السطحية.. سبب لانعدام جدوى الوعظ والإرشاد في الخطب المنبرية
هوية بريس – ذ.عصام العيون
لعبت خطبة الجمعة على مر العصور دورا مهما في جمع كلمة المسلمين ولم صفوفهم ونشر الوعي الديني لديهم.. وكانت منذ ظهور الإسلام مناسبة للتذكير بقيم العدل والحق والتسامح والتنبيه على خطورة كل مظاهر الشر والفساد والإساءة للنفس والغير والمجتمع…
كانت خطبة الجمعة وسيلة دعوية لربط الدين بالدنيا وإصلاح أخلاق المسلم وسلوكياته وتحيين إسلامه ليبقى حيا نابضا بقيم الخير الذي دعا إليه نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وأسس لها القرآن الكريم..
صحيح أنها استغلت أحيانا كثيرة لأغراض سياسية وشخصية ومناسباتية مختلفة بحسب الأزمنة والظروف لكنها كانت دائما وفي الغالب ملاذا أسبوعيا يحج إليه المسلمون المتدينون من كل حدب وصوب لينهلوا من معين دينهم وينفضوا عنهم نصب الحياة ومشاقها المملة..
اليوم وفي المغرب كسائر البلدان المسلمة أو معظمها انحسر دور خطبة الجمعة بشكل ملحوظ وتراجع بوتيرة كبيرة لتتراجع معها جل القيم التي كانت سائدة في المجتمع المسلم وتنتشر في واقع الناس ممارسات جاهلية حاربها الإسلام ورفضها ونهى عنها…
في المغرب مثلا تخبرنا وزارة الأوقاف حسب موقعها الالكتروني أن المساجد الجامعة التي تجرى فيها خطبة الجمعة تقدر بحوالي 17000 مسجد تقريبا وهو رقم مهم لا يستهان به.. بمعنى آخر أن كل أسبوع يستمع المسلمون المغاربة لحوالي 17000 خطبة تذكرهم بوصايا دينهم الحنيف وتحثهم على كل أوجه الاحسان والصلاح التي دعا إليها..
أو على الأقل هذا هو المفروض..
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو ما مدى فعالية هاته الخطب في التأثير على الناس وتذكيرهم بقيمهم الإسلامية الحنيفية السمحة؟؟
فبرغم العدد المهم لتلك الخطب الموزعة على ربوع المملكة لازلنا نلاحظ تفاقم ظواهر سلبية، شاذة وخطيرة متفشية بين الناس ..الأمر الذي يدعونا للاستفسار عن جدوى تلك الخطب الوعظية.. خصوصا وأن شريحة عريضة من المغاربة يبحثون عن إشباع احتياجاتهم الروحية والإجابة عن أسئلتهم الدينية عبر قنوات مشرقية سواء تعلق الأمر بالقنوات الدينية الفضائية أو قنوات الشيوخ والدعاة عبر اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي مما يؤكد ذلك القصور الذي نتحدث عنه.
أهم سبب في عدم قيام تلك الخطب المنبرية في المغرب بدورها التوعوي الإرشادي في نظري هو سطحية المواضيع المتناولة ضمنها، يزيدها ضعف تكوين بعض الخطباء في موضوع الإلقاء والخطابة..
قد يكونون مؤهلين معرفيا ودينيا لكن أغلبهم لم يتكون منهجيا في تقنيات الخطابة والإلقاء ومراعاة أحوال الجمهور وساكنة الحي الذي به المسجد فضلا عن اختيار اللغة البسيطة والفعالة في الوصول إلى افهام الناس ومداركهم وهذا ما يعكسه قراءة عدد كبير من الأئمة لخطبة الجمعة من ورقة مكتوبة الشيء الذي يمنع التواصل الإيجابي بين الملقي والمتلقي ويضفي نوعا من الجمود والملل على العملية التواصلية…
الخطاب الديني الدعوي في مناسبة أسبوعية مهمة وسريعة كخطبة الجمعة، يجب أن يكون مركزا ومختارا بعناية ويعالج قضايا الناس وهمومهم ويضع أنامل النقد على جروح المجتمع يناقشها على الأقل إن لم يستطع معالجتها…
ما نفع خطب الجمعة إذا كانت نسبة السرقة وقطع الطريق متفشية بشكل مهول وتعاطي المخدرات والإساءة للجار وسب الرب والدين وعقوق الوالدين وعدم احترام المعلم وتوقير الكبير وتخريب المرافق العمومية وتشجيع الرشوة ورمي القمامة في الطريق والتستر على الباطل والنميمة والكذب وشهادة الزور والتطبيع مع الزنا وشرب الخمر والعري والسفور، وغيرها من الظواهر الشاذة في المجتمع المسلم؟
إذا لم يعالج خطيب الجمعة هاته الآفات بتفصيل وتحليل فماذا يعالج؟؟
الملاحظ أن شريحة عريضة من الأئمة خطباء الجمعة لا يولون هاته المواضيع اهتماما خاصا بقدر حرصهم على سرد خطبة مجترة، قد يكون فيها أحاديث نبوية شريفة وآيات قرآنية نفيسة. لكن تناولها جاف بعيد عن اهتمامات الناس وأوجاعهم اليومية..
المفروض أن يتم إيلاء موضوع تكوين خطباء الجمعة في التواصل وحسن معالجة قضايا الناس بما يتفق وتعاليم الإسلام وخصوصيات المجتمع المغربي اهتماما خاصا من طرف الوزارة المعنية إذا أردنا فعلا أن نعيد لمنبر الجمعة هيبته ودوره المفصلي في حياة الإنسان المغربي المسلم.
موضوع مهم تجرأت للتحدث عنه
ولكن للأسف لم تكن عندك الشجاعة لذكر السبب الأول والأهم لسطحية مواضيع الخطب وجعلت مقالك سطحياً أيضاً لنفس السبب الذي تحاشيت ذكره.
في نظرك ماهو ذلك السبب الأهم خلف تلك السطحية؟؟؟ نورنا بارك الله فيك ..
إن تحديث الخطاب الديني الذي يكرسها الإعلام الرسمي و الوسطية والاعتدال التي يقوم بها علماء البلاط هو في حد ذاته محاصرة الحقل الديني و غياب الخطاب الديني الفاعل في المجتمع والتعليم مما يؤدي إلى زيادة الإجرام فيه وانتشار الرديلة و الفساد الذي أصبح واقعاً معاشا….
لا شك أن الأمر يحتاج إلى عناية وقد لا يتطلب الأمر تكوينا وإنما الاستفادة من الخطباء الناجحين والبحث عن طرق لإيصال الفكرة وتأثير الموعظة كفيل بأن يحسن الخطيب من أدائه أضف إلى ذلك تغيير النمطية والرتابة التي تبعث الملل في نفوس السامعين وذلك التغيير يكون بربط الوحي بالواقع والإجابة عن إشكاليات النفوس بتحليلات منطقية مقنعة مع عدم إغفال الاستفادة مما اكتشفه العلم التجريبي ففهم الوحي على ضوء ذلك مع التمكن من قواعد فهم الشريعة يزيده نورا على نور
لكن لا ينبغي أن ننسى أن هناك نفوسا يصلحها القرآن ونفوسا لا يردعها إلا السلطان أي محاسبتها من طرف العدالة.