تنبيه وتوجيه وإرشاد (لطلبة العلم)

هوية بريس – الشيخ موسى الدخيلة

نحنُ في زمن قلّ فيه جدّاً الوفاءُ وحفظُ الودّ والأدبِ من المتعلمين للمعلمين…

فكثير من طلاب العلم يربّون الريش في العلم وينمون فيه بين يدي معلّميهم وأمام أعينهم، كما ترى الأمّ طفلها ينمو ويكبَر شيئا فشيئا؛ لأنه كان بين يديها وعينيها في كلّ مراحل طفولته، حين كان رضيعاً تحمله على ظهرها وبين ذراعيها، وحين صار يمشي على بطنه، ثم يحبو على ركبتيه، ثم يتعثر في مشيه فتمسك من يده تعينه على المشي، ثم حين صار يمشي وحده…الخ

فكذلك المعلّمُ يرى يقيناً المتعلّمَ بين يديه وأمام ناظريْه في هذه المراحل كلها أو بعضها -حسب حاله- ينمو ويربّي الريش ويشتدّ ساعدُه ويكبُر ويتقدّم في العلم شيئا فشيئاً، -وربما يغلظ عليه ويشدّد لمصلحته كما تفعل الأمّ لمصلحة ولدها- ولا ينسى معلمُه حاله التي كان عليها، كما لا تنسى الأمُّ ولدها، فما يزال يتذكّر تلكم الأسئلةَ الضعيفة البليدة التي كانت منه أولاً! وكيف صارتْ بعد نموّ الفهْم وجودة الذهن دقيقةً متينة رصينةً، وما يزال يتذكّر ما كان يجد من معاناة في شرح الواضحات البدهيات التي كانت عسيرة على حديث الولادة في العلم…

لكنّ بعض طلبة العلم إذا وصل إلى مرحلة لاحقة نسيَ ما كان عليه من المراحل السابقة، فيتنكّر لمعلّمه ومعينه على السير قبل أن يشتدّ ساعده، فيسيء الأدبَ تصريحاً أو تلميحاً باللمز، فضلاً عن حفظ الودّ والوفاء للماضي!!!

فيتغيّر أسلوبُ النداء ولقبُ المنادى وطريقُ الحوار رأساً على عقب، وقد يهجوه بعد أن علمه نظم القوافي، حقيقةً أو مجازاً! مشافهةً وحضوراً، فكيف في غَيبته ؟!

فضلاً عن قطيعة الرحم -رحم العلم- التامة الكلية شهوراً بل سنوات، بلا مكالمة ولا رسالة ولا سطرِ تهنئة بعيدٍ مرةً في السنة، وربما كان ذلك مع قرب المسافة!!! إلاّ من رحم الله، من أهل الصدق والصفاء والولاء وطيب المعدن…

والقصدُ من هذا هو تذكير نفسي وإخواني بحفظ الودّ والتوفير والأدبِ لمعلّمينا مع غضّ الطرف عن العيوب فلا يسلمُ منها أحد:

ومن ذا الذي ترجَى سجاياه كلها… كفى المرء نبلاً أن تعَدّ معايبهْ

ولا منةَ لأحد على أحد، فكما أن المتعلّم يستفيد من معلّمه فكذلك العكسُ، فكم من معلّم استفاد من تلاميذه، لكنّ حقّ معلميك عليك أعظمُ من حقّ المتعلمين منك…

فاحرص على ذلك تنلْ بركة ما تعلمتَ وتجدْ أثره في عقبك بإذن اللهِ…

وفقني الله واياكم لما يرضى به عنا… امين آمين.