أحزان على «موازين»

31 مايو 2015 19:40
أحزان على «موازين»

أحزان على «موازين»

مصطفى بونمار

هوية بريس – الأحد 31 ماي 2015

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً أمَّا بعد:

فتوعد الله عز وجل بالويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله بقوله: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: “لا تُكْثِرُوا الْكَلامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تُقَسِّي الْقَلْبَ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي“. 

في الوقت الذي تفاعل فيه المغاربة بمختلف فئاتهم، مع منع شريط سينمائي إباحي يهين كرامة المرأة المغربية والمجتمع المغربي، فإذ طلع علينا مهرجان موازين برضا فئات من المجتمع المغربي وقناة دوزيم لتبث السهرة لعموم المواطنين.

للمغنية الأمريكية “جينفر لوبيز” الفاجرة الساقطة وهي شبه عارية وسط مجموعتها من العراة في مهرجان موازين أمام مجموعة من المغاربة وفي أرض يرفع فيه الأذان، أين هي العقول؟ أين وزراة الأوقاف المسؤولة بالدرجة الأولى عن الإصلاح الأخلاقي؟ وأين عقول الذين حضروا إلى زريبة الحيوانات؟

فالله عز وجل أمرنا بالإصلاح لا الإفساد، فقال سبحانه: “وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ“.

لقد أصلح الله الأرض بإرسال الرسل وإنزال الكتب وتقرير الشرائع، ومن الفساد في الأرض، الوقوع في معاصيه، وإلغاء العمل بشريعته

وإن المتأمل في أحوال الناس اليوم ليرى عجباً ويسمع لغطاً، فقد أصلح الله لنا الأرض لنستمتع بخيراتها، وننعم بأمنها، ونعمرها بشريعة الله ونظامه. لكن الواقع في الأرض اليوم مخالف لكل المأمول والمتوقع.. ومصادم لفطرة الله.

يقول تعالى: “فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ“.

فساد ظاهر لم يدع للإصلاح مكاناً، وتغيير شامل لم يترك للثبات فرصة، فتن متلونة كقطع الليل المظلم تدع الحليم حيرانا. 

متى يتعظ القوم من شؤم الأرض الفاسدة بفساد أبنائها، ومتى يستيقظ المفسدون من غفلة إفسادهم للأرض، ومن قوة تجبرهم على العباد؟

إن كثرة أنواع المعاصي والمخالفات لشرع الله، سبب لزوال النعم ونزول النقم على الناس قال تعالى: (ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).

وإن أعظم فساد في الأرض التنكر لهذا الدين، لأنك بحضورك لموازين تنكرت لدينك بمعاداة هذا الدين ومحاولة إقصائه عن واقع الحياة، واعتقاد أن هذه الشريعة قد انتهى دورها في الحياة، وأن العالم يجب أن تكون له نظم وقوانين بعيدة عن هذا الدين وتعاليمه ومبادئه، تحت دعوى الإصلاح والانفتاح، فيفسد أولئك من حيث يظنون أنهم يصلحون، باتجاهات وأفكار ودعوات علمانية أو ليبرالية لا تمت للدين بصلة، ولا تحافظ على نسيج المجتمع ووحدته، ليعتبر من أعظم الفساد الذي لا يفطن له كثير من الناس، (أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ).

إن المتأمل في أسباب انتشار أي معصية أو فساد في حياة الأفراد والمجتمعات، ليدرك أن الفساد أين كانت صوره سواء كان فسادا اجتماعيا أو أخلاقيا أو ماليا أو إداريا، فإن هناك أسباب تقف وراءه إذ لا دخان دون نار، وأعظم سببين وراء انتشار المعاصي والفساد والانحراف:

أولا: ضعف الوازع الديني وغياب مراقبة الله وغياب إدراك الفرد أنه سيقف غدا بين يدي الله للحساب، إن الفرد عندما يجعل الله أهون الناظرين إليه، ويتناسى أو يتجاهل يوم العرض على الله، فتوقع منه أي شيء، ولماذا يقصر الفرد في واجباته؟

ولماذا يسعى الفرد وراء حطام الدنيا الفاني ولا يبالي من أي باب يدخل عليه المال من حلال أم من حرام؟ ولماذا، ولماذا؟

نعم إنه غياب مراقبة الله ونسيان يوم العرض على الله، نعم عندما غاب ذلك تجرؤوا على محارم الله، وجاهروا بمعصية الله، والبعض إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، “وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه”، غابت المراقبة ففعلت الفواحش والآثام، وأُكل المال الحرام، وتكالب بعض الناس على الحطام، فهل نسينا يا عباد الله أننا لن نحمل من هذه الدنيا إلا الأكفان وعملا صالحا نلقى به الله، والمصير حفرة إما أن تكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران، وبعدها السؤال والحساب، “وقفوهم إنهم مسئولون”، فلنعد للسؤال جوابا وللجواب صوابا.

ثانيا: من أسباب الانحراف والفساد ترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس لماذا، وبما اسحققنا ذلك؟ قال تعالى: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ“، وأخبر الله تعالى عن صفات المؤمنين فقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، فهلاّ تناصحنا يا عباد الله فيما بيننا، هلاّ أرشد بعضنا بعضا، كفانا لمزاً للناس، كفانا تبادلاً للاتهامات، كفانا تنظيرا، كلنا مقصرون ولا أحد يدعي لنفسه العصمة، وإن التناصح مسؤولية الجميع بالحكمة والموعظة الحسنه، في الإطار الذي أمر به الشرع الحكيم. 

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه في وقت كثرت فيه الفتن والمغريات، وتفنن فيه أهل الشهوات، ما أحوجنا إلى إصلاح ما فسد في قلوبنا، وأن نحيي واعظ الله في قلوبنا، وأن تكون التربية للأجيال في تبصيرهم بالحلال والحرام، وغرس الإيمان في قلوبهم، واستشعار مراقبة الله تعالى في نفوسهم، مع ضرورة التناصح بالحسنى حتى تصل سفينة المجتمع إلى بر الأمان، ونبني أجيالا مؤمنة بربها، نافعة لنفسها ودينها و وطنها وأمتها.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M