خطة التسديد وعدم تسجيل الهدف

25 سبتمبر 2024 18:11

هوية بريس – عبد الواحد رزاقي         

حينما تتعامل المؤسسة بالمزاج وردود الأفعال ويكون هاجسها أمنيا وعملها محكوما بالترقب والتوجس والانتظار فاعلم علم اليقين أنها بعيدة كل البعد عن التخطيط الاستراتيجي والعمل وفق أهداف وغايات مبنية على الرصد والدراسة والتتبع.

ما فعلته وزارة الأوقاف من خطة لتسديد التبليغ وما دخل في إطارها من توحيد خطبة الجمعة، ينم عن تخبط وغياب البوصلة والارتباك ومجرد ردود أفعال بفعل مجموعة عوامل متداخلة من أهمها عملية طوفان الأقصى التي جعلت بعض الأئمة يتفاعلون مع مجرياتها بدافع الشعور بالانتماء للأمة الواحدة وانطلاقا من واجب العلماء في ضرورة التبليغ والنهي عن المنكر باللسان الذي هو أقصى ما يملكونه.

تفاعل الأئمة الغيورون على أمتهم ومع موطن قبلتهم الأولى ومسرى رسولهم عليه الصلاة والسلام، فخصصوا خطبا للقضية الفلسطينية التي جعلها عاهل البلاد رئيس لجنة القدس في مصاف القضايا الوطنية شأنها شأن الصحراء المغربية.

هذا الفعل الحضاري الذي قام به الكثير من الخطباء مذكرين المغاربة بضرورة نصرة المجاهدين في غزة وفلسطين ولو بالدعاء، تلقته الوزارة بالتشنج والقمع وتكميم الأفواه فقامت بعملية طوفان التوقيف، مستكثرة عليهم التطرق لضرورة نصرة الأقصى والمرابطين في فلسطين واستنكار جريمة الإبادة الجماعية التي يمارسها بنو صهيون الأشرار قتلا وتشريدا وتجويعا…

قد نفهم مسايرة وزارة الأوقاف (التوقيف كما يسميها بعض الظرفاء) للدولة في تطبيعها مع العدو الصهيوني الذي بات مجرم الحرب رئيس وزراء كيانه “النتن ياهو” يساومنا في صحرائنا حينما يطل بوجهه الكالح عبر الصور مع خريطة المملكة منزوعة من صحرائها. كما بات المحميون الجدد أصحاب النداء المشؤوم:” كلنا إسرائيليون” ينشرون عبر الجرائد مقالات تحت عنوان موجود في الأكشاك :” المغرب المملكة المقدسة لبني إسرائيل” !!!  مجلة حقائق مغربية لصاحبها المدعو عبد الله الفرياضي.

حينما يسكت العلماء طوعا وتكمم أفواه بعضهم لما تجرؤوا على الكلام فعلى الدنيا السلام. إذا كان هذا حال المؤسسات الدينية الرسمية :(الوزارة والمجلس العلمي الأعلى وفروعه المجالس العلمية المبثوثة عبر ارجاء الوطن) ، فما محل جمعيات الحركة الإسلامية بالمغرب والعلماء والمفكرين المستقلين ؟

لقد دعمت حركة التوحيد والإصلاح عملية طوفان الأقصى بإصدار مجموعة من البيانات تؤكد فيه دعمها اللا مشروط للقضية الفلسطينية ودعت وشاركت في مسيرات ووقفات تدين فيها جرائم الإبادة الجماعية التي يقترفها الكيان الصهيوني وتدعو لوقف قطار التطبيع الزاحف الذي سيأتي على الأخضر واليابس. وكذلك الشأن بالنسبة لجماعة العدل والإحسان وبعض تيارات اليسار وغيرها من الفاعلين.

يقول الأستاذ عبد الله الجباري في رسالة مفتوحة إلى المجلس العلمي الأعلى :”سادتي العلماء، منذ عشرة أشهر والأمة في محنة عظيمة، مركزها قطاع غزة، وأطرافها كل العالم بدون استثناء، وقد قرأنا تصريحات وبيانات مشيخة الأزهر ومفتي سلطنة عمان وغيرهما من مراجع الإسلام، ولم يلذ بالصمت إلا مجلس حكماء إسرائيل بالإمارات العربية المتحدة، والمجلس العلمي الأعلى بالمغرب. فهل هذه المحنة غائبة عنكم ولم يصلكم خبرها؟ أم أنه وصلكم لكنه لا يعنيكم أمرها؟” ويختم رسالته بالاستنتاج الكبير:” سادتي العلماء، للنظم السياسية إكراهاتها، أما أنتم العلماء فلا إكراهات ولا ضغوط عليكم، لأنكم علماء الدولة، ولستم خداما عند الدولة. بل قد أزيد الأمر وضوحا وأقول: لا عذر لكم أمام الله البتة في هذه القضايا المصيرية خصوصا عند سؤالكم عن علمكم: ماذا فعلتم به؟…ختاما أقول: كيف للعلماء الذين لم يمارسوا التبليغ أن ينتقلوا إلى تسديد التبليغ”. هذه نماذج فقط على سبيل المثال لا الحصر.

إن توحيد خطبة الجمعة في إطار خطة تسديد التبليغ في مضمونها لا يخرج عن المبادئ الكبرى للدين إلا أنها قصدت عدم الاهتمام بأمور المسلمين في العالم ولا تفردهم بدعاء أو أدنى التفاتة فبالأحرى الحديث عن مشاكلهم ومظالمهم والتعريف بقضاياهم.

إن توحيد الخطبة تحنيط لدورها والحكم على المساجد بالإعدام بمعنى إقبار وتغييب المبادرة المحلية وإغلاق باب الاجتهاد في وجه الخطباء وفصل الجامع عن محيطه الذي يعيش داخله. إن تنميط الخطبة وجعلها معيارا (standard) ، عمل غير محسوب العواقب ولم يكن مسبوقا عبر تاريخ هذا البلد الأمين. فهل ننتظر يوما ما أن نستمع لتسجيل صوتي(audio) للخطبة الموحدة عبر البث الإذاعي أو عبر ناقل الملفات USB  يوصل بشاشات التلفاز التي نسجت عليها العنكبوت خيوطها بالمساجد من زمن ليس بالقصير. وقد تكون عبر نقل مباشر للخطبة عبر شاشة التلفاز ونعفي آلاف الخطباء الذين يعانون قلة التعويضات (500 درهم شهريا بمعدل 100 درهم للخطبة !!) ونوفر لخزينة الأوقاف ميزانية تضاف لماليتها الضخمة ونساهم في نسبة البطالة التي تخنق بلدنا.

ثم إن الخطيب الذي يشعر بالارتياح بمجرد انتهائه من الخطبة على اعتبار انه حسن السيرة ومرضي عنه من الجهات المختصة وأنه منضبط للتعليمات، ويمنى نفسه بأنه أدى ما عليه وجزء من جسد الأمة تنهشه الأعداء وتبيده عن بكرة أبيه فهذا الخطيب لم يستفد من علمه ولم يعرف قيمة استخلافه على منبر رسول الله…

ولكي لا يفهم هذا الأمر بأنه دعوة للخطيب كي يفعل ما يشاء فوق المنبر، فلا اقل من تخصيص المسلمين عبر أرجاء الأرض بالدعاء والتضامن والموالاة.

إن خطة التبليغ تبتدئ من العناية بالأئمة بدء من تحسين رواتبهم خصوصا الأئمة الذين ليس لديهم دخل قار من وظيفة أو غيرها ولا تنتهي بتقييد حرية الخطيب في أمر البلاغ المبين ومعالجة الأحداث والوقائع التي يراها داخل بيئته ومحيطه ومتفاعلا مع شؤون أمته بل وأحرار العالم.

فهل رد فعل الوزارة المسؤولة عن الشأن الديني من طوفان الأقصى أتى من تلقاء نفسها أم بضغط  خارجي أدى إلى هذا التغيير الكبير الذي باتت فيه الخطبة لا طعم فيه ولا رائحة؟.

إن الخطة التي تدس رأسها في الرمال كالنعامة متجاهلة ما يدور حولها في داخل الوطن وخارجه لا خير فيها ولم تسجل الهدف المرجو منها.

فإلى متى يبقى التطبيع جرثومة يربك سياساتنا ويخلط حساباتنا ويؤثر على قراراتنا ويقتحم سيادتنا ويمس هيبتنا التي استعصت عن الأعداء قرونا طويلة، ولا نجني منه إلا الخيبات والنكسات؟؟                                                                                            

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M