الهوس حاضر لدى بعض النخب العربية بمصطلح العلمانية
هوية بريس – أحمد القاري
قال وزير الأوقاف المغربي أحمد التوفيق إن وزير الداخلية الفرنسي سأله “لماذا تصدمكم العلمانية؟” فكان جواب الوزير المشرف على المساجد وعلى عموم الشأن الديني للمسلمين في البلد “لا، نحن علمانيون”.
وأضاف الوزير التوفيق إن الوزير الفرنسي “بقا حال…” في إشارة إلى عبارة “حال فمو” أي أنه كان مندهشا ومشدوها.
وحق للوزير الفرنسي أن يندهش. فالعلمانية لا تتحقق أبدا إذا نص دستور بلد على دين رسمي، كما هو الحال في بريطانيا حيث كنيسة إنجلترا كنيسة رسمية يتولى الملك منصب حاكمها، وفي مملكة الدانمارك التي ينص دستورها على أن الكنيسة اللوثرية الدانماركية كنيسة دولة وفي معظم إمارات أوروبا مثل أندورا وموناكو وأيضا في جمهورية مالطة.
بل يسير اجتهاد بعض الدستوريين إلى أن البلدان التي ترتبط باتفاقيات تخول للفاتيكان سلطات في مجال التعليم وتسيير الشؤون الدينية لا يمكن أن تصنف تقنيا باعتبارها بلدانا علمانية تفصل الكنائس عن الدولة. وهو حال ألمانيا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها. ومعظمها تجمع الضرائب لفائدة الكنيسة وتتعاون معها في التعليم والصحة.
بل إن في أرض فرنسا نفسها مناطق لا تخضع لقانون 1905 الذي أشار إليه الوزير. وهي تشمل مدينة ستراسبورغ التي تدفع فيها الدولة الفرنسية كافة مصاريف الكنائس ويعتبر القساوسة والأساقفة موظفين عموميين. وهو حال بعض أقاليم فرنسا وراء البحار التي رفضت قانون 1905 الذي فصل الكنائس عن الدولة الفرنسية.
الهوس حاضر لدى بعض النخب العربية بمصطلح العلمانية، ولديهم شعور بالضعف والنقص تجاه التجربة الأوروبية رغم أننا لسنا في حاجة إليها ولا إلى مصطلحاتها ما دمنا أحرارا في الإسلام من هيمنة أي جهاز رسمي فلا كنيسة ولا رهبنة في الإسلام.
يجب أن نخاف من أن سيطرة وزارات الأوقاف على المساجد ومحاولتها التحكم في الخطب ومنع تناول الشأن العام والحد من دور المساجد والخطباء والعلماء في المجتمع يمكن أن يصنف باعتباره محاولة لخلق ما يشبه كنيسة يكون الموظفون في وزراة الأوقاف أساقفتها المتحكمين. وهو أمر يجب أن يرفضه العلماء والعامة من المسلمين على حد سواء.