البصمة الوراثية من أعرف بالحقيقة الاجتماعية الفقهاء أم الحداثيون؟

06 يناير 2025 22:55

هوية بريس – بلال التليدي

بعض الحداثيين ينتقدون على الفقهاء تحجرهم في إثبات النسب بالبصمة الوراثية، ويعتبرون أن اجتهادهم خارج التاريخ، وضد التقدم العلمي!

وبعضهم يحاول أن يظهر نضج عقله الاجتهادي ويقول لقد عمل الرسول الكريم بالقيافة، وهي أقل قطعا ويقينا من البصمة الوراثية، فكيف لا نعمل نحن اليوم بالبصمة الوراثية.

والحقيقة أن عقل الفقهاء في هذا الموضوع أظهر تفوقه ونضجه وفهمه العميق للواقع ومراعاته للعواقب الاجتماعية أكثر من الذين يدعون الانتساب للحداثة، فالفقهاء خاصة المالكية بنوا قضية النسب على اليقين لا الشك.

في الأمثلة التي تورد في الفقه الاسلامي تدور الحالات بين تنازع حول نسب الولد مع وجود فراش، حكم فيه رسول الله عليه السلام بأولوية الفراش ولو بمخالفة القيافة، وبوجود إقرارين من رجلين بانتساب الابن لهما، فكانت القيافة ترجيحا لثبوت نسب بالإقرار، وليس في الحالات المذكورة ما نحن بصدده، أي حالة علاقة غير شرعية، وادعاء امراة أن ولدها من فلان بدون استلحاق. فهذه الحالة التي ينتفي فيها الفراش، وينتفي فيها الإقرار ، ولا يوجد التنازع بوجود اقرارين، ولم يتم استلحاقه من قبل الزاني، فقد رفض اغلب الفقهاء اعمال البصمة الوراثية فيها ليس لانها ليست قطعية او فيها هامش ضئيل من الشك، ولكن لانها تفتح مجالا للادعاء الواسع بما يعرض بعض الاسر للاضطراب وعدم الاستقرار، اذ يلزم من ادعاء المرأة اخضاع المدعى عليه للخبرة الجينية، فيترتب عن ذلك تدمير استقرار اسر لمجرد الادعاء او التشهير بسمعة ناس أبرياء.

رأي الدكتور الريسوني الذي ينتصر له البعض إنما يهم وجود زنا واعتراف الزاني بالزنا وما ترتب عنه من ولادة. اجتهاد علماء المغرب في هذه النارلة كان معروفا إذ نصحوا بستر هؤلاء وتزويجهم.

ورحم الله الشيخ عبد الله كنون رحمه الله فقد كان يقول: لا تكثروا علينا أولاد الحرام، بينما حداثيو اليوم يريدون توسيع الامر فيما لا اعتراف فيه بالزنا ويريدون خلق نمط آخر من الاسر مبني على غير قاعدة الزواج.

حكا لي صديق محام، ان امراة جاءت تستعطفه، تدعي أن ابنها تم خطفه من المستشفى من أحد المسؤولين، وأن المستشفى غير لها الولد ببنت، وانها امه، وان السيد المسؤول عاقر، وانها تريد اجراء الخبرة الجبنية بعد مضي اكثر من عشرين سنة عن حادثة لا تملك أي دليل مادي عليها، فلما التمس صديقي رأي القاضي في المسألة قال له: هل لمجرد مرض نفسي لامراة او توهمها يطلب منا أن نجري الخبرة الجينية على أمة سيدنا محمد كاملة إرضاء لخاطرها. فكلما ادعت، نقوم لنجري الخبرة الجينية على من ادعت عليه وندمر أسرا بكاملها ونمس باستقرارها.

لنفترض أن امراة واقعت أكثر من رجل، فلما حملت، اختلط عليها الامر فهل يجاريها القضاء كلما فتحت رجليها، ويفتح الامكانية لإجراء الخبرة الجينية على كل هؤلاء، وربما على آخرين لا علاقة لها بهم لمجرد الرغبة في التوريط او الابتزاز؟

سؤالي لذلك الحداثي: ماذا لو فوجئت يوما بادعاء امراة أن لها ولدا منك، وطالبت بإجراء خبرة الحمض النووي عليك، فكيف سيكون مصير أسرتك في الفترة التي تسبق ظهور نتائج التحليل، وهل ستستجيب لأمر القاضي بإجراء الخبرة الجينية وانت تعرف ان الامر كله هراء في هراء، اًو ربما ابتزاز في ابتزاز أو إرادة في تشويه سمعة؟ وكيف ستواجه زلزلة داخل بينك أحدثتها تعديلات طالبت بها دون أن تعرف تداعياتها الخطيرة؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M