إشكالية التحديد والتمديد بين المقاربة القانونية والمقاربة السياسية
هوية بريس – ذ. امحمد الهلالي
بعد تصويت الأمانة العامة على مخرجات اللجنة التحضيرية وتسريب ذلك لجريدة بوعشرين، انطلقت التوضيحات والتوضيحات المضادة دفعت نائب الأمين العام إلى إصدار بلاغ بات في الموضوع.
في المقاربة القانونية
ومساهمة في النقاش القانوني يجدر بنا استحضار المعطيات التالية:
1- سبق للجنة المساطر أن قررت بنسبة 22 من أصل 60 عضو مجيزة بذلك تعديل المادة 16 من النظام الاساسي للحزب وعملها هذا يبقى توصية ينبغي ان يحال على المجلس الوطني.
2- وقبل ذلك بسنين سبق لنفس لجنة المساطر ان اعتماد قرارا مماثلا يخص توسيع نطاق تحديد الولايات من المسؤوليات التنظيمية الى المسؤوليات الانتدابية ممثلة في الترشيح للبرلمان.
3- غير انه لم يتم احالة التوصية المتعلقة بتوسيع تحديد الولايات الى المسؤوليات الانتدابية.
السؤال الاساسي هو اذا كانت الاحالة تلقائية، كما يصر بعض الاعضاء فلما ذا لم يتم احالة التوصية الاولى على المجلس الوطني؟ وهل الامانة العامة كانت في المرة الاولى مختصة بتعطيل الاحالة واليوم ليس لها هذه الصلاحية؟
4- ان الاهم من ذلك كله هو ان اللجنة المعنية سبق لها ان اعتمدت توصية تمديد الولايات من اثنتين الى ثلاثة بالنسبة للأمين العام لكن ذلك تم بعد انتهاء المدة القانونية للولايتين بما يزيد عن سنة كاملة؛ مما يجعل التعديل حتى بعد اعتماده لا يمكن ان يطبق باثر رجعي على المسؤولين المنتهية ولايتهم وفقا للمادة الاخيرة للقانون الاساسي التي نسي مقدمو التعديلات ان يجعلوها ضمن مطالبهم بالتعديل.
هذا التعديل في حالة نال الاغلبية في المجلس الوطني وهو ما ليس مؤكدا باعتبار نتيجة التصويت في اللجنة والتي رغم التعبئة الكبيرة فان ذلك لم يقنع الكثيرين ممن تغيبوا او حضروا بالخروج عن مألوفات الحزب في جعل القوانين والمبادئ تسمو على الاشخاص وتعلو على الممارسات مهما كانت الدوافع. هذا التعديل كما قلنا يتوجب ان يعرض على المجلس الوطني من أجل الفصل فيه، وذلك بعد الحسم في نازلة من يحق له الاحالة على المجلس هل الامانة العامة أم الاحالة التلقائية وعند الاختلاف يتم الرجوع الى المادة التي تحدد من له صلاحية تفسير القانون وذلك لكي يكون ضمن المشاريع المعروضة على المؤتمر.
5- إذا اعتمد المؤتمر التعديلات المعروضة عليه سوف يكون المعني بها هو الامين العام المقبل وليس الامين العام المنتهية ولايتيه اذا راعينا عدم رجعية القوانين المنصوص عليها في المادة الاخيرة من النظام الاساسي السابق الاشارة اليها، لان ولاية الامين العام الحالي انتهت ولم يتم تمديدها قانونيا بموجب قرار المؤتمر الاستثنائي اي عندما تم الابقاء على نص المادة 16 المتعلقة بتحديد للولايات ولم يتم تعطيلها لتتخول الى ولايتين وسنة، على اعتبار ان قرار المؤتمر الاستثنائي مدد في تطبيق النص وتنزيله اي في الاختصاص الزمني للمسؤولين وليس في النص القانوني في حد ذاته.
وعلى هذا الاساس وفي كل الاحوال المعالجة القانونية لا تخول امكانية تغيير القانون على المقاس او تفصيله على الوقائع تحت طائلة فقدانه لخاصية التجريد والعموم.
في المقاربة السياسية للراهن الحزبي
وهنا سيقول قائل بان الامر سياسي وليس قانوني وسنرد عليه بالإيجاب، لكن مع تساؤل عن لماذا اذن تم تفعيل المساطر القانونية وتم تعطيل النقاش السياسي؟ وهل من الحكمة السير في خيار معين الى نهايته فاذا كانت نتائجه مخالفة لما نصبو اليه نعدل عنه ونقرر انه ليس هو المخرج؟
عند الرجوع الى اصل المشكلة اي المقاربة السياسية فإننا نجد انفسنا امام مفردات ” السياق الدولي” و”صدام الدولة معنا” وليس صدامنا نحن مع الدولة. والانجرار إلى “الصراع مع الملكية” التي تدفع اليها القوة الثالثة في مثل هذه المحطات. وهي مقولات لا تعني اتهاما الى الامين العام لأنه أبعد الناس عن ان يقصد ذلك رغم بعض تصريحاته التي يمكن ان يؤولها البعض على انها غير بعيدة عن مثل هذه الممارسات.
إن السؤال السياسي الاهم في هذه الحالة هو لمن الاولوية هل للمحافظة على ما تبقى من الارادة الشعبية ودعم قرارنا بالتجاوب مع قرارات الملك وارادته التي عبر عنها بوضوح من اجل العمل مع حزبنا الذي نعته بالحزب الوطني وكذا في الاشارة الاخيرة التي تم فيها اعاد حزبنا عما سمي بالزلزال السياسي تقديرا لأدواره واقتناعا بأهمية استمراره، ثم التفرغ لمناهضة استعادة المبادرة بإحياء حزب الدولة جنبا الى جنب مع التوجه الى المواطنين لمنع تنفيرهم من السياسة وصناعة العزوف الانتخابي كما جرى في الانتخابات الجزئية، ثم الانخراط في اسبقية التأطير والتوجيه والتكوين والاقتناع بأهمية الأحزاب الوطنية خاصة تلك التي تعلي من شان الوطن وتضعه فوق مصلحتها الخاصة ولا تنجر الى الانتقام لنفسها كما هو دأبها في المحطات المفصلية وتضحي بحقها الانتخابي لفائدة الانتقال الديموقراطي؛ واخيرا العمل على تكثيف شروط بناء جبهة وطنية من الاحزاب المستقلة والنقابات الجادة والمجتمع المدني ذي المنزع الديمقراطي والشخصيات الاعتبارية، على قاعدة “شراكة وطنية لتحصين التجربة الديموقراطية والعدالة الاجتماعية” وهي مهام لا تتم بمعزل عن دعم الحكومة وتحويلها الى خط الدفاع الأخير على الارادة الشعبية والمكتسبات الديموقراطية والاجتماعية. باعتبارها المعبر المفترض عن ارادة للناخبين أم أن الأولوية هو أن نغامر بكل هذه الانجازات ونحول حزبنا إلى حلبة للفرجة والتشفي..
في الحاجة إلى خيار ثالث
اعتقد اننا بحاجة الى تحديد واحب المرحلة قبل اختيار من يصلح لتنزيل هذا الواجب.
الى حين ذلك اعتقد دائما ان التفكير بالخيار الثالث يبقى هو الانسب مع ثقافة الحزب ومنهجه الذي اختاره منذ تأسيسه.
وعند الحديث عن الخيار الثالث فهو قطعا ليس في عالم الاشخاص وانما في عالم الخيارات ودائما في نطاق سمو المبادئ ومكانة الاشخاص.
الخيار الثالث هو في المحصلة احترام المكتسب الديموقراطي المتعلق بعدم التراجع عن تحديد الولايات بل وتوسيعها لتشمل المسؤوليات الانتدابية اولا بغاية توسيع المشاركة، ولتفادي تراكم المهام وتراكم الامتيازات والتعويضات حتى وان كانت مشروعة والتي يغمز الحزب منها .
الخيار الثالث هو الجمع بين احترام القانون وانزال القيادات المكانة اللائقة بهم وبعطاءاتهم وادوارهم. اما من حيث المضنون فان الذكاء الجماعي للحزب قادة وقواعد لن يعدموا الخيارات لإحلال زعيم الحزب المكانة التي تليق بأدواره المستقبلية التوجيهية والتأطيرية والمرجعية وبأدواره واسهاماته كزعيم وطني للحزب والبلاد ورائد من رواد البناء الديمقراطي وقائد لتجربة استثنائية في الحركة الاسلامية العالمية التي استطاعت الدمج الايجابي بين المرجعية والديموقراطية وبين الانحياز الى الاصلاح وارادة الشعوب دون التضحية بالاستقرار وتثمين المنجزات وبين الانجاز ونظافة اليد.
إن الخيار الثالث أيضا هو الجمع بين دعم الحكومة وتوفير تغطية حزبية فعلية وليس صوتية لها والتحضير الجيد لمحطة 2021 بخصيلة حكومية مشرفة وبحزب متماسك وموحد ومعبأ يمكنه ان يعقد مؤتمرا استثنائيا لإعادة انتخاب الاستاذ عبد الاله بنكيران امينا عاما للحزب بشكل تلقائي فيضيف إلى حجم انجازاته الوطنية والديموقراطية إنجازات أخرى تتعلق بتماسك ووحدة الحزب واحترام خياره الديموقراطي وقوانينه الداخلية. فنربح في الحالة هاته ليس على المدى القصير وحسب ولكن على المديين القصير والبعيد معا.
لكل هذه الاعتبارات رفضنا تفصيل القانون على مقاس الأشخاص رغم قناعتي بأهمية هؤلاء الأشخاص لكن دخولهم من الباب أولى من إدخالهم من النوافذ.
والله أعلم.