قطع اللجاج بتقويم ما في اعتدال أخينا القباج من اعوجاج (ج1)

11 فبراير 2015 22:19
قطع اللجاج بتقويم ما في اعتدال أخينا القباج من اعوجاج (ح7)

قطع اللجاج بتقويم ما في اعتدال أخينا القباج من اعوجاج (ج1)

ذوالفقار بلعويدي

هوية بريس – الأربعاء 11 فبراير 2015

صدق من قال: “أفرط فأسق“.

بعد طول انتظار وترقب لجديد ما وعد الأخ القباج قراءه بنشره بخصوص بيان منهاج أئمة أهل الحديث في تعاملهم مع المخالفين، وذلك إتماما منه لما ابتدأه في سلسلة مقالاته التي هي تحت عنوان (الاعتدال في نقد الرجال)، والتي تم نشرها بموقع “هوية بريس” وكان آخر مقالاته منها، مقاله الرابع بتاريخ 19 أكتوبر 2014. وقد ختم كلامه فيه بقوله: “وسيأتي بيان هذا الأصل بالتفصيل إن شاء الله تعالى..“. ولعل هناك حابسا حبسه عن إنجاز وعده، وحسبه عذرا في هذا ما نعلم عنه من كثرة مشاغله الدعوية وتحركاته وسفرياته.

ولولا خشية حدوث فارق زمني كبير -بين تاريخ مقالاته وما نود طرحه من ملاحظات- مما يضعف من أثر وتأثير ما سنطرحه ويهدر قيمته، ويفقد الاعتراض والرد ميزته، ما استعجلت ولا بدرت إلى كتابة هذه السطور. والموضوع ذو أهمية كبرى وبالغة في تقرير منهاج أهل السنة في الحكم على الطوائف والفرق والرجال. وذلك لارتباطه ارتباطا مباشرا بعلاقة المسلم السني ونوع معاملته للمخالفين له على مستوى المنهج والاعتقاد، من حيث أداء واجبه في النصح والأمر بالمعروف لهم والإنكار عليهم، وفق عقيدة الولاء والبراء.

والموضوع هو من حيث الأصل قد استنفذ العلماء وأهل الاختصاص في بحثه كل مجال، وطرقوا في فحصه كل باب؛ جرحا وتعديلا، فقد سبروا -رحم الله الجميع أمواتا وأحياء- أغواره، وأصلوا قواعده، وسطروا ضوابطه، وناقشوه مناقشة كاملة وافية. ومعاودة النظر فيه مرة بعد أخرى. كلما دعت إليه الحاجة، لَأمر محمود عند العلماء ومألوف في وسطهم العلمي، بل قد يتعين أحيانا إما لتصحيح مسار، أو تقويم اعوجاج، أو دفع تمييع أو حد من غلو أو غيرها من الأغراض المشروعة.

ولقد جاءت إسهامات أخينا القباج بمقالاته تلك، في إطار خدمت هذه الأغراض أو بعضها كما هو ظاهر من قوله: (إن من أهم ما ينبغي إصلاحه من أحوالنا وعلاجه من أدوائنا؛ هذا الغلو الذي استفحل بين كثير من الشباب السلفي المتحمس حماسا يدفعه إلى اقتحام معتركات صعبة والهجوم على مجالات هي أكبر منه بكثير..)1.

ورغم ما يتوفر عليه أخونا حماد القباج -كما عهدناه- من حسن سياقته في ديباجة الأفكار، إلا أنه في هذا الموضوع على الخصوص -حسب رأيي-، خاض فيه بشيء من القصور يحول بما يحدثه من تشويش على أذهان القراء وعقولهم دون تحقيقه الغرض من تصحيح المسار بدعوته إلى الاعتدال.

إلا أن الملاحظ هو أنه أوقع نفسه في زمن قياسي في حوادث قاتلة، وحسب تقديري أن سبب ذلك يرجع إلى امتطائه عالم الأفكار بعجلة وفرط سرعة دون تؤدة أو تأنٍ، وكما يقال في عالم السياقة السرعة تقتل. وكذا إلى عدم انتباهه إلى فروق دقيقة هي أشبه ما تكون بالعلامات الطرقية الموضوعة على جنبات الطرق، والتي وضعها علماء أهل السنة والجماعة، وذلك حتى لا يشتبه على من استعمل طريقهم؛ مسالك الحق بمسالك الباطل، والوسائل بالغايات، ومقام الموازنة عند التراجم بالجرح عند التحذير، وغيرها من الفروق أو العلامات.

ومن تلك الحوادث التي يمكن أن نسوقها على سبيل المثال في هذا السياق، للتذكير والتنبيه فحسب؛ حادثة موازنته بين العلمانية الديمقراطية والعلمانية الديكتاتورية2، حيث قبِل الأولى من باب أنه واقع ما له من دافع ورفض الثانية باعتبار أنها أشد ضررا على المسلمين من غيرها، ولم ينتبه أنه في موازنته هذه هو يوازن حينئذ بين نظامين جاهليين وليس بين وسيلتين، وأي الجاهليتين قبل المرء فهو قبل الكفر. وهذا الخلط عنده هو ناشئ من خلطه بين موضوع الانتخابات التي هي وسيلة لاختيار الأنسب، قد تتبناها أنظمة متعددة تبعا لأصول كل منها وقواعدها، وبين الديمقراطية التي هي نظام وضعي مستقل بأصوله، لا يمكن أن يكون غيره من الأنظمة ولا غيره يكون ديمقراطية. وحسبنا فرقا على سبيل المثال أن الديمقراطية تشترط في اختيار الأنسب -بما يتناسب مع أصولها- شرط المواطنة فقط، وهذا غير شروط الإسلام التي هي الدين والعلم والأمانة. ومثل هذا الخلط هو الذي جر أخونا القباج إلى الخلط في مناقشته إخوانه بين مشروعية العمل السياسي الذي هو من صميم ديننا الإسلامي، وبين نوع العمل السياسي الذي تحتاج مشروعيته إلى أدلة جوازه. الشيء الذي دفع به إلى وصف مخالفيه بالحيدة عن موضوع النقاش بقوله عنهم: (وحادوا عن موضوع النقاش ومجال الاختلاف؛ وهما: “مشروعية العمل السياسي بالضوابط الشرعية التي نص عليها العلماء في فتاويهم”)3. مع أنه ليس هناك سلفي يخالف في مشروعية العمل السياسي من حيث الأصل.

وكيف يصح هذا الوهم الذي رماهم به القباج وهم ممن يحملون راية الدعوة إلى تحكيم شريعة الله في واقع الناس؟! عجبا هم يناقشونه في نوع العمل السياسي وجزئياته، وهو يحاول أن يجعل الخلاف حول مشروعية العمل السياسي. اعلم جيدا أيها القارئ أنه ليس كل جزئية في العمل السياسي تكون مشروعة من جهة الممارسة والتطبيق العملي، بدعوى مشروعية العمل السياسي من حيث الأصل. لتعلم أن نقطة الخلاف بينه وبين إخوانه دون مراوغة، تدور حول نوع العمل السياسي وغطاء مرجعيته، وليس حول أصل مشروعيته. فتنبه!!.

ومن تلك الحوادث كذلك دعواه أن القرضاوي سلفي وذلك في مقال له بعنوان: “عن سلفية القرضاوي4 حيث خلط بين الخطأ مع سلامة الأصول في الاستدلال، والخطأ الناتج عن فسادها، والتفريق بين المقامين يعد من الفروق المنهجية في الحكم على الرجال عند أهل السنة والجماعة. وحسبنا في عدم الاعتداد بفتاوي هذا الرجل، وعدم ائتماننا له على ديننا، كثرة إخفاقاته سواء العقدية والمنهجية أو الفقهية. فهو على سبيل المثال حامل راية التقريب بين السنة والشيعة، والمعلن للحرب ضد أهل السنة لمواقفهم الصارمة ضد الرافضة. فلا كَلَّ ولا مَلَّ من رميه لأهل السنة بشتى التهم والأوصاف؛ مصدعو الصف، ومشتتو الشمل، ومفرقو الجماعة، وممزقو الوحدة، إلى غيرها من الأوصاف والشتائم؛ سطحيون، حرفيون،.. ناهيك عن مخالفاته الفقهية الغريبة ومن أغربها تلك التي قصر ذهنه فيها عن استيعاب تعلق شقها الفقهي بشقها العقدي وهي التي أباح فيها للجنود المسلمين في الجيش الأمريكي أن يضربوا إخوانهم المسلمين ويقتلونهم في أفغانستان. وحجته أن ولاء الجندي المسلم الأمريكي هو لوطنه أمريكا، وأن اعتراضه وعدم امتثاله لأوامر بلده سوف يعرض ولاءه ووطنيته للنقد والشبهة.

عجبا كيف فات هذا الرجل إدراك أن المسلمين لا تجمعهم إلا رابطة العقيدة. وأن العلاقة التي تجمع بينهم ليست هي علاقة الدم، ولا علاقات الأرض، ولا علاقات الجنس، ولا علاقات التاريخ، ولا علاقات اللغة، إنما هي علاقة الإسلام، وكل رابطة غير رابطة الإسلام يعدها المسلمون عصبيات ونعرات جاهلية تحت أي اسم أو لواء أو راية كانت سواء كانت تحت اسم وطنية أو لواء قومية أو راية شعوبية أو غيرها من الأسماء؛ وهم بما أنهم مسلمون هم متجردون من كل علاقة إلا علاقة الإسلام. فلا أخوة ولا راية ولا رابطة ولا أرض ولا وشيجة ولا وطن يجمعهم إلا أخوة وراية ورابطة وأرض ووشيجة ووطن الإسلام. فلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي إن ولاءك لفارس! ولا قال عليه السلام لصهيب الرومي إن ولاءك للروم! ولا قال عليه السلام لبلال الحبشي إن ولاءك للحبشة، ولا قال لأبي بكر العربي القرشي إن ولاءك لقريش! وإنما قال لهم المسلم أخو المسلم والمؤمنون إخوة بعضهم أولياء بعض.

فيا ترى أي مصلحة ارتأى القرضاوي هذا في إثارة نعرت الجنسية والوطنية بين مسلمين يجمعهم لواء الدينونة لله وحده، والعمل على تفتيت وحدة إسلامهم بنعرة أفغاني وأمريكي، في لحظة هم في أمس الحاجة إلى من يذكرهم برابطة إسلامهم، وأن ما دونها فهي روابط منتنة

وبعد هذا الاستطراد اليسير الذي تحتم الإتيان به في موضوع القرضاوي، والذي لا يخلو من الفائدة إن شاء الله، نرجع إلى ما كنا بصدده من سرد بعض الحوادث المتسلسلة التي أوقع أخونا القباج نفسه فيها، وقد كان في غنى عنها. والتي كانت آخرها وهي الباعث لي على خوض غمار الكتابة لمرة الثانية معه؛ حادثة دعوى الاعتدال وتصحيح المسار في نقد الرجال، حيث انتهى به الأمر في سلسلته5 إلى تقرير مبدأ: “توقير وتعظيم أهل السنة للمخالفين لهم في الاعتقاد”، وهذا كما هو معلوم عند غير أهل السنة، فضلا عن أهل السنة أنفسهم، أنه خلاف المقرر من منهج أهل السنة في معاملتهم المخالفين لهم.

إضافة إلى هذه الحادثة حادثة أخرى جاءت بعدها مباشرة، تضمنها مقال “قراءة علمية للثوابت الدينية للمملكة المغربية6 وهي تشبه سابقتها من حيث قوة الاصطدام شكلا ومضمونا، بما حوته من اعتدال أجوف عار، فيه تجنٍ على الحقيقة بادعائه براءة الجنيد من الدعوة إلى الفكر الصوفي الموغل في الخرافة والابتداع، والرجل متهم في عقيدته!!

وعلى كل فإن كان واجب النصح ألزمنا بتناول أخينا القباج والرد عليه، فإننا نجله ونحترمه ونكبر فيه جهوده الطيبة، واهتمامه -كما هو ظاهر- بالدعوة، وجمع طاقته وتوجيهه لها لنشر الخير والصلاح -نحسبه كذلك و الله حسيبه-، ولا نقول هذا مجاملة له، فإني والحمد لله عند من يعرفني أبعد ما أكون عن المجاملة، بل هذا الجانب من شخصيتي يعد عند أكثر إخواني من أظهر عيوبي.

فهو أخونا نحبه فيما أصاب فيه الحق، أما فيما نظن أنه خالف، فأهل السنة يرد بعضهم على بعض، وينصح بعضهم بعضا، وهذا الموقف منهم دليل على أنهم بفضل الله متجردون للحق. وفي هذا يقول ابن تيمية: (أن ما يجري من نوع تغليظ أو تخشين على بعض الأصحاب والإخوان… فليس ذلك غضاضة ولا نقصا في حق صاحبه ولا حصل بسبب ذلك تغير منا ولا بغض. بل هو بعد ما عومل به من التغليظ والتخشين أرفع قدرا وأنبه ذكرا وأحب وأعظم، وإنما هذه الأمور هي من مصالح المؤمنين التي يصلح الله بها بعضهم ببعض، فإن المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى. وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة؛ لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين. وتعلمون: أنا جميعا متعاونون على البر والتقوى واجب علينا نصر بعضنا بعضا أعظم مما كان وأشد. فمن رام أن يؤذي بعض الأصحاب أو الإخوان لما قد يظنه من نوع تخشين… فهو الغالط. وكذلك من ظن أن المؤمنين يبخلون عما أمروا به من التعاون والتناصر فقد ظن سوء وإن الظن لا يغني من الحق شيئا)7.

يتبع…

[email protected]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1– “الاعتدال في نقد الرجال” (ح1)، موقع “هوية بريس”.

2– أنظر كتاب “التؤدة والاستبصار” (ص:83) تأليف حماد القباج، وانظر غير مأمور عبر الشبكة العنكبوتية انتقادي له في هذه الجزئية في سلسلتي “وقفات مع كتابات ومقالات في الممارسة السياسية والأنظمة المعاصرة” (ح6)، موقع “هوية بريس”.

3– “الاعتدال في نقد الرجال” (ح1) موقع “هوية بريس”.

4– موقع “هوية بريس”.

5- سلسلة “الاعتدال في نقد الرجال” وهي في أربع حلقات.

6- موقع “هوية بريس”.

7- “مجموع الفتاوى” (ج6/ص:320).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M