، هم الذين يحركون الأحداث الكبرى ويقفون وراءها. في حين أن الرأسمال الإقطاعي، الذي لا يظهر أفراده في الصورة -لأنهم يعيشون بعيدا في جزر تشكل قصورهم النائية عن المدن الصاخبة الكبرى- هم الذين يحركون كل شيء حتى الحروب التي تمثل الآن اعتداءات سافرة على الشعوب، وخاصة منها العربية والإسلامية!

فإن غاب عن دساتيرنا تحديد مقدار الأراضي التي يسمح بامتلاكها، فقد غاب عنها التنصيص على منع تدخل القادة في ميزانية الدولة! وغاب عنها تحديد كيفية تسرب السيولة المالية إلى حساباتهم البنكية في الداخل والخارج! كما غابت عنها مساءلة قادة دولنا أمام البرلمانات وإن كانت عرجاء مصوتا عليها بنسبة 99 في المائة! إذ لا يعقل الحديث عن المساواة، بينما يتصرف قادة الدول في أراضينا وأرزاقنا وميزانيتنا دون ما رادع! كما أنه لا يعقل أن يضع حاكم يده على أرض مواطن لمجرد أن تلك الأرض تفيد هذا القائد أو ذاك لكون موقعها موقع استراتيجي يصلح لبناء قصر أو منتزه!!!

ونحن هنا لا نتحدث من فراغ وعن فراغ! فأول خليفة لرسولنا في دولة المدينة، حدد الخطوط العريضة التي على أي حاكم مسلم مراعاتها والاتصاف بها، والعمل على الترويج لها، وتوريثها خدمة للأجيال أو للأعوام القادمة.

لقد أخبرنا بأنه لا يدعي شخصيا أية أفضلية أو أي تقدم على غيره من المسلمين في تسيير شؤنهم العامة والخاصة كرئيس دولة، أو كقائد للأمة فقال: “إني قد وليت عليكم ولست بخيركم” بالمفهوم الديني والأخلاقي والسياسي. يعني أنه معرض مثل بقية الناس للوقوع في الأخطاء. ومن هنا دعانا إلى مراقبة تصرفاته، وإلى مساءلته دينيا وسياسيا في الوقت ذاته حيث قال: “فإن رأيتموني على حق فأعينوني“. يعني أنه يطلب منا العون الذي تقتضيه الأخوة الدينية والوطنية والإنسانية، للبرهنة على أننا كلنا مستشاروه. فمن لديه اقتراح ينطوي على مصلحة عامة، فليتقدم به إليه. وعليه هو أن يصغي إلينا جميعنا في احترام لرأينا الذي ينطلق من غيرتنا على كل أفراد أمتنا دون ما استثناء بينهم يذكر! وإن نصحناه وساعدناه، لا بد أن نمتثل لطلبه الثاني الذي هو دعوته إلى ممارستنا لنقد ما يصدر عنه من أعمال أو من أقوال في أي مجال: “وإن رأيتموني على باطل فسددوني” يعني قوموني، واحصوا علي أخطائي وزلاتي! وفي هذه الحالة، حالة مساعدتي وحالة قبولي لمآخذكم علي، لا بد لكم من طاعتي مقابل تدبير مختلف شؤونكم المتعلقة بالأفراد والجماعات، إنما بشرط  واحد هو أن أطيع الله فيكم حين قال: “أطيعوني ما أطعت الله فيكم“.

فيكون من جملة طاعته لله: اعتماد العدل والإحسان والأخوة والمساواة والحرية. هذه التي لولاها ما مارسنا النقد عليه، ولا تجرأنا على مساءلته أو على محاسبته. لكنه إن هو عصى ربه ولم يطعه، فلا طاعة علينا له كما هو بين في قوله “وإن عصيته فلا طاعة لي عليكم”. مما يدل دلالة قاطعة على أننا غير مضطرين لاستجداء غيرنا حتى يمدنا بمقتضيات أنظمة الحكم! وخاصة ما يتصل منها بالعلاقة بين القادة والشعوب أو الأمم.

فنكون هكذا قد فتحنا الباب للتعبير عن رفضنا لأي دستور ممنوح من جهة، واعتبار الدساتير الحالية ناقصة، ما لم  تشارك الشعوب في وضعها بالكيفية التي شرحناها بإيجاز، محاولين تقريب الصورة بالتحليل العقلاني، قبل اللجوء إلى نص للصديق أبي بكر، هو في الحقيقة زبدة عقلانية ناضجة لما يجب أن تكون عليه العلاقة في الإسلام بالذات، بين الأمة وقادتها في كل زمن وفي كل مكان!!!

الموقع الإلكتروني: www.islamtinking.blog.com

العنوان الإلكتروني:  [email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M