تلاميذ مدرسة.. أم رُضَّع بني إسرائيل (ج3)

06 ديسمبر 2016 21:07
تلاميذ مدرسة.. أم رُضَّع بني إسرائيل (ج3)

هوية بريس – زينب أحمد العيايطي

دعوني في بداية الجزء الثالث من هذه السلسلة أنبِّه إلى مسألة لا بُدَّ وأنَّها قد حضرت في الأذهان المُطمئنة إلى التعليل المادّي الصِّرف..

قد تفترض هذه الأذهان أنّ كلّ المجهود الكبير الذي أبذله لاستخراجه في هذه المقالات المركّزة، ليس سوى تكلُّفٌ منِّي للانتصار لمدرسة خصوصية أعمل بها.. وبالتالي فكلّ ما سيَعْنِيها -الأذهان- من هذه المقالات هو البحث ضمنها عن علاقة موضوعها بموضوع المدرسة لتتأفَّف بارتياح لهذه “العياقة” التي ساعدتها على فكّ لُغزٍ تراقصَ في خيالها العاجز عن استيعاب خلفيات نوايا الخير للأمة الإسلامية ، التي هي مختلفة ومتجاوزة كليّا وتفصيليا لاعتبارات سفراء النّوايا الحسنة المشهورين!!

تعليل من هذا النّوع ترتاح له هذه النفوس ويُعفيها من حرقة الإحساس بوجود من يعيش من أجل القضايا لا من أجل المادة (بمختلف تمظهراتها)..

وربّما عليّ بذل جهد إضافي لردّ باطل هذا الامتهان عن قلمي.. لكن هل سيكون للأمر أهميّة فعلا؟

سأعتذر بتأجيل الإجابة عن هذا إلى آخر المقال.. لحاجة في نفسي..

نعود إلى صلب الموضوع..

قلتُ في أوّل هذه السلسلة وأزيد التدقيق هنا، أنّ موضوع مدرسة الفطرة إنّما جاء كنقطة أفاضت كأس الورم الذي أُريدَ له أن ينخر المنظومة التعليمية التربوية في المغرب من جذورها العميقة.. وإذ أن مشيئة الله سبحانه وتعالى وحكمته التي لا يعلمها إلا هو، جعلتني أكون شاهدة على هذه النقطة فقد وجب عليّ، من جهة النصيحة للمؤمنين ومن جهة الخدمة لهذا الوطن، أن أخوض في الكشف (كمرحلة مُصاحبةٍ لتشخيص الداء) عن كل ما له ارتباط بهذا الموضوع.. سواء تعلّق الأمر بمؤسسة الفطرة 2 بشكل مباشر (كما هو الحال في المقال الثاني من السلسلة) أو بالمنظومة التعليمية ككل.. ذلك أنّ الحقيقة الثابتة عندي هي ما جاء صارخا في العنوان.. أمّا كل ما يأتي تحته فلا يعدو إلا أن يكون «شواهد من الواقع»..

واسمحولي أنْ أُفصح لكم عن المنهج الذي اعتمدتُه في هذا الكشف.. مع الاعتذار عمّا قد يشوب ذلك من إطناب مُخلٍّ بوقتكم..

إذن في بداية هذا البحث.. طرحتُ سؤالا: من هو المعنيّ الأوّل بإصلاح هذه المنظومة؟

فلم أجد من جواب مقنع أكثر من أنّه “الأستاذ”؛ لسببين:

– أنّه ابن الميدان والأكثر رصداً لما يُفعل فيه.. وبالتالي رؤيته ستكون أدقّ..

– أنّهُ الإطار البارز في الأُطر النُّخبوية في جميع البلدان..

لكنّ إطلالة كسولة على واقع الأمر، تُفيد أنّ جزءا مُهِمّاً من الأساتذة منشغلون بمشاكلهم المادِّية التي غرقوا فيها حتى النخاع.. ولعلّ أقوى ما يُفصح عن تخاذلهم هذا.. ملاحظةٌ ناتجة عن رسوخ فكرة قديمة في الأذهان، والتي بنيناها جميعا من التجربة.. هذه الفكرة تحكي عن أنّ القسم الذي يدرسُ فيه ابن الأستاذ، يكون هو القسم الأجود تعليماً وتنظيما..

هذه هي المسلّمة التي عاشت فيها المدارس العمومية طيلة سنوات كثيرة مضت.. لذلك كان سحب أساتذة التعليم العمومي لأبنائهم من المدارس العمومية (خاصة الابتدائية منها) أوّل إفصاحٍ منهم عن رفع أياديهم عن قيامهم بِمَهَمَّة إصلاح المنظومة أو على الأقل الوقوف سدّا منيعا ضد برامج إفسادها.. وخيانتهم -بالتالي- شرف المهنة الذي لا يتلخّص فقط في تلك الإملاءات التي تمّ إرهاق جذاذات الأستاذ بوابل نظرياتها.. بل هو متعلِّق -في أساسه- بالقدرة على امتلاك نظرة شمولية للمنظومة التي من المفروض أنّ هذا الأستاذ يَعمَل كجنديٍّ فيها.. إذ من المعلوم في الأذهان السويَّة استبعاد الشَّرف عن جندي لا يدرك من حدود المعركة إلّا المدى الذي تصله قذيفة بندقيَّته!!

وهكذا -وِفق هذا المُعطى الذي صرَّحت به اختيارات الأساتذة لأبنائهم- يصبح ترتيب الجودة في المنظومة هو: المدارس الخصوصية ثم العمومية..

هنا، احتجتُ إلى البحث عن أطر نخبوية أخرى لدعم هذه الحقيقة أو ربما إضافة نوع مدارس أخرى.. حتى لا يبقى هناك من مجال للشطط في هذا الترتيب..

فكان السؤال: الدبلوماسيين والسياسيين ورجال الأعمال وهذه القائمة التي تتربّع على عروش الاطمئنان المالي والاقتصادي.. أين يُدَرِّسون أبناءهم؟

ليكون الجواب هو نفسه ثابت مستقر جامد منذ ما قبل الاستعمار إلى الآن.. مدارس البعثة الفرنسية!!

هذا الجواب حمل في طياته حقائق غاية في الأهمية.. ربّما تشرح بعضا من أصول أُحْجِيَّة “التحكّم” التي أفرزها التنفيس عن ضيق بعض السلطويين عن استيعاب اختيارات الشريحة المغربية حتى في ظل الحرب الشَّعواء على هويتها..

يا إلهي يبدو أنّني بالغتُ في التّكلف  مجدَّداً.. آه حسنا هذا ناسب نهاية هذا الجزء من المقال.. وبالتالي حان أوان الجواب عمّا تم تأجيله..

فبالنسبة للذين يفترضون في قلمي الامتهان.. اسمحوا لي أنْ أقول لكم.. ارتاحوا.. فعلا “فكلٌّ يُغنِّي على لَيْلاه”..

في المقال القادم بحول الله.. سنرى معا المعنى الحقيقي لتربُّع مدارس البعثة الفرنسية -خاصة- على عرش منظومتنا التعليمية.. وما هي أبرز ملامح الجودة التي تُغري المجتمع المغربي بها؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M