تسريبات أحد الموظفين.. فضيحة جديدة لعملاق التواصل الاجتماعي (فيسبوك)
هوية بريس – وكالات
وصل أحد الموظفين داخل شركة “فيسبوك” (Facebook) العملاقة -البالغ عددهم 60 ألف موظف- إلى نقطة الانهيار مما دفعه إلى تسريب جبال من الوثائق السرية، وتسليمها إلى صحيفة “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal)، والأهم من ذلك، إلى الكونغرس الأميركي ولجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، الجهة المنظمة لسوق الأوراق المالية.
زلزال الوثائق
ويبدو أن مقدمات الزلزال لمحتوى هذه الوثائق السرية بدأت تتشكل في تحقيق وشيك في الكونغرس، ومطاردة داخل شركة فيسبوك لمحاولة معرفة من المسرب، وسلسلة من أخبار الفضائح التي نشرت بعض ما احتوته هذه الملفات التي بدأت تتوالى. وقد وعدت صحيفة وول ستريت جورنال بالمزيد مما أطلقت عليه اسم “ملفات فيسبوك”.
شركة ذات وجهين
ويقول تقرير لصحيفة “التايمز” (The Times) أن الصورة التي تظهرها هذه التسريبات هي أن فيسبوك شركة “ذات وجهين” تبلغ قيمتها تريليون دولار، وهي تسعى بعمق لفهم أوجه القصور فيها وبالتفصيل الدقيق -بدءا من كيفية تقويض تطبيقاتها للديمقراطية إلى كيفية إلحاق الضرر بالصحة العقلية للمراهقين- ولكنها، في الوقت نفسه، إما غير راغبة أو غير قادرة على معالجتها، فحتى عندما تحاول، تأتي بنتائج عكسية بشكل مذهل.
قصة مقاومة اللقاحات
من بين أهم الملفات التي تم الكشف عنها أنه رغم التعهد العلني للرئيس التنفيذي لفيسبوك، مارك زوكربيرغ، باستخدام قوة المنصة لتشجيع الناس لتلقي اللقاحات الخاصة بكوفيد-19 (Covid-19)، فإن الباحثين في فيسبوك حذروا هذا العام من أن صفحات الموقع تتحول بسرعة إلى “بؤر لمحتوى مضاد للقاحات”، مع نشر 775 مليون تعليق مضاد لتلقي اللقاح كل يوم.
هل أنت في القائمة “إكس”؟
كما كشفت الصحيفة أيضا عن تفاصيل “القائمة البيضاء” على فيسبوك، وهي فئة “غير مرئية” داخل النظام تضم ما يقرب من 6 ملايين شخصية بارزة، من لاعب كرة القدم نيمار، إلى المؤثر في مجال الحيوانات دوغ ذا باغ، والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (قبل تعليق حسابه)، والذين يُسمح لهم كسر قواعد النشر عبر نشر محتوى متطرف أو مؤذ، لا يسمح لغيرهم بنشره وقد يتسبب في تعليق صفحات من يقوم بنشر مثل هذا المحتوى ما عدا من هم في هذه القائمة.
وعادة، يتم حذف المشاركات التي تنتهك القواعد بإيجاز أو إرسالها إلى المشرفين البشريين لاتخاذ قرار سريع. ولكن وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن أكثر من 40 قسمًا داخل فيسبوك لديها القدرة على إضافة أشخاص إلى قائمة “إكس تشك” (Xcheck) الخاصة، وهي قائمة تحتوي على حسابات المستثنين من رقابة فيسبوك على النشر.
مجلس الرقابة مجرد واجهة
في مايو الماضي، طلب مجلس الرقابة -وهو هيئة مستقلة أنشأتها فيسبوك عام 2019 بوصفها نوعا من المحكمة العليا للتعامل مع أكثر القضايا المربكة- بيانا تفصيليًا عن كيفية عمل نظام الإشراف على قائمة “إكس تشك” للشركة، وعدد المرات التي تم السماح لهم بكسر قواعد النشر.
والغريب في الأمر أن الوثائق ذكرت أنه في الغالب لا يوجد سجلات لمن قام بإضافة هذه الحسابات لهذه القائمة. وقد أصبح الأمر صعب التتبع لدرجة أنه لم تتم مراجعة سوى جزء صغير من المنشورات الواردة في القائمة. ونتيجة لذلك، تم منح المشاهير حقًا مطلقًا لنشر ما يحلو لهم، في حين كان الجميع محكومًا بقواعد صارمة تهدف إلى الحفاظ على نشر محادثات حضارية وآمنة.
أثارت هذه المعلومات -التي نشرتها وول ستريت- المخاوف من أن مجلس الإدارة، الذي يضم 20 عضوا بمن فيهم قادة العالم السابقون وحائزون على جائزة نوبل مثل توكل كرمان، ليس سوى واجهة ودعامة علاقات عامة من دون أي فعالية تذكر.
فمنذ أن بدأ الاستماع إلى القضايا في ديسمبر الماضي، تلقى المجلس أكثر من نصف مليون استئناف، وعادة تكون حول قرارات فيسبوك إما بحذف منشور أو تركه، لكنها لا تستطيع استدعاء المستندات أو مقاضاة المديرين التنفيذيين أو فرض الغرامات. ويحصل كل عضو على راتب مكون من 6 أرقام في حين يعمل بمعدل 15 ساعة أسبوعيا فقط!
نيمار نشر لقطات من مراسلاته مع امرأة اتهمته بالاغتصاب، بما في ذلك صورها واسمها الكامل، تم ترك المنشورات لأكثر من 24 ساعة وشاهدها ما لا يقل عن 56 مليون شخص (مواقع التواصل)
قصة نيمار
عام 2019، عندما اتهمت امرأة نيمار بالاغتصاب، لجأ مهاجم باريس سان جيرمان إلى فيسبوك و”إنستغرام” (Instagram)، حيث لديه 161 مليون متابع، للدفاع عن نفسه.
ونشر لقطات من المراسلات مع تلك المرأة، بما في ذلك صورها واسمها الكامل. وتم ترك المنشورات لأكثر من 24 ساعة وشاهدها ما لا يقل عن 56 مليون شخص، وهذا مناف لقواعد النشر على المنصة.
وعلى الرغم من معرفة الإدارة الدقيقة بمشاكل البرنامج، أخبر فيسبوك مجلس الرقابة أن تتبع البيانات “غير ممكن”.
وقال هاني فريد، خبير وسائل التواصل الاجتماعي في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، الذي أدلى بشهادته أمام مجلس الإدارة هذا العام عندما كان الجدل قائما بشأن حظر فيسبوك لترامب، إنه “متفاجئ” من قلة معرفتهم -أي مجلس الرقابة- بقضايا مثل المعلومات الخاطئة عبر الإنترنت والتطرف، التي كانت جوهر القضية.
وتابع “لست مندهشًا بشكل خاص من أن فيسبوك ربما حجبت المعلومات” وأضاف “اعتقدت دائما أن مجلس الرقابة كان مجرد حيلة من فيسبوك في مجال العلاقات العامة”.
فيسبوك كانت تعرف أن صحة المراهقات في خطر
وكشف تقرير آخر من التسريبات عن بحث داخلي على إنستغرام يوضح بالتفصيل كيف أن تطبيق الصور يضر بالصحة العقلية للفتيات الصغيرات، حيث أجرت الشركة العديد من الدراسات حول تأثيرات التطبيق على الصحة العقلية منذ عام 2018، وتوصلت جميعها إلى استنتاجات مماثلة، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال.
ففي إحدى هذه الدراسات، وجدت إنستغرام أنه من بين المراهقين البريطانيين الذين تحدثوا عن أفكار انتحارية، فإن 13% منهم أخذوها من التطبيق، حيث تدمر مجموعة لا تنتهي من الصور “الجميلة” لأقرانهم والمشاهير تقديرهم لذواتهم، مما يجعلهم في حالة نفسية سيئة.
وقال أحد التقارير لعام 2019: ” التطبيق يجعل فكرة الفتيات حول صور أجسادهن أسوأ بنسبة فتاة واحدة من بين كل 3 فتيات مراهقات”. وأضاف أن معدلات القلق والاكتئاب المتزايدة “كانت غير مسبوقة ومتسقة عبر جميع الفئات”.
وقالت إيان راسل، التي انتحرت ابنتها مولي (14 عامًا) عام 2017، إن إنستغرام “ساعد في قتل ابنتي” بعد أن وجدت مواد تتحدث عن إيذاء النفس والانتحار في حساب “تلميذة لندن”.
وقال آندي بوروز، رئيس سياسة سلامة الأطفال عبر الإنترنت: “هذه المشكلات كانت موجودة منذ سنوات عديدة، وسعى إنستغرام حينها للتقليل علنا من شأنها أو تحويرها للإشارة إلى حدوث العكس”.
وفي الولايات المتحدة، أعلن كل من السيناتور ريتشارد بلومنثال والسيناتور مارشا بلاكبيرن عن تحقيق، واتهما الشركة بـ”التستر” على هذه المعلومات.
زوكربيرغ استحوذ عليه هوس الخوف من التطبيقات الجديدة اللامعة مثل “سناب شات” ومؤخرًا “تيك توك” من أنها ستحل محل فيسبوك لتكون ملكة وسائل التواصل الاجتماعي (الفرنسية)
مكافأة المبلغين عن المخالفات
بالنسبة إلى المبلغين عن المخالفات على فيسبوك، من المحتمل أن تكون المخاطر هائلة على من قام بتسريب المعلومات ولكن هناك فوائد أيضا.
تدفع لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية مكافأة وتعد بتسليم ما يزيد على 10% إلى 30% من أي غرامات يتم الكشف عنها تزيد على مليون دولار، التي يتم تفعيلها عادة إذا أمكن إثبات أن الشركة قد ضللت المستثمرين ماديا. وقالت اللجنة الأسبوع الماضي إن مخبرا واحدا قد تلقى للتو واحدة من أكبر المدفوعات بمقدار 110 ملايين دولار.
الخوف من منصات التواصل الجديدة
وتكشف الوثائق حقيقة أخرى مقلقة حيث يبدو أن شركة فيسبوك ليس لديها إحساس يذكر بكيفية تعامل خوارزمياتها مع سلوك المستخدمين.
ففي عام 2018، قامت الشركة بتعديل خوارزمية “نيوز فيد” (News Feed)، وهي جوهر تطبيق فيسبوك الرئيسي الذي يغذي المنشورات والصور والمقالات. وكان الهدف ذا شقين: أولا وقف التدهور المستمر في المشاركات، الذي يُقاس بالمشاركة والتعليقات، وثانيا، إعادة النشر وتحسين “التفاعل الاجتماعي الهادف”.
ولتحقيق ذلك، قامت فيسبوك بإعطاء وزن أقل للمحتوى المنتج مهنيا، بما في ذلك مقالات من منظمات إخبارية ناشطة مثل “بريت بارت” (Breitbart)، لصالح منشورات من الأصدقاء المقربين والعائلة، معتقدين أن هذا خيار أكثر أمانا.
كان وراء هذه الخطوة الجنون الذي ساد موقع فيسبوك لفترة طويلة. فقد استحوذ على زوكربيرغ هوس الخوف من التطبيقات الجديدة اللامعة مثل “سناب شات” (Snapchat) ومؤخرا “تيك توك” (TikTok) من أنها ستحل محل فيسبوك لتكون ملكة وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب تقرير وول ستريت جورنال.
في الواقع، ينظر الشباب إلى فيسبوك على أنه المكان الذي يوجد فيه آباؤهم وأجدادهم، حيث أصبح إنستغرام حيويًا باعتباره جناح الشباب في إمبراطورية زوكربيرغ.
هذا هو السبب -كما ذكر التقرير- في أن الشركة كانت مترددة للغاية في المضي قدمًا في التغييرات التي قد تفيد الصحة العقلية ولكنها تقيد النمو.
وأدى تعديل “آخر الأخبار” إلى إبطاء التراجع في المشاركة، لكنها جعلت المنصة أيضًا أكثر سمية. حيث قام الناشرون والأفراد بتكثيف المنشورات المتطرفة والإثارة بعد أن اكتشفوا، في ظل النظام الجديد، أن هذه المنشورات أدت إلى مزيد من الردود وانتشرت على نطاق أوسع.
وحذر علماء بيانات فيسبوك من أن التغيير له “آثار جانبية غير صحية على شرائح مهمة من المحتوى العام، مثل السياسة والأخبار”.
وأخبرت الأحزاب السياسية في إسبانيا والبرتغال فيسبوك أن التغيير دفعهم إلى تغيير رسائلهم للاحتفاظ بنفوذهم. وبحسب ما ورد، قال أحد الأطراف إنه زاد بشكل كبير عدد المنشورات السلبية “بشكل واضح كدلالة للتغيير في الخوارزمية”.
وقام “فريق النزاهة” في فيسبوك -إثر هذه المعلومات- بإدخال تغيير خوارزمي طفيف نجح في الحد من المعلومات المضللة المتعلقة بالصحة. ولكن -وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال- عندما اقترح الفريق طرحها على نطاق أوسع، رفض زوكربيرغ الفكرة لأنها قد تقلل من تفاعل المستخدم.
المصدر: الجزيرة.